قدحًا فى الشعراوي أم مدحًا فى داعش؟!

قدحًا فى الشعراوي أم مدحًا فى داعش؟!نصر سالم

الرأى17-8-2023 | 09:51

فى يوم صلح الحديبية فى العام الهجري السادس وهم يكتبون وثيقة المصالحة بين المسلمين والكفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبى طالب كرم الله وجهه: اكتب «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم» فقال سهيل بن عمرو
«لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك ولم نكذبك اكتب بنسبك من أبيك»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي (اكتب محمد بن
عبد الله) فكتب علي كرم الله وجهه ما أمره به النبى صلى الله عليه وسلم.. إلى آخر الحديث.

والعبرة هنا أن قريشًا ويمثلها سهيل بن عمرو ليست لديها مشكلة فى الإيمان بالله، ولكن المشكلة فى الرسول الذى اختاره الله ليبلغ رسالته، والثابت أن مشركى قريش لما نزل القرآن الكريم وعلموا به وعلموا أنه من عند الله، قالوا هذا سحر، فإن كان حقًا فهلا نزل على رجل عظيم من إحدى هاتين القريتين (مكة والطائف) وهما الوليد بن المغيرة المخزومى من أهل مكة، أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفى من أهل الطائف.

فكفار مكة لم تكن مشكلتهم أن محمد «صلى الله عليه وسلم» به نقص فى شخصه أو فى خلقه بل هم من أطلقوا عليه صفة «الصادق الأمين» وائتمنوه على أموالهم وأماناتهم، ولكن كانت قضيتهم أنه الفقير المعدم من قريش وهم كانوا يتمنون أن يختار الله واحدًا من بطونهم أى فروع عائلاتهم وليس من بني هاشم التي استحوذت على كل الشرف.. ولذا كان الرد الصادق من الله عليهم فى قرآنه: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» (سورة الزخرف - الآية 32).

أما من أضاء الله قلوبهم وعمرها بالإيمان فقد آمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأصبح هو مثلهم الأعلى فى الصدق والأمانة فى التبليغ. فما جاء به فهو الحق فى كل شىء حتى فى خبر السماء.

ولله المثل الأعلى.. ونضرب لذلك الأمثلة مع الفارق، ففى حياتنا الدنيا إذا وثق الناس فى رجل وشهدوا له بالصدق والعلم وأحبوه فإن حبهم سوف يمتد إلى كل من اقترب من هذا الرجل وحذا حذوه وسار على دربه، وتكلم بكلامه.

وأضرب مثلًا بفضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمة الله عليه، الذى أصبح أيقونة عصره وعلامة من علاماته قولًا وسلوكًا وعلمًا، ولم ينكر عليه أحد من علماء هذا الزمان علمه وفقهه وخلقه ودينه - إلا من كان صاحب هوى لمرض فى نفسه أو ثمن يقبضه، ولم يجرؤ على مواجهته فى حياته، برأى مخالف أو طعن فى سلوكه.

ولم ينل عالم فى عصر من العصور ما ناله الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه من حب واحترام والتفاف.

فعندما يفاجأ الناس من مثقفيهم وعوامهم بمن يصف الشيخ الشعراوى بأنه داعشى نسبة إلى تنظيم داعش الإرهابى
أو الموصوم بالإرهاب، فالناس أمام أحد أمرين إما أن يكذبوا هذا المهترئ وأن يصفوه بالمفترى صاحب الفتنة وينصرفوا عن تصديقه وهذا أمر هين أو أن يصدقوه ويثقوا فى قوله وهنا تبدأ الطامة الكبرى، فمنهم من قد يميل إلى تصديق هذا القول تخلصًا من آراء الشعراوى التى تضيق الخناق حول رقابهم وتؤرقهم وتقض مضاجع الإهمال واللامبالاة فيهم ومحاولة التخلص من أى التزام دينى أو أخلاقى، وهذا الأمر ليس بالخطير لأن هؤلاء الذين ينتهجون هذا النهج هم قلة، ولن يخرج تصرفهم بعيدًا عن السلبية فقط ومحاولة إقناع أنفسهم بأن هذا الرجل الذى كنا نأخذ عنه العلم والمثل أصبح مشكوكا فى آرائه الفقهية التى كادت تخنقنا وتكبل طموحنا وأطماعنا.

أما الأخطر فى جموع المحبين والمقتنعين والمؤمنين بالشعراوى علمًا وفقهًا وتفسيرًا وسلوكًا فإنهم سوف ينظرون إلى كل
ما يقوم به تنظيم داعش على أنه يطابق فكر الشعراوى العالم الجليل الذى لم نعرف عنه كذبًا ولا تطرفًا طيلة حياته التى كان يخاطب فيها العالم أجمع.. وفى ظل كل الأنظمة الحاكمة لم يعترض عليه أحد ولم ينهه عما يقوله أو يفعله، فإذا كان الشعراوى داعشيًا وداعش تنتهج منهج وقول الشعراوى فلماذا لا تكون داعش على حق؟!، أليست حروف كلمة داعش تعنى دولة الإسلام فى العراق والشام؟، أليس التحالف الدولى الذى يحاربها فى الشام والعراق معظمه من دول غير إسلامية وتكره الإسلام والمسلمين؟!

وهكذا أيقظ هذا الشيطان الفتنة بأقواله وكتاباته وافتراءاته على الشيخ الجليل.

والسؤال الآن: لماذا يكيل هذا المهترئ كل هذه الاتهامات للشيخ الشعراوى ويصفه بصفات لا تصدر عن أى عاقل أو محترم.. ولن أكررها؟.

هل الهدف هو الإساءة إلى شخص الشعراوى ووصفه بالعجوز الريفى الذى يتلقى الهدايا بإيماءات غير عفيفة وغير محترمة؟، ووصفه بالداعشى المتطرف السلفى وأنه ضد الأقباط ويهين المرأة، هل هذا تصفية حساب، أم تنفيذ مهمة بأجر؟
وما رأى صاحب هذه الفتنة فى تفسيرات الشعراوى لكل ما جاء عن اليهود فى القرآن؟.

أتمنى لو أعلن رأيه فيها هل يوافق عليها أم يعترض..؟
إن ذكاءه جعله يظن أن ضرب الشعراوى تحت الحزام هو تكذيب له فى كل آرائه وتفسيراته وأولها كشفه لليهود ومخططاتهم ورأى الدين وكلام الله فيهم، وبهذا يؤدى عمله بكل تمام لمن كلفه بهذه المهمة وأنفق عليها دون أن يكشف أحد أمره..

وبين الحرة والقاهرة والناس طريق ما ينداس

أضف تعليق