شطحات انتخابية فى المسألة الرئاسية

شطحات انتخابية فى المسألة الرئاسيةنصر سالم

الرأى29-8-2023 | 17:25

بداية ليس لدى قرار مسبق، ولا ميل لشخص الرئيس القادم، إلا بما يستطيع أن يقدمه لمصر من محافظة على قواها الشاملة المتمثلة فى القوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، والقوة السياسية، والقوة الدبلوماسية، والقوة المعنوية، والقوة التكنولوجية، والقوة الإعلامية، والكتلة الحيوية والعمل على زيادتها وتنميتها كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي المتمثل فى «قدرة الدولة فى الدفاع عن أمنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية قدراتها، وإمكاناتها فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، مستندة على قدرتها الدبلوماسية والعسكرية، وتوفير أنسب الظروف لصالح الأجيال القادمة».

ولما كانت قيادة دولة وإدارتها ليست بالعمل الهين، والذى لا يليق بأى دولة بأن يكون الترشح للرئاسة فيها ترف يسعى إليه البعض لمجرد أن يضيف إلى صفته الاجتماعية (التايتل)، أنه المرشح السابق لرئاسة الجمهورية ويطبع بها الآلاف المؤلفة من البطاقات والكروت، ويوصي أن تكتب فى نعيه، وفوق قبره تلك العبارة «المرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية»، وهذه ليست مزحة ولكنها حدثت فى فترة من الفترات السابقة عام 2012م، وأتمنى أن تكون الشروط التي نص عليها الدستور والقانون للتقدم للترشح إلى ذلك المنصب كافية لردع أمثال هؤلاء المغامرين الذين لا يعترفون إلا بما يرضى رغباتهم وشهواتهم، مهما كلفهم ذلك من جهد أو مال.

مثل كل مصرى مهتم بشئون بلاده حاضرها ومستقبلها، تابعت ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعى، وبكل الاهتمام شاهدت واستمعت إلى ذلك الشاب الشجاع الطموح، الذي يقدم نفسه على أنه ينتوى الترشح لرئاسة الجمهورية عن الدورة القادمة، ويملأ وسائل التواصل الاجتماعي بتلك الفديوهات، التى يقدم نفسه من خلالها كمرشح لرئاسة الجمهورية.. وأخذت أتابع أقواله لمعرفة برنامجه الانتخابى الذى سيتقدم به للناخبين لإقناعهم به وحصد أصواتهم الانتخابية. وقد لفت نظري وشد انتباهى ذلك الأسلوب الرصين الهادف الذي يتكلم به دون خطابــــة أو حماس زائد أو حتى غير زائد، وكان على ما يبدو يتكلم فى غرفة صغيرة أو أمام عدد محدود جدًا من أصدقائه أو ممن شدهم الفضول لسماعه، وإذا به يقدم برنامجه أو ملامح برنامجه، بأنه سوف يدير شئون مصر بواسطة فريق رئاسى وسوف يكون دوره فى أضيق الحدود وأن أول إنجازاته سوف تكون التخلص من القصور الرئاسية بعرضها للبيع أو تحويلها إلى متاحف ومزارات وسوف يكتفى بإحداها فقط. أما عن الطائرات الرئاسية فسوف يقوم أيضًا بالتخلص منها بالبيع، ويستبقى إحداها فقط، واسترسل فى التخلص من أشياء كثيرة فى الرئاسة لا تستهويه، ثم تطرق إلى الحديث عن كل مساوئ الرئيس الحالي من وجهة نظره طبعًا – ومنها تلك الشبكة من الطرق الحديثة التى لم يكن لها أى داع وكان من الأفضل لو تم بدلًا منها إنشاء بعض المصانع وتشجيع المستثمرين الأجانب للاستثمار فى مصر.. وبدأت انتبه وأذكر فيما يقول هذا الرجل.. لا يريد شبكة طرق بل إنه كان يفضل إقامة مصنع وفتح مصر للمستثمرين!!

وماذا يفعل بهذه الطرق التى كلفت مصر مليارات الجنيهات، هل سيقوم بالتخلص منها كما فعل بالطائرات الرئاسية والقصور الرئاسية؟ وماذا عن قناة السويس الجديدة أو التفريعة الجديدة، التي زادت دخل مصر من القناة من خمسة مليارات من الدولارات إلى تسعة مليارات وأربعمائة مليون دولار، هل سيقوم بردمها أم بيعهــــا أم عرضهــــا للإيجار؟ وماذا عن ملايين الأفدنة (المليون ونصف المليون فدان التى تم استصلاحها، بالإضافة إلى المئة ألف فدان، التى تم زراعتها بنظام الصوب أى تساوى فى إنتاجها مليون فدان مضافًا إليها تلك الملايين الثلاثة وثلاثمائة ألف فدان، التي فى الدلتا الجديدة وجنوب الوادى)، ماذا سيفعل بها ذلك الشاب المعجون بالرصانة والبرود والهدوء معًا، وماذا عن الأنفاق الخمسة التى تم حفرها أسفل قناة السويس ونصف المليون فدان التى تم استصلاحها فى سيناء وماذا عن المليونى متر مكعب من المياه التى تم تنقيتها وتحويلها إلى مياه صالحة للرى لتعبر يوميًا إلى سيناء من سحارتى سرابيوم والمحسمة لرى تلك الأرض وزراعتها لتستقبل ملايين من أبناء الوادى الذين سوف ينتقلون إلى العيش فى سيناء، وينهوا إلى غير رجعة ذلك الفراغ السكانى الذى يستخدمه الطامعون فى ترابنا الوطنى بحجة أنها أرض بلا سكان ويريدون أن تحل القضية الفلسطينية بل والقضية الإسرائيلية عليها.. ماذا عن العاصمة الإدارية الجديدة.. ماذا عن المدن العشرين من الجيل الرابع التى تم إنشاؤها وماذا عن الخمسة عشر ألف كيلو متر من الترع والمصارف التى تم تبطينها بالأسمنت ووفرت للدولة ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه لاستخدامها فى رى وزراعة الأراضى الجديدة المستصلحة.. ماذا.. ماذا.. ماذا؟.

أسئلة كثيرة تدافعت إلى رأسى وأنا أتابع ذلك..

كيف سيتخلص من هذه الأعمال التى لا تروقه وماذا سيفعل بهؤلاء الملايين من المصريين الذين أصابهم برنامج حياة كريمة، بما لا يستريح له ضمير ذلك الشاب، الذى ينتوى الترشح لرئاسة هذا البلد؟!.

لن أتكلم عن ذلك الهوى الذى يحرك هذا الشاب، والذى أعلنه بكل جرأة وثقة أنه يكره الرئيس السيسي، ولا يطيق رؤيته أو سماع صوته.. فهذا شأنه ولا تدخل لأحد فيه.. ولكن ما ذنب مصر.. أن يتم هدم ما تم بناؤه فيها من إنجازات لمجرد إحساس هذا الشخص بمرض الكراهية الذى أعلنه ولم يخفيه، خروجًا عن ديننا الذى علمنا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه أصوله وقواعده، وأخبرنا فى حديثه الشريف «إذا أحببت أخاك المسلم فأخبره بذلك»، ولم يقل إذا كرهته أخبره، وهذه إحدى سقطات ذلك المنتوى الترشح أنه جاهل بالدبلوماسية، التى تعد إحدى قوى الدولة الشاملة وأساسها الحفاظ على علاقات طيبة مع أعضاء المجتمع الدولى إقليميًا وعالميًا.

فماذا ننتظر ممن يفتقد ذلك محليًا؟

أما ما يدعو إلى السخرية والعجب أن يُعلن صراحة أنه أكفأ من الرئيس الحالي، ولديه علم وخبره أكثر منه.. ويتوقع أو ينتظر أن يصدقه الناس فى ذلك».

إن شروطًا ثلاثة يجب توافرها لمن ينتوى التقدم للقيام بأى عمل وطبعًا فى مقدمتها رئاسة الجمهورية وقيادة دولة بحجم ومكانة مصر.. هى:

1- التأهيل العلمى المناسب لتلك الوظيفة أو العمل.

2- الخبرة العملية فى مجال ذلك العمل أوالوظيفة.

3- السمات الشخصية (الأمانة، الشجاعة، الثقة، الصدق، تحمل المسئولية..إلخ)

q فأى هذه الشروط تتوفر فى ذلك المنتوى للترشح وغيره.

q ليس هذا تعجيزا فمصر تذخر بهؤلاء الرجال ولا نحجر على أحد ولكن من أراد أن يتقدم فليقدم لنا مؤهلاته هذه.

q نريد رئيسًا يقول لقد قدم من قبلى كذا وأنا سوف أضيف إليها كذا وكذا لا أن يقول سوف أتخلص من تلك الإنجازات التى لا يراها هو إنجازات من وجهة نظره وسوف نجلس سويًا نبكى على اللبن المسكوب.

على سبيل المثال، وليس الحصر، فالأمر أكبر من تلك الأمراض النفسية إن من يقول أن ما تم إنشاؤه من شبكة طرق جديدة (أكثر من سبعة آلاف كم) لا داعى لها وكان من الأفضل إنشاء مصنع وجلب مستثمرين لمصر.

أى مستثمر هذا الذى سوف يأتى إلا بلد شبكة الطرق فيها متهالكة وحوادث الطرق فيها طبقًا للإحصاء الرسمى للدولة - نقول إن إجمالى عدد القتلى بسبب حوادث الطرق عام 2013 هو ثلاثة عشر ألفًا.

إن إحدى قوى الدولة الشاملة هى الكتلة الحيوية، والتى تتمثل فى عنصرين (الأرض والسكان)، وأما حسابات عنصر الأرض، فيتم فيها حساب أطوال الطرق ودرجتها ومدى صلاحيتها، أى إنها تضيف درجات فى حساب قدرات الدولة الشاملة مثلها، مثل القوة العسكرية والسياسية و.... إلخ، إنها إحدى الركائز التى يتم الإرتكاز عليها فى زيادة باقى القدرات الاقتصادية والعسكرية.. إلخ.

لقد تعلمنا فى فن الحرب والفنون الاستراتيجية وأعني بها أخطر المسائل التى لا تتحمل الفشل ونتيجتها حياة أو موتًا، تلك القاعدة التى تقول: «التعزيز يكون للنجاح ولا تعزيز للفشل».

والمعنى الواضح أنه عند القيام بعدة أعمال مثلما الحرب، إذا نجح جانب وتعثر جانب أو فشل، فإن الحكمة تقتضي استغلال النجاح بزيادة القوة الدافعة فيه، وسوف يؤدى بدوره إلى المعاونة فى تخفيف الضغط على الاتجاه المتعثر. وبالتالى، تحويل تعثره وفشله إلى نجاح أما إذا أهملت النجاح وركزت جهودى فى مواجهة التصدى للفشل فسوف يتحول النجاح إلى فشل ويضيع كلا الجانبين.

q الأمر أكبر بكثير من ممارسة المراهقة السياسية والاندفاع خلف الهوى حبًا أو كرهًا.

إنها مصر .. والله أكبر وتحيا مصر.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2