حكاية الضابط الشاب الذي اعتقل «وزير داخلية» في السبعينيات

حكاية الضابط الشاب الذي اعتقل «وزير داخلية» في السبعينياتاللواء أشرف عبدالعال

مصر11-9-2023 | 15:17

"أنت مكلف باعتقال وزير الداخلية"!.. كانت تلك واحدة من أصعب المهام التي تولاها النقيب الشاب محمود عبد العال، فالرئيس السادات قد أصدر قرارا باعتقال وزير الداخلية شمس بدران، ضمن تداعيات أزمة "مراكز القوى" في عام 1971، وتم تكليف "عبد العال" بهذه المهمة.

وكان ضابط الشرطة الشاب محمود عبد العال، على قدر المسئولية، وتلقى التكليف من القيادة السياسية بكل ثقة بالنفس ونفذه بهدوء وثبات..

ماذا حدث منذ صدر التكليف وحتى تنفيذه؟ ولماذا تم اختيار "الضابط محمود عبد العال" لهذه المهمة؟ وكيف انتهت علاقته بجهاز الشرطة؟ وماذا فعل بعد انتقاله من "سلطة الاتهام" كضابط شرطة إلى "سلطة الدفاع" كمحام؟

"أكتوبر" التقت اللواء أشرف عبد العال، مدير أمن القاهرة الأسبق، والمحامي بالنقض والدستورية العليا، ونجل اللواء محمود عبد العال، ليجيب عن تلك الاسئلة وغيرها كاشفًا لنا صفحات مجهولة ومشوقة في حياة والده.

بداية.. نريد التعرف أكثر على ضابط الشرطة محمود عبدالعال، صاحب المهام الصعبة؟

محمود عبدالعال هو ضابط مصري عمل في العديد من مناطق القاهرة وحقق في العديد من القضايا الجنائية ذائعة الشهرة، وتدرج في الرتب الشرطية حتى وصل إلى رتبة لواء، ثم خرج من الخدمة وانضم لنقابة المحامين، ليمارس مهنة المحاماة، أحد وجوه تحقيق العدالة..

ويعد الحدث الأبرز الذي قام به اللواء محمود عبدالعال، هو القبض على وزير الداخلية شعراوي جمعة، في أحداث "مراكز القوى" وضمن ثورة التصحيح في مايو 1971، وكان حينها برتبة النقيب.

وتم تكليفه بهذه المهمة مباشرة من السادات، ضمن قرارات اعتقال مراكز القوى، وتعد من أشهر الوقائع في تاريخ مصر الحديث، وتم توثيق هذا الحدث بالتفصيل في كتاب "وزراء علي كف عفريت"، للكاتب الصحفي محمد صلاح الزهار.

عمل والدي بعد خروجه من الخدمة كمحام جنائي، وتولى الدفاع في العديد من القضايا التي هزت الرأي العام.

كيف استقبل الضابط محمود عبد العال وهو برتبة نقيب أمر القيادة السياسية بالقبض على وزير الداخلية؟

والدي كان يمتلك شخصية قوية للغاية، بجانب امتلاكه درجة عالية من الذكاء وحسن التصرف، وكان شخصية هادئة أيضا ومتوازنة جدا؛ وفي مثل هذه المواقف العصيبة لا بد من الهدوء والتصرف بشكل صحيح وعقلاني..

والتركيبة الشخصية للضابط الذي يستقبل أمر كهذا، تعد عنصر حسم رئيسي في طريقة تعاطيه مع التكليف، بجانب هذا، عندما يأتيك التكليف من رئيس الجمهورية مباشرة فلا يقبل الأمر النقاش أو التراجع.

ولهذا تحرك والدي بسرعة وحكمة لتنفيذ المهمة المكلف بها، وقام باعتقال الوزير شعراوي جمعة دون أي تجاوز تجاهه أو تجاه أفراد اسرته والتزم بأبعاد المهمة المكلف بها، ثم عاد للمارسة عمله في انتظار ما يتم تكليفه به من مهام ذات طبيعة خاصة.

ما الدور الذي قام به اللواء محمود عبدالعال في مكافحة الجريمة؟

والدي له دور كبير في مكافحة الجريمة عندما كان ضابطا للشرطة، فقد كان حريصا على تنفيذ القانون والأحكام القضائية، وتعد فترة توليه المسئولية من الفترات التي شهدت تنفيذ الأحكام بمعدلات كبيرة.

كما أن عشقه الشديد لفكرة البحث الجنائي وتطبيق مباديء المباحث كما ينبغي، كانت تجعله يقوم بمهام ذات طبيعة خاصة، ويطبق نظرية "اختراق عالم الجريمة"، فمثلا إذا كان المجرم المطلوب القبض عليه تاجر مخدرات، كان والدي يجري معه عمليات بيع وشراء وهمية للإيقاع به في الفخ؛ كما أنه كان يدخل السجون على أنه مجرم ويتعرف على المجرمين داخل السجن لمعرفة تفاصيل جرائمهم ومن كان يشاركهم فيها ؛حيث كان لديه قدرة رهيبة على التنكر وانتحال الشخصيات.

ما أشهر القضايا التي تولاها اللواء محمود عبدالعال؟

تولى والدي العديد من القضايا التي شغلت الرأي العام، سواء وهو ضابط شرطة أو محام.

فعندما كان مأمورا لقسم الشرابية، حدثت أحداث الزاوية الحمراء "الفتنة الطائفية" وكان الرئيس السادات يتابع معه الأحداث بشكل مباشر.

كما أنه تولى كضابط مباحث قضايا أخرى مشهورة، مثل قضية ازدراء الأديان وملفات أخرى تتعلق بجرائم قتل وسرقة واتجار بالممنوعات كانت حديث الإعلام وقتها.

كما تولى كمحام قضايا مشهورة منها قضية الضابط عماد أباظة، وبعض القضايا التي كانت تصنف على أنها "قضايا رأي عام" في ذلك الوقت، وكان أسلوب والدي في الدفاع وإثبات الحقيقة كمحام تثير اعجاب وانبهار من يتابعون تلك القضايا.

ماذا أضافت الخبرات العسكرية للواء محمود عبدالعال في عمله كمحامي؟

منذ بداية عمله كضابط شرطة ووالدي مهتم بفكرة مسرح الجريمة، وكان يرى دائما أن المسرح الجريمة بداية لإدراك كل الأشياء المتعلقة بالجريمة نفسها.

وعندما أصبح محاميا اهتم أيضا بمسرح الجريمة وكان يقول إنه يعطي للمحامي إدراكا بكفاة التفاصيل وتجعل لديه القدرة على الإقناع بوقوع الجريمة من عدمه؛ وهل المتهم بريء أم مذنب، بالإضافة طبعا لعوامل أخرى.

وكان والدي دائما يقول: "لقد تحولت من سلطة الاتهام إلى سلطة الدفاع فأنا الآن أرى الجريمة كاملة من الجانبين.. بعين الضابط وبعين المحامي".

من وجهة نظرك.. كيف تطورت الأساليب الإجرامية بين الماضي والحاضر؟

المتغيرات الاجتماعية ألقت بظلالها على المتغيرات السلوكية للفرد، وبالتالي تغيرت معها الأساليب الإجرامية، وتنوعت بشكل مثير للدهشة، فعلى سبيل المثال، قديما كانت الجريمة مرتبطة بأنماط معينة من البشر أو الأحداث والبيئات، أما الآن فظهرت أساليب مختلفة من الجرائم، مثل الجرائم الإلكترونية ومباحث الإنترنت تتولى هذا الملف؛ كما اختلفت أيضا أساليب المجرم في ارتكاب الجريمة نفسها.

كيف ترى التناول الإعلامي للقضايا في عصر السوشيال ميديا؟

قديما انحصر عرض القضايا الساخنة في صفحات الجرائد وأخبار القضايا والحوادث، وفي مرحلة أكثر تطور بدأت بعض القضايا تعرض على التليفزيون ويشاهدها ويسمعها الجميع في الراديو، أما الآن فكل شيء على الهواء مباشرة، كما يقولون، وتلاشت المساحات والحدود الفاصلة، وكل القضايا أصبح يتم عرضها ويتم تناولها من قبل الجميع، الأمر الذي شكل خطورة كبيرة على المجتمع، فالبعض الآن من ذوي النفوس الضعيفة يمكنهم تعلم أساليب ارتكاب الجرائم من خلال مشاهدة ما فعله مجرمون سابقون ويتعلمون منهم وهو ما يزيد من انتشار الجريمة ويجعل القبض على المتهم أكثر مشقة على جهات التحقيق والأجهزة الأمنية.

أضف تعليق