ثقافة ( التيك اواي) والخواء الفكري !

ثقافة ( التيك اواي) والخواء الفكري !ثقافة ( التيك اواي) والخواء الفكري

الرأى12-9-2023 | 14:06

شتان بين شغفِنا بالقراءة، وشغفِ السابقين من أساطين هذا العصر بها، ممن ملأوا الدنيا وشغلوا الناس، وولجوا شتي فنون الأدب شعرا ونثرا، وما يتفرع عن اللون الثاني وهو النثر من قصة ورواية ومقال وغير ذلك، فكانت كتاباتهم خلاصة فكر، وعصارة تجربة، تُقَدَّم للاحق علي طبق من ذهب .

وقطعا وراء ذلك العطاء الزاخر جهودٌ جبَّارة من القراءة والاطلاع والدرس والمثابرة رغم قلةِ الكتاب المطبوع، وحرمانهم من طفرة صناعة النشر التي ننعم بها الآن، ولكنهم استعاضوا عن ذلك بالإخلاص للفكرة، وتتبع الهدف مهما كانت الصعوبات .

ما قدمه السابقون كان وراءه قراءة مُستمرة وواعية، فلم يكونوا يُقلبون صفحات الكتاب وحسب، وأعيُنهم في واد، وعقولهم في وادٍ آخر، بل حرصوا علي الفهم والاستيعاب، فكان ما حصلوه من علومِ السابقين زادا لما سطرته أيديهم، وجادت به قرائحهم، ولفظه يراعُهم .

القراءة - يا سادة - هي من صنعتٔ صاحبَ العبقريات فيلسوف العبارة العقاد، ومهندس الكلمة طه حسين، وأمير البيان العربي الرافعي، هي من صنعت أمير الشعراء شوقي، وشاعر النيل حافظ، وشيخ المحققين محمود شاكر، وهي من صنعت أعجوبة زمانه شعرا ونثرا إبراهيم عبد القادر المازني، الذي حرص عليها في كل وقت حتي صبيحة ليلة " الجلوة "، إذ انصرف عن عروسه، وولج حجرةَ مكتبه، وشدَّ من من فوق أحد الرفوف ديوانا لشيلي، وظل يقرأ فيه ساعات طوالا، فقامت الزوجة من نومها مخبولة، تُفتش عن زوجها في كل مكان ظنته فيه، حتي فتشتٔ تحت السرير دون أن تعثر له علي أثر، فأسرعتْ خطاها نحو أمّها تسرها الخبر، فذهلتٔ أم العروس، وقامت إلي أمِّه في التوِّ بحجرة ( الكرار )، وهو مخزن الغلال، تقص عليها الخبر، فهدّأت أم المازني من روع حماته، ودلتها علي المكتبة قاطعة بأنه موجود بها، فضربتْ حماتُه علي صدرها وهي تقول : " مكتبة صبيحة الدخلة ؟ " فأجابت أمه : مكتبه في كل وقت، فأريحي نفسك وابنتك، فتلمظت شفتا حماته، وقالت لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت لما قبلتُه لابنتي !

غضبت ( حماة ) المازني نعم، ولكن هذا لا يهم، المهم أنه خلَّد ذكره بالقراءة المتأنية، التي استعاضتْ عنها أجيالُنا، وبكل أسف، بقراءة ( التيك اواي )، وما ينتج عنها من خواء فكري، وتسطيح معرفي !

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2