تنظيم "صناعة الأكاذيب"

ما إن صدر القرار المشئوم رقم 181 فى 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين، وبدأت العصابات اليهودية تتجه صوب فلسطين، حتى بدأت الدولة المصرية والدول العربية فى التحرك، وهنا استغل مرشد التنظيم الإرهابي الأحداث ليعلن موجهًا رسالته إلى الحكومة المصرية، بأن جماعته لديها كتيبة قوامها 10 آلاف متطوع على استعداد للجهاد فى فلسطين، ومثلهم آخرون رهن إشارة الملك والحكومة، وبعدها بأيام وجه نفس الرسالة إلى الجامعة العربية.

لقد كان يستهدف إحراج الدولة المصرية والجامعة العربية، لكن رد فعل الحكومة المصرية فى ذلك الوقت، جاء بفتح باب التطوع للجهاد فى فلسطين، وهنا كُشِف كذب مرشد التنظيم، فهو لم يكن يستهدف ذلك الأمر، (الجهاد فى فلسطين)، بل كان يستهدف تكوين تنظيم مسلح عمل على تأسيسه وتسليحه وتدريب عناصره، تحت دعوى تحرير فلسطين، وهم فى الحقيقة على غير ذلك.

بمجرد دخول الجيش المصري فى 15 مايو 1948 إلى فلسطين، قال «البنا» إن ميادين فسطين لن تستطيع استيعاب هذه الأعداد من المجاهدين للكر والفر، ويكفي أن يذهب 100 فقط من المجاهدين، وأن يعمل الباقي للجهاد هنا يقصد داخل مصر.

إنه تنظيم يحترف الكذب والتضليل، فقد تدرب على يد عناصر أجهزة المخابرات البريطانية، وأتقنوا عمليات صناعة الكذب واستغلال الأحداث لصالحهم.

فرغم شهادة بعض أعضاء التنظيم الإرهابي، أن عدد المشاركين من تنظيم الإخوان فى حرب 48 لم يتعد من 100 إلى 250 فردًا، حرص مرشد التنظيم، حسن البنا، على أن يسوّق لأكبر كذبة وهو دور المتطوعين من أبناء التنظيم فى حرب فلسطين.

لم تكن تلك هي الكذبة الوحيدة التي يسوقونها فى المجتمعات، بل وسط أشبالهم، إنهم يتنفسون الكذب رغم أن ذلك من الصفات التي نفاها الرسول الكريم تمامًا عن المسلم.

وقد حرص التنظيم الإرهابي على احترافية صناعة الكذب والتضليل، فكانت كتائبه المزعومة ل فلسطين مثار سخرية المتطوعين والفدائيين المصريين فى فلسطين.

وقد نُشرت مقالات مناشدة لحسن البنا بأن يرسل ولو مائة من الإخوان بدلاً من عشرة آلاف أو عشرين ألفًا!
ورغم ذلك حرص التنظيم على تقديم صورة بطولية له فى حرب 48 وهو ما جاء على غير الحقيقة.

ومن 1948 إلى المقاومة ضد الإنجليز فى منطقة القناة، التي قام بها الأبطال من الشعب المصري ضد المحتل الإنجليزي، حاول أيضًا التنظيم تقديم صورة غير حقيقية عن مشاركة أعضائه فى العمليات الفدائية.

فكيف لتنظيم وضع لبنته الأولى المحتل أن يقاومه؟! إنها احترافية صناعة الكذب التي تعلمها قادة التنظيم على أيدي ضباط المخابرات الإنجليزية.

ولأن ما يقوم به تنظيم الإخوان الإرهابي من ترويج للأكاذيب متجذرًا فى عقيدة أعضائه، جعل عمليات صناعة الفوضى أو خلق وعي زائف لدى الجمهور المستهدف من التنظيم، أمر أكثر يسرًا، كما منح التنظيم قدرة على صناعة ما يسمى بالمظلومية، وذلك من أجل استقطاب عناصر جديدة أو خلق حالة شعوبية تتعاطف مع التنظيم خاصة عندما يشعر بالهزيمة وانكشاف ستره أمام الجميع.

ولأن تنظيم الإخوان لا يؤمن بالدولة فهو دائمًا يستهدف مؤسساتها بالأكاذيب المعلبة سابقة التجهيز، فما بين استهدافه للأجهزة الأمنية من خلال حديث الإفك (الاختفاء القسري) والذي أظهر إفك وكذب التنظيم عندما ظهرت العناصر التي زعم التنظيم اختفاءها، وهم بين صفوف تنظيم داعش الإرهابي، ومنهم: عمر إبراهيم الديب، ابن القيادي الإخواني إبراهيم الديب، والذي عملت الآلة الإعلامية لتنظيم الإخوان على الترويج باختفائه قسريًا، وروجت ذلك فى عدة منصات دولية، منها منصة منظمة العفو الدولية، ليظهر بعد ذلك عمر إبراهيم الديب ضمن إصدارات تنظيم داعش الإرهابي، والذي كان ضمن عناصره، ويقاتل فى صفوفه وتمت تصفيته خلال مواجهات بين تنظيم داعش والجيش السوري.

فالجماعة تحرص على إرسال عناصرها للقتال ضمن صفوف التنظيم الإرهابي «داعش» وجبهة النصرة فى سوريا ثم تدّعي أن تلك العناصر اختفت قسريًا.

فمنذ تأسيس التنظيم الإرهابي، وسيناريوهات الكذب الاحترافية هي منهجهم، والقفز على المشهد مسارهم المفضل.

فلم يكن اختطافهم لثورة 25 يناير 2011 بجديد على تنظيم الإخوان، فقد قدموا شهادات على بطولات غير حقيقية، كما ذكرت فى صدر المقال فى حرب 48 وكذا فى 56 وحرب أكتوبر، كما عملوا على تقديم صورة مزيفة عن قدرات التنظيم على إدارة الدولة، وأنه الفصيل المعارض الوحيد القادر على ذلك، وهو فى الحقيقة، الفصيل الوحيد الذي يمتلك خريطة ممنهجة لهدم الدولة، والعمل وفق الاستراتيجية المرسومة له من أجل تدمير الوطن.

ولأن عملية صناعة الأكاذيب تحتاج إلى عمل دقيق ومرتّب، حتى يستطيع التنظيم إقناع المتلقين بما يقذفون به من أكاذيب حول المشهد، تجدهم أيضًا يختارون التوقيتات المناسبة للدفع بتلك الأكاذيب بحثًا عن خلق حالة من استعادة الثقة لدى مؤيدي التنظيم وتشويه الصورة وزعزعة الثقة لدى معارضيهم.

الأمر الذي يستوجب هنا توضيحًا مهمًا، وهو أن تنظيم الإخوان الإرهابي لا يعمل بمفرده فى تلك الصناعة، بل يتعاون مع مجموعات احترافية من أجهزة مخابرات بعض الدول التي تستهدف النيل من الدولة المصرية، والتي تعتبر عودة المشروع الوطني المصري واستعادة الدولة المصرية لقوتها تهديدًا لها.

كما يعمل التنظيم بشكل مدروس على صناعة قضايا المظلومية الدائمة، فلا ننسى الموقف الشهير بين الرئيس السادات والتلمساني.

لكن التنظيم عمل على تطوير أدواته الإعلامية التقليدية خلال فترة الثمانينيات، وعمد لزيادة تطويرها مع ظهور الإعلام الإلكتروني، وكذا المساحة الواسعة من الفضائيات، فكانت احترافية صناعة الكذب، هي أقوى أسلحة التنظيم الموجهة للدولة المصرية، والتي تحطمت فى لحظات فارقة من عمر الوطن على صخرة وعي الشعب المصري.

لكن الأمر لم يتوقف، فقد ازداد شراسة عقب 2011 بعد أن رأت الجماعة التي تحدثت فى كل المحافل والمؤتمرات، أنها لا تبحث عن السلطة ودغدغت مشاعر المواطنين بأنها تعرضت للظلم خلال الفترات السابقة، لكنها كانت تحاول على الجانب الآخر أن تقدم للشعب وللمجتمع الدولي أنها البديل الأفضل لنظام مبارك.

وعقب اختطافها للدولة المصرية خلال عام كشفت سوءة الجماعة الإرهابية، وأدرك المصريون أن أعضاء التنظيم يتنفسون كذبًا.

هنا كان لا بد من صناعة مظلومية جديدة زائفة، (أحداث رابعة)، ليحملها التنظيم الإرهابي ويروّج بها لمشهد مكذوب ضد الدولة المصرية، والعمل على التقليل من الثورة الشعبية التي أطاحت بأحلام التنظيم والزعم بأن ما حدث لم يكن ثورة حقيقية.

وعلى مدى سنوات والتنظيم يمارس الكذب لكن خلال السنوات العشر الأخيرة حرص التنظيم على تشويه المشهد، فقامت قنواته بنشر صور وفيديوهات مفبركة وقدمتها على أنها تظاهرات ضد النظام وتقوم بإعادة بثها، كما دفعت بعناصرها الإعلامية للترويج بصناعة ثورة جديدة وفى كل مرة يحطم المصريون أحلام التنظيم الإرهابي ويواصلون بناء دولتهم، ومواجهة التحديات وتحمل الأعباء من أجل النهوض بالدولة واستكمال مشروعها الوطني.

إن الفيلم الأخير الذي روّج له التنظيم الإرهابي وفق خطة رسمتها المخابرات البريطانية لن يعيد هذا التنظيم إلى المشهد ولن يمنحه قُبلة الحياة التي بحث عنها فالشعب المصري أكثر وعيًا.

لقد حرص التنظيم الإرهابي على استهداف الدولة المصرية بالأكاذيب والشائعات محاولاً ضرب الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة خاصة المؤسسة العسكرية؛ والتي كانت حجر عثرة أمام الجماعة فى أخونة المؤسسات، كما أنها حمت إرادة المصريين فى مواجهة فاشية التنظيم الإرهابي.

كما تصدت للسيناريو البديل الذي وضعه التنظيم حال إزاحته عن حكم مصر وإسقاط شرعيته، والذي كان يستهدف إحراق الدولة، فكانت القوات المسلحة لهم بالمرصاد.

لقد حرص تنظيم الإخوان على ترديد الأكاذيب والشائعات حول المشروعات بدءًا من حفر قناة السويس الجديدة، والتي خرجت قنوات التنظيم ووسائل إعلامه متحدثة عن دراسات حصلت عليها من مراكز بحثية ليس لها أي وجود، محذرة من فشل المشروع، وأن المصريين يلقون بأموالهم فى البحر ولن يستطيعوا استردادها.

ليكتمل المشروع خلال عام ويفتتح بحضور عدد من قادة العالم، وبعد مرور 8 سنوات على افتتاحه، تجني مصر ثمار ما بنته بأيادي أبنائها المخلصين وتتحطم أكاذيب الإرهابية، لكنها لا تكف قط عن مواصلة سيناريو الكذب مستهدفة كل المشروعات من أجل عرقلة الدولة والتأثير على الرأي العام.

وخلال الفترة الأخيرة يحاول التنظيم الإرهابي استغلال الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها على الاقتصاد المصري، فيعمل بشكل مكثف على تقديم صورة مغلوطة للأوضاع الاقتصادية، والحقيقة أن هذا القطاع (الاقتصاد) هو أحد أهم القطاعات المستهدفة من قبل التنظيم الإرهابي بترويج الأكاذيب عنه موجهًا رسائله السلبية للداخل والخارج.

فخلال عام 2018، حرصت وسائل إعلام التنظيم على الترويج أن العملة المحلية ستنهار أمام الدولار، ليصل سعر الدولار إلى 200 جنيه نهاية 2019، وواصلت كذبها، ولم ينهر الجنيه أمام الدولار رغم التحديات، وقيام التنظيم من خلال عناصره بإشعال السوق السوداء.

كما تستهدف الجماعة الإرهابية بأكاذيبها عددًا من قادة القوات المسلحة، وكان آخر المستهدفين من حملات الكذب تلك، هو الفريق أسامة عسكر، رئيس أركان حرب القوات المسلحة حاليًا، والفريق أول صدقي صبحي، وزير الدفاع السابق.

إنها حملات كذب ممنهجة سرعان ما يكشفها الواقع، لكن التنظيم الإرهابي لا يمل من ممارسة التضليل والكذب.

مع تطورات الأحداث والهجمة التي توجهها أبواق التنظيم الإرهابي ضد الدولة المصرية، خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي استوجب أن نؤجل استكمال حلقات «رؤية قائد.. وبناء دولة» لنفند الأكاذيب التي يروج لها التنظيم الإرهابي، بدعم من قوى الشر، التي تحاول إعادة الحياة للتنظيم من جديد، رغم إدراكها أن المصريين لن يقبلوا عودة الإخوان إلى المشهد مرة أخرى.

وسنواصل فيما بعد، استكمال السلسلة التي نستعرض فيها حجم ما حققه المصريون على مدى 9 سنوات من تقدم جعلت الدولة قادرة على مواجهة التحديات.

أضف تعليق