سينما المبالغة والتشويه!

سينما المبالغة والتشويه!سينما المبالغة والتشويه

الرأى8-9-2023 | 16:09

يقولون دائماً إن السينما هى مرآة المجتمع، منه تستقى موضوعاتها وتنسج حكاياتها، وتستوحى لغة الحوار فيها.. لكن المجتمع أحياناً ما يتحول هو الآخر إلى انعكاس أو مرآة للسينما تنطبع عليه صورتها ويستوحى من أفلامها تطلعاته وأحلامه وطريقة أفراده فى التعبير والكلام بل تصوراته عن الأشياء.

ومن هنا تأتى خطورة السينما لأشن ما تقدمه يتلقاه الناس أحياناً كثيرة على أنه الواقع، وخصوصاً إذا كانوا لا يعرفون جيداً حقيقة الموضوع الذى يتحدث عنه الفيلم، أو إذا كانت الصورة التى تقدمها السينما نمطية وكسولة مثل صورة الصعيدى أو الفلاح أو التاجر أو «الصنايعي» فى الأفلام المصرية، وكلها صور مغلوطة ومشوهة وتؤثر بشكل سلبى للغاية على حركة التطور الاجتماعى وترسخ لأفكار رجعية مثل رفض الأعمال اليدوية والتحقير من شأن المشتغلين بها.

فالسباك أو الميكانيكى الآن، لم يعد كما تقدمه الدراما فى صورة الصبى "بلية" الذى يرتدى الملابس المهترئة، ويتحدث بلغة سوقية وإشارات مبتذلة، بل أصبح معظم الحرفيين من أصحاب الشهادات العلمية المتوسطة والجامعية، واستمرار تصويرهم فى الأفلام على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، أو رعاع يكسبون الكثير من المال ويتصرفون بوضاعة ويحاولون أن يشتروا بنات الناس بأموالهم فهذا كله يسيء كثيراً إلى هذه المهن الشريفة وأصحابها، ويؤكد العقدة المصرية القديمة للتعلق بالوظائف الحكومية والتمرغ فى تراب الميري.

والحقيقة أن السينما لا تظلم الحرفيين فقط، ولكنها تقدم صوراً مشوهة وغير واقعية لمعظم أصحاب المهن، فالصحفى فى الأفلام المصرية هو شرلوك هولمز الذى يطارد المجرمين ويتقمص شخصية الضابط ووكيل النيابة فى وقت واحد، والطبيب هو الشخص الذى يرتدى البالطو الأبيض ويقول على باب غرفة العمليات إنه فعل ما عليه والباقى على الله، هكذا بدون أى محاولات لتطوير تلك الشخصية النمطية أو الاقتراب من تفاصيل المهنة.

والمحامى غالباً فاسد ومتواطئ مع اللصوص الذين ينهبون خيرات البلد. والحقيقة أنك لا تستطيع أن تعرف أيهما بدأ أولاً، وهل السينما هى التى شوهت صورة كل هؤلاء الناس، أم أن سوء الفهم والاستسهال والتنميط قد انتقل من الشارع إلى السينما، خاصةً وأن هذه الرغبة غير المفهومة فى الإساءة للآخر والتقليل من شأنه تكاد تكون عادة متأصلة فينا، وإلا فما معنى هذا التنابز بالأنساب وأصل النشأة بين المصريين.. خاصة فى بعض الأمثال الشعبية أليس من الطبيعى أن تنتقل تلك الصور المرفوضة من المجتمع إلى السينما، وأن تتحول الأفلام إلى وسيلة لتأكيد وترسيخ المعانى الخاطئة والأفكار المغلوطة؟!

ولن يتغير هذا الحال إلا إذا تنبه صُناع الدراما إلى خطورة تقديم تلك الصور «المعلبة»، وحاولوا بذل مزيد من الجهد لتقديم شخصيات حقيقية من لحم ودم، وليس مجرد أنماط سينمائية فاسدة ومستهلكة.

أضف تعليق