نمرة شكسبير تفترس الجميع (2)

نمرة شكسبير تفترس الجميع (2)نمرة شكسبير تفترس الجميع (2)

الرأى21-9-2023 | 15:17

تشكلت ملامح مسرحية شكسبير ترويض النمرة من أربعة خيوط رئيسية، هى التناقض بين شخصية الأختين؛ إحداهما شرسة، والأخرى مطيعة، وزواج الشرسة من رجل أقل منها فى المستوى الاجتماعى، وقدرة الرجل على ترويض وإخضاع زوجته الشرسة، والخيط الأخير تحول الأخت المطيعة لتصبح شرسة.

وقبل أن نستكمل رحلتنا مع هذه الحالة الفنية، التى تناولتها السينما فى العالم، وفى مصر يجب أن نعلق على ملامح المسرحية الأصلية، والتى تلاعبت بها السينما وطوعتها طبقا لخصائصها، فلم نر أبعادا نفسية، أو مجتمعية منطقية شكلت شخصية كاترينا الفتاة الشرسة، وجعلتها ما هى عليه، كذلك لم تكن جهود الزوج فى ترويضها تختلف عن ترويض حيوان فكيف انصاعت له؟ فلم يعط شكسبير دوافع قوية لتحول الكره لحب، كما أن تحول الأخت الصغرى "بيانكا"، الفتاة المطيعة لشرسة، يكرس فكرة أن هذه طبيعة المرأة بصورة عامة تختفى، وتظهر طبقا للظروف، فهل كان يقصد شكسبير أن يقول إن المرأة نمرة؟ وبصرف النظر عن هذا فيكفى أنه أسمع مجتمعه الذكورى فى القرن السادس عشر صوت المرأة، وأظهر لهم مخالبها.

واقتربت السينما من النص الأصلى أحيانا، وابتعدت عنه أحيانا أخرى، واكتفت بتتبع خيط واحد فقط من خيوط المسرحية أو أكثر، فهناك عدد من الأفلام فى السينما المصرية اكتفت بخيطين فقط من خيوط المسرحية، هما الفارق الطبقى بين الرجل والنمرة، وعملية الترويض. ففى عام 1944 عرض فيلم ابن الحداد، والذى لم يكتف بترويض المرأة فقط، وإنما أسرتها أيضا، وقام ببطولته يوسف وهبى، ومديحة يسرى، وكذلك ثلاثة أفلام كانت تقريبا نسخة طبق الأصل من بعضها، هى قبلنى فى الظلام عام 1959، بطولة هند رستم وشكرى سرحان، جوز مراتى عام 1963، بطولة صباح وفريد شوقي، لعبة الحب والجواز عام 1964 بطولة سعاد حسنى وفريد شوقى. ويبدو أن دور النمرة، يجتذب النجمات بصورة كبيرة، فقامت صباح بتقديمه مرة أخرى مع أحمد مظهر فى فيلم المتمردة عام 1963، مع اختفاء الأب والأخت، وظهور الغريم المتمثل فى كامل (محمود مرسى) فى أضعف أدواره.

وأعتقد أن طبيعة المجتمع الشرقى المحافظ كان أقرب للمسرحية من المجتمع الغربى، فقدمتها السينما المصرية مرات عديدة، ولكن أقرب مرة للنص الأصلى كانت فى فيلم آه من حواء عام 1962 بطولة لبنى عبد العزيز ورشدى أباظة، وقد التزم السيناريو الذى كتبه محمد أبوسيف وأخرجه فطين عبدالوهاب بالخيوط الأساسية للمسرحية، ولكننا لا نستطيع أن نهمل بعض الإضافات التى مثلت نقاط قوة للفيلم، فتغيير شخصية الأب بشخصية الجد المتقدم فى السن أعطت مبررا لضعفه أمام حفيدته أميرة (كاترينا)، ولم يكن الأب سيوافق على أن تنام ابنته مع رجل دون زواج فى استراحته بغرض ترويضها، واختيار مهنة طبيب بيطرى لحسن (باتريشيو)، ناسبت فكرة الترويض، ثم من منظور آخر مناسب للفترة الزمنية والأفكار الاشتراكية، فإن هناك رمزية فى إخضاع أميرة الثرية من خلال الطبقة المتوسطة المتمثلة فى الدكتور حسن، وما يتبعه هذا من وسائل إخضاع مهينة تنتقم من تاريخ تلك الطبقة المستبد، ثم تحول الأخت ناديه (بيانكا) للشراسة، خاصة فى معاملتها لخطيبها لمعى (لوسيندو)، لم يكن له المبرر أو الوقت الكافى لمنحه المنطقية اللازمة.

وفى السينما الأمريكية تواصل أيضاً إعادة إنتاج الفكرة، وكان أقربها فيلم 10 Things I Hate About You عام 1999 بطولة جوليا ستايلس وهيث ليدجر، يدور الفيلم فى مجتمع الطلاب المراهقين فى مدرسة ثانوية أمريكية، وقد تم تصويره بالفعل فى مدرسة ستاديوم الثانوية فى تاكوما بواشنطن، وقد كان الفيلم بداية انطلاقة بعد ذلك لمعظم أبطاله التى كانت أعمارهم لم تتجاوز العشرين عاما، والفيلم أمسك بمعظم خيوط المسرحية من بعيد عدا استبدال فكرة الزواج بالمواعدة بسبب عمر الابطال، وقد استخدم الفيلم أسماء الأبطال فى المسرحية إلى حد كبير أو أقرب اسم عصرى لها، وترك السيناريو فكرة الترويض غير المناسبة لظروف العصر واعتمد باتريك (باتريشيو) على الحب لتغيير كات (كاترينا)، وتم وضع شخصيات وأحداث أخرى تعبر عن المجتمع المدرسى وتثرى الفيلم. وكشفت هذه المعالجة عن أنه أصبح من الاستحالة فى ظل التغيرات العنيفة فى المجتمع الغربى، وحصول المرأة على حقوقها كاملة أن يلتزم أى فيلم بالنص الأصلى، وبملامحه الأساسية، وإنما سينقل الفكرة فقط.

ومن شدة نجاح الفكرة أعيد تقديمها فيما يعرف بأفلام السود، وهى الأفلام التى يكون جميع طاقم العمل فيها أو معظمه من السود، وتخاطب الجمهور الأمريكى من أصل إفريقى فى المقام الأول، فكان فيلم Deliver Us from Evaعام 2003بطولة جابريلااونيون و ال ال كول جيه، وتعدلت حبكته لتناسب المجتمع الأسود الأكثر ترابطا أسريا فإيفا (كاترينا)، التى تعيش مع إخوتها الثلاثة تتدخل فى حياتهم، وعلاقتهم العاطفية، وترفض الارتباط والحب فيتفق أحباء أخوتها مع راى (باتريشيو)؛ ليجعلها تحبه وتنشغل عن إخواتها، وهنا ابتعد السيناريو كثيراً عن النص الأصلى، فبدل الأخت أصبحوا ثلاثة، واختفى الأب، ولم يعترف دائما المجتمع الأمريكى بالفروق المادية فى العلاقات العاطفية، وتبقى شيء واحد، وهو فكرة تغيير النمرة لتخضع للرجل الذى يخدعها فى البداية، ثم يحبها بعد ذلك. ومن الغريب أن جابريلااونيون قامت بدور صديقة بيانكا فى فيلم 10 Things I Hate About You فمن الواضح حبها الشديد للمسرحية .

وآخر نسخة لترويض النمرة فى السينما المصرية كانت عام 1996، وقدمت فى فيلم استاكوزا بطولة رغدة وأحمد زكى، وابتعد السيناريو كثيرا عن المسرحية، فبدل الأب كانت العمة واختفت الأخت مصدر المقارنة، وظهر الغريم، متمثلا فى توفيق ابن عم عصمت (كاترينا)، وحكمت المعالجة هنا عاملين مختلفين أولهما سيطرة سينما الرجل والنص الأصلى باسم المرأة فيجب تعديل السيناريو حتى يكون أحمد (باتريشيو)، هو محرك الأحداث، والثانى إقحام الجنس بصورة فجة، فتعتمد حبكة الخضوع على سعى عصمت (كاترينا) لمحاولة إصلاح ما قامت به من إصابة أحمد بعجز جنسى جزئى، نتيجة شجارها معه فتتزوجه وتحاول إثارة رغبته تدريجيا حتى يشفى، ومن الغريب حقاً هو أن النص الأصلى، وجميع الأفلام التى تناولته لم تتعرض لفكرة الخضوع الجنسى فى عملية الترويض .

ترويض النمرة عمل فنى شعاره الكوميديا فى المقام الأول، يرصد الصراع، الذى يعانيه الرجل والمرأة بين العقل وفكرة السيطرة والقلب ولوعة الحب، وطالما يستمر الصراع بوجود البشرية ستستمر السينما فى تقديم الفكرة بمعالجات مختلفة تناسب العصر.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2