تنظيم صناعة الأكاذيب (2).. موسم الحرب النفسية فى مواجهة الدولة المصرية

عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية مرحلة الحرب الباردة، عمدت الدول إلى الحفاظ على نفوذها فى مستعمراتها التي خرجت منها فاستخدمت القوى الناعمة لممارسة الحرب النفسية لكن بشكل مختلف، عما قامت به بعض الدول خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

تطور المشهد سريعًا بعد رفض المجتمعات للزج بأبنائها فى الحروب التقليدية فى محاولة للحفاظ على العناصر البشرية وتقليل التكلفة الاقتصادية للحروب؛ خاصة أن الحروب العسكرية التقليدية أكثر كلفة على الدول.

من هنا كان التحرك باتجاه الاعتماد على الحرب النفسية لتكون بمثابة القوى الضاربة فى المعركة الموجهة لأي من الدول.

وأصبحت تلك الحروب تسمى بحروب الجيل الرابع؛ لكن سرعان ما تطور الأمر فى تلك الحروب المستهدفة لعقول الشعوب، لننتقل إلى مرحلة حروب الجيل الخامس أو الحرب الهجين والتي تدور رحاها حاليًا فى المنطقة.

وذلك من خلال وسائل غير حركية، مثل الهندسة الاجتماعية، والتفكيك/ التضليل، والهجمات الإلكترونية، باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتوصف بأنها حرب «المعلومات والإدراك».

وهي الحرب التي تمارس ضد الدولة المصرية منذ ما قبل 2011 بأكثر من 6 سنوات، لترتفع حدتها مع أحداث 2011، وتواصل تحركها فى مواجهة الدولة الوطنية بحثًا عن طريق لهدمها.

يصف أحد قادة مشاة البحرية الأمريكية، العقيد المتقاعد توماس إكس هامز «Thomas X Hammes» فى كتابه، الرافعة والحجر، الحرب النفسية بأنها نزاع طويل الأمد يبدأ بخلق الإرهاب، ثم الاعتماد على قواعد غير وطنية داخل الدول المستهدفة.

حيث إنها حرب تغيير السلوكيات والقناعات وميدانها الشعوب والأفراد مدنيين كانوا أم عسكريين، وهي من أخطر الأسلحة لأنها تقوم على إضعاف معنويات الخصم وتحطيم إرادته وهنا مكمن قوتها.

لذلك تختار الدول أن تهزم أعداءها وتُحكم سيطرتها عليهم من خلال ممارسة الحرب النفسية، فأنشأوا فى سبيل ذلك مكاتب تابعة لأجهزة الاستخبارات عادةً، شغلها الشاغل التخطيط ووضع الاستراتيجيات لهذا النوع من الحروب، وتضع أحد أهم أولوياتها نشر الشائعات وزرع الفتن، والترصد والتضليل ضد أعدائها لتفكيك الدول والقضاء عليها على المدى البعيد كهدف رئيسي قبل كل شيء.

ورغم أن الحروب النفسية لم يستقر على تعريف لها كتعريف جامع مانع إلا أنها تعد من أخطر الحروب تأثيرًا على الدول فهي لا تعرف حدود الزمان ولا المكان، وتمارس قبل الحرب التقليدية لإعداد عقول الشعوب لها، وأثناء الحرب لرفع الحالة القتالية وزيادة الاعتقاد فى عدالة القضية التي نحارب من أجلها، وبعد الحرب لتدعيم مكاسبها وترسيخها، تمارس عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتنطلق لتجوب العالم كله، وهي وإن كانت لا تستخدم الأساليب العسكرية إلا أن تأثيرها قوي فى النيل من معنويات الخصم وعزيمته وإضعاف إرادته.

وفى الفترة الأخيرة باتت أكثر تأثيرًا مع اختيار أسلوب الحوار والمحتوى المقدم فى رسائلها المختلفة، وذلك من أجل خلخلة القيم المجتمعية وضرب أهم المرتكزات لدى الشعوب المستهدفة، وهو الولاء والانتماء الذي يعتبر الصخرة التي تتحطم عليها أطماع العدو فى النيل من أي دولة.

لكن دائمًا يظل وعي الشعوب هو أقوى أسلحة المواجهة، وثقته وإرادته الوطنية هي إحدى الدعائم القوية فى سبيل الحفاظ على الوطن.

وقد تعددت استراتيجيات الحرب النفسية خلال الحرب الزمنية المختلفة، وتطورت من خلق حالة من الرعب لدى الشعوب تسبق جيوش الأعداء، بالحديث عن عمليات وحشية تقوم بها الجيوش المغيرة بمجرد دخولها المدن، فتترك الشعوب أوطانها هربًا من الفتك بها، وهو ما حدث فى حروب المغول والتتار وكذا فى الحرب العالمية الأول، مستهدفة خلق صور زائفة عن حجم وقوة العدو فتخلق لدى الشعوب المستهدفة حالة من الرعب، أو استخدام ما عُرف بالموسيقى الصاخبة، أو إبقاء الشعوب المستهدفَة وحكوماتها وقوتها العسكرية على أصابع أقدامها من أجل استنزافهم نفسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، فتصبح السيطرة عليها أكثر سهولة.

إنها حرب تدار باحترافية شديدة، مستخدمة كل أدواتها من عناصر بشرية، وقدرات إعلامية وثقافية وفنية وسياسية.

تعد عملية اختيار التوقيتات المناسبة للهجمات من أهم مراحل الحرب النفسية بالإضافة إلى اختيار العناصر المنفذة لها والوسيلة التي يجري من خلالها توجيه الرسالة.

فعلى مدى أكثر من 12 عامًا كانت الأزمات التي تواجه الدولة المصرية أو خلال فترة مواجهتها للتحديات والمشكلات المختلفة، هي أحد أكثر المراحل استهدافًا، بدءًا من استهداف رأس الدولة مرورًا باستهداف مؤسساتها الوطنية، وصولاً إلى خلق حالة من عدم الرضا المجتمعي كي تصبح الأرض خِصبة لاستقبال الشائعات ونشر الأكاذيب.

وتستخدم قوى الشر كوادرها البشرية من التنظيمات الإرهابية، أو بعض الباحثين عن الشهرة، أو بعض العناصر غير المؤمنة بالأوطان فى تلك المعركة للوصول للهدف.

وتتعدد الوسائل من خلال المساحات المشتراة فى وسائل إعلام عالمية وبعيدًا عن الحياد والمصداقية أو الموضوعية، يتم نشر مواد معلّبة، سابقة التجهيز وبأقلام كُتاب فى تلك الوسائل.

فخلال الأسبوع قبل الماضي نشرت مجلة فورين بولسي مقالاً لــ «ستيفن كوك» Steven A. Cook وهو كاتب معروف بمعاداته للدولة المصرية والعرب، وهو المقال الذي احتفت به عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي على كل منصاتها الإعلامية، ومواقع ما يعرف بمراكز ومعاهد الدراسات التي تستخدمها لتعليب الكذب، مثل المعهد المصري للدراسات الذي يديره الإخواني الهارب عمرو دراج.

وحاول «كوك»، خلال المقال، تقديم صورة غير دقيقة مستنكرًا تأثير الأزمات الدولية على الاقتصاد، لكنه لم يفطن أنه قدم فى بداية مقاله نفس الجُمل التي ترددها عناصر الجماعة الإرهابية حول النمو الاقتصادي المصري وحجم التضخم والدين الخارجي، ومدعيًا أن الدولة المصرية تقترب من الإفلاس.

وتجاهل «كوك» التقارير الدولية مثل تقرير البنك الدولي عن نمو الاقتصاد المصري خلال فترة تولي الرئيس السيسي المسئولية، فقد كان حجم النمو الاقتصادي فى 2012/2013 بلغ 2.2% ليرتفع إلى 5.6% عام 2019 ثم يتأثر بأزمة كورونا وأيضًا الأزمة الروسية الأوكرانية لينخفض إلى 3.6% ثم يرتفع العام الماضي ليصل إلى 6.6%، كما تجاهل «كوك» أن الدولة المصرية عندما قررت تحرير سعر الصرف فى 2016 بدأ سعر الصرف فى التراجع حتى بلغ 15.6 جنيه فى 2019 قبل أزمة كورونا، التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي يقيم فيها «كوك» فقد شهد حجم النمو الاقتصادي الأمريكي تراجعًا حادًا لم يشهده منذ عام 2008 بحسب الأرقام الرسمية، وانهارت المنظومة الصحية الأمريكية فى مواجهة فيروس كورونا فى حين أن الدولة المصرية استطاعت أن تعبر الأزمة رغم حجم التحديات الصعبة بسلام.

كما تأثر الاقتصاد الأمريكي بالأزمة الروسية الأوكرانية فارتفعت تكلفة الغذاء والطاقة فى أمريكا وحدث اضطراب فى سلاسل التوريد وارتفع حجم التضخم وحاول الفيدرالي الأمريكي السيطرة على الأمر برفع سعر الفائدة أكثر من مرة.

ثم سرعان ما انتقل «كوك» إلى الحديث عن العاصمة الإدارية مدعيًا أنها ليست ذات جدوى اقتصادية، وأنها كلفت الدولة المصرية 45 مليار دولار، ولم يكلف هو نفسه بصفته كاتبًا له ثقل، حسبما جاء فى وصف الصحيفة له، أن يبحث لتدقيق معلوماته واكتفى بما قدم له من معلومات مغلوطة.

فلو بحث عن شركة العاصمة ورأس مال الشركة ودورها فى بناء المشروع لاكتشف أن الدولة المصرية لم تتكلف دولارًا واحدًا فى المشروع، بل استفادت من المشروع فى تطوير جودة الخدمات للمواطنين وانتقلت بالمنطقة المحيطة بالعاصمة الإدارية نقلة نوعية.

ثم كشف «كوك» عن أهداف المقال المسموم والذي يستهدف تشويه صورة الدولة المصرية فى الخارج وما نجحت فيه من مشروعات خلال السنوات الماضية، فاستهدف مشروع توشكى الذي يعد من أكبر وأضخم المشروعات الزراعية والذي ساهم فى خفض نسبة ليست بالقليلة من واردات مصر من السلع الاستراتيجية.

بل إن المشروع عن اكتمال كل مراحله سيساهم بشكل كبير فى الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الاستراتيجية.

لقد كشف مقال ستيفن كوك عن حجم الحرب الممنهجة والمدعومة من قوى الشر والتنظيم الإرهابي لتشويه صورة الدولة المصرية فى الخارج.

لكن مثل تلك المواد الإعلامية سابقة التجهيز مردود عليها والدليل ثقة العالم فى الدور المهم للدولة المصرية فى المنطقة، ودورها فى حل العديد من الأزمات.

إن الحرب النفسية المعدّة تجاه الدولة المصرية خلال الفترة الحالية تزداد كلما اقتربنا من الانتخابات الرئاسية، وذلك من أجل التأثير على الرأي العام المصري، والعمل على تضليل العقول.

إن مقال «ستيفن كوك» ليس الأول الذي يستهدف الدولة المصرية فى الصحيفة الأمريكية فورين بولسي، ولن يكون الأخير طالما هناك أموال تضخ فى خزانة الصحيفة من قبل التنظيم الدولي للإخوان، وكذا أجهزة الاستخبارات لعدد من الدول التي تستهدف الدولة المصرية.

لكن علينا أن نثق فى حجم ما أنجزناه خلال الفترة الماضية وندرك أن ما تحقق جنّب الدولة المصرية خلال الفترة الماضية العديد من الأزمات.

أضف تعليق