يحتفل المتحف القبطي بـ المولد النبوي الشريف، من خلال أمسية ثقافية يحاضر بها الدكتور ضياء زهـران، المشرف العام على المراكز العلمية بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية بـ المجلس الأعلى للآثار، صباح الأربعاء 27 سبتمبر الجاري، بقاعة المحاضرات بـ المتحف القبطي ب مصر القديمة، تحت عنوان ( المولد النبوي الشريف من خلال المصادر التاريخية والأثرية).
العصر الفاطمي
وأشار خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إلى أن المحاضرة تتناول آراء أهل العلم على مر العصور في شرعية الاحتفال، وأشهر مظاهر الاحتفال بذكرى المولد النبوي في مختلف العصور، ففي العصر الفاطمي احتفلوا به بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمي فكان يتمثل في موكب قاضي القُضاة، حيث تُحمل صواني الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر ثم إلى قصر الخليفة، حيث تُلقى الخُطب، ثم يتم الدعاء للخليفة ويرجع الجميع إلى دورهم.
ويعتبر الفاطميون هم أول من صنعوا حلوى خاصة بـ المولد النبوي، وذلك للترويج لحكمهم، فحلوى المولد النبوي تعد من أهم عناصر الاحتفال، ويتم عرضها بكل أشكالها وألوانها (الفولية، والحمصية، والسمسمية، والفزدقية، والملبن)، ومن أشهرأنواع هذه الحلوى على الإطلاق الحصان والعروسة، واستمر الاحتفال بذكرى المولد النبوي في العصر المملوكي خاصة أيام السلطان برقوق والسلطان جقمق.
العصر العثماني
وأوضح الدكتور ضياء زهران، المشرف العام على المراكز العلمية بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية، أن العصر العثماني شهد اهتمام سلاطين الخلافة العثمانية بالاحتفال بجميع الأعياد والمناسبات المعروفة عند المسلمين، ومنها يوم المولد النبوي، إذ كانوا يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فلمّا تولّى السلطان عبدالحميد الثاني الخلافة، قصر الاحتفال على الجامع الحميدي، فقد كان الاحتفال بالمولد في عهده متى كانت ليلة 12 ربيع الأول، يحضر إلى باب الجامع عظماء الدولة وكبراؤها بأصنافهم، وجميعهم بالملابس الرسمية التشريفية، وعلى صدورهم الأوسمة، ثم يقفون في صفوف انتظارًا للسلطان، فإذا جاء السلطان خرج من قصره راكبًا جوادًا من خيرة الجياد، بسرج من الذهب الخالص، وحوله موكب فخم رُفعت فيه الأعلام، ويسير هذا الموكب بين صفين من جنود الجيش العثماني وخلفهما جماهير الناس، ثم يدخلون الجامع ويبدأون بالاحتفال، فيبدؤوا بقراءة القرآن، ثم قصة مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ثم بقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي، وفي صباح يوم 12 ربيع الأول، يفد كبار الدولة على اختلاف رتبهم لتهنئة السلطان.
وأضاف الدكتور ضياء زهران، أنه سيتناول أيضًا في محاضرته مراسم احتفالات عدة دول في العالم بذكرى النبي محمد، حيث تعد هذه المناسبة عطلة رسمية في عدة دول على سبيل المثال: فلسطين، والعراق، والجزائر، والمغرب، والسودان، وسوريا، ومصر، وليبيا، والأردن، وتونس، والإمارات، والكويت، وسلطنة عمان واليمن.
سلاطين المغرب الأقصى
فعلى سبيل المثال اهتم سلاطين المغرب الأقصى بالاحتفال بالمولد النبوي، لاسيما في عهد السلطان أحمد المنصور، الذي تولّى المُلك في أواخر القرن العاشر من الهجرة، وقد كان ترتيب الاحتفال بالمولد في عهده إذا دخل شهر ربيع الأول يجمّع المؤذنين من أرض المغرب، ثم يأمر الخياطين بتطريز أبهى أنواع المطرَّزات، فإذا كان فجر يوم المولد النبوي، خرج السلطان فصلّى بالناس وجلس على أريكته، ثم يدخل الناس أفواجًا على طبقاتهم، فإذا استقر بهم الجلوس، تقدم الواعظ فسرد جملة من فضائل النبي محمد ومعجزاته، وذكر مولده، فإذا فرغ، بدأ قوم بإلقاء الأشعار والمدائح، فإذن انتهوا، بُسط للناس موائد الطعام.
وأكد الدكتور عبدالرحيم ريحان، أن انعقاد إحتفالية إسلامية بـ المتحف القبطي ليس بغريبًا على بلد حاضنة الأديان على أرضها 4 مسارات روحية تقيم الدولة عليهم مشاريع قومية، وهي مسار نبى الله موسى ومشروع التجلي الأعظم ومسار العائلة المقدسة ومشروع إحياؤه ومسار آل البيت بشارع الأشرف، وعلى أرضها خمس مجمعات للأديان هي مجمع الواد المقدس طوى بسانت كاترين، والذي يضم شجرة العليقة المقدسة وجبل موسى ودير سانت كاترين والجامع الفاطمي داخل أسوار الدير، ومجمع مصر القديمة الذي يضم معبد بن عزرا وكنائس مصر القديمة، منها كنيسة أبى سرجة وبها المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة علاوة على جامع عمرو بن العاص ثان جامع في مصر وإفريقيا، بعد مسجد سادات قريش في بلبيس.
وكذلك مجمع حارة زويلة بالقاهرة الإسلامية بالجمالية، الذي يضم كنيسة السيدة العذراء أقدم الكنائس الأثرية في مصر، التي بنيت في القرن الرابع الميلادي وهي أحدى محطات رحلة العائلة المقدسة قادمة من المطرية، و معبد يوسف بن ميمون اليهودي طبيب البلاط السلطاني في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي وأحد المقربين منه، والذي يعود إلى القرن 13م، ودار الخرنفش ومازالت قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها، حيث استمر العمل بها حتى عام 1962، علاوة على الآثار الإسلامية بـ شارع المعز لدين الله الفاطمي، ومجمع البهنسا بالمنيا الذي يعد من المحطات الهامة في مسار العائلة المقدسة، كما يضم بقيع مصر المجسّد في مقابر الصحابة والتابعين الذين حضروا في الفتح الإسلامي وعددهم خمسة آلاف صحابي وتابع، منهم 70 صحابي ممن شاركوا في غزوة بدر، ومجمع معبد إلياهو النبي بالإسكندرية، الذي يضم المعبد وكنيسة القديس سابا من الكنائس التابعة للروم الأرثوذكس في مصر، المعروفة بكنيسة الجرس ومسجد أنجي هانم ومسجد العطارين.
كما أشار الدكتور "ريحان" إلى أن العمارة المسيحية والإسلامية في مصر هي منظومة تواصل حضاري وتأثير وتأثر وتشابك والتحام في نسيج واحد، ويجسّد المتحف القبطي نفسه هذه الصورة التلاحمية، حيث قام مؤسس المتحف القبطي مرقص سميكة باشا ب مصر القديمة، بنسخ واجهة جامع الأقمر الفاطمي بـ شارع المعز لدين الله، لتكون واجهة المتحف القبطي حين تأسيسه عام 1908، وأضاف إليها الفنان التشكيلي راغب عياد الرموز المسيحية.
أصل عروسة وحصان المولد
ونوه عن أصل عروسة وحصان المولد موضحًا أنهما تجسيد لأسطورة إيزيس وأوزوريس في شكل حصان المولد المستوحى من تمثال "حورس" راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر "ست" والذي صور على هيئة تمساح، وفي شكل عروسة المولد وكرانيشها الملونة المستوحاة من جناح إيزيس الملون.
الفترة المسيحية
وفي الفترة المسيحية بعد ذلك، صنع مسيحيو مصر العروسة في مصانع بمنطقة أبو مينا بـ كينج مريوط بالإسكندرية، وكانت ترمز في المسيحية إلى النفس البشرية وهي اللعبة المفضلة للبنات وصوروا الفارس وهو البطل الذي يمتطى جواده ويطعن الشر بحربته وهي الصورة التي استوحاها المسيحيون من النحت الذى يمثل حورس وهو يطعن "ست" رمز الشر.
وكانت احتفالات المولد النبوي قومية يحتفل بها كل شعب مصر بنسيجه الوطني مسلمين ومسيحيين، وقد تعجب الباحث الفرنسي إدوارد ليم لين، من احتشاد المسيحيين لمشاهدة حلقات المنشدين حتى آذان الفجر.