لم ينس العالم لحظة استشهاد الطفل الفلسطيني "محمد الدرة" وهو في حضن أبيه ، و هما يواجهان جيشا جرارا مضججا بأحدث الأسلحة في مواجهة شعب أعزل لا يملك إلا الحجارة ينفث بها عن غضبه و مقاومته للاحتلال الإسرائيلي..
طفل يواجه جيشا!
ولد محمد الدرة في 22 نوفمبر 1988، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائي وعاش في كنف أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة، والده يعمل نجارًا ووالدته ربة منزل، لاحقًا بعد استشهاده رزقت عائلته بطفل أطلقت عليه اسم محمد تيمنًا بشقيقه.
اندلعت الانتفاضة الثانية و التي سميت ب انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 .
قبل 22 عاما، نهار الـ 30 من سبتمبر 2000، وفي اليوم الثالث لاندلاع الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى" استشهد الطفل محمد جمال الدرة (12 عاما) في بث مباشر شاهده العالم برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لحظتها صرخ أحد المتواجدين "مات الولد برصاصة" فظلت تلك الكلمات تُسمع إلى الآن، كحدث مستمر وإن اختلفت الأسماء والأماكن والتفاصيل.
لم يشاهد أحد الطفل الدرة يومها، دون أن تعود إليها لحظات الوجع والغضب تلك، وإن امتدت بين الحدث واليوم كل تلك السنوات.
ففي شارع صلاح الدين، قرب مستوطنة "نيتساريم" الزائلة جنوب مدينة غزة، احتمى جمال الدرة وطفله محمد بحاجز "برميل" اسمنتي من طلقات كثيفة أطلقت من رشاشات جنود الاحتلال الإسرائيلي صوبهما، رغم التأكد حتى بالعين المجردة من أنهما مدنيان أعزلان.
التقط المشهد بواسطة المصوران: الفلسطيني طلال أبو رحمة، والمصور الفرنسي شارل إندورلان "مصور فرانس2".
و يروي جمال الدرة والد الطفل محمد الدرة قائلا : "حاولت حماية محمد من الرصاص بجسدي، حتى أنني كنت أرفع كف يدي لتلقي الرصاص الذي أصاب ركبة محمد، وكانت تلك الطلقة الأولى التي تصيبه، لكنه ظل متماسكا، قبل أن أجد رأسه على قدمي اليمنى وفي ظهره فتحة كبيرة بعد إصابته في البطن الذي اخترقته عدة رصاصات".
"الدرة" في الضمير الإنساني
يومها ولأكثر من شهر خرجت مسيرات وأقيمت اعتصامات في معظم الدول العربية والإسلامية، وفي العديد من الدول الغربية، استنكارا للجريمة، وتجولت صور محمد شهيداً في مختلف شوارع العالم وميادينه، قبل أن يصبح اسمه علماً واستشهاده أيقونة في انتفاضة الأقصى، وأطلقت على العديد من المدارس ورياض الأطفال والشوارع في فلسطين والعالم العربي اسم محمد الدرة، كشارع "ابن مالك" في القاهرة الذي تحول لشاعر محمد الدرة، ومستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال في غزة ومدرسة الشهيد محمد الدرة في خان يونس، واستاد محمد الدرة في مخيم النصيرات في غزة، وعلى دورة يوم الطفل العربي في تونس. و رثاه الشاعر الفلسطيني " محمود درويش " قائلا:
محمد
"يعشعش فى حضن والده طائرا خائفا
من جحيم السماء، احمنى يا أبى
من الطيران إلى فوق! إن جناحى
صغير على الريح
والضوء أسود
محمـــد، يريد الرجوع إلى البيت
من دون دراجة
أو قميص جديد
يريد الذهاب إلى المقعد المدرسى
إلى دفتر الصرف والنحو، خذنى
إلى بيتنا، يا أبي، كى أعد دروسى
وأكمل عمرى رويداً رويدا
على شاطئ البحر، تحت النخيل
ولا شىء أبعد، لا شيء أبعد..
محمـــد، يواجه جيشاً، بلا حجر أو شظايا
كواكب
لم يلتفت للجدار ليكتب، حريتي
لن تموت
فليست له بعد، حرية ليدافع عنها
ولا أفق لحمامة بابلو بيكاسو
فما زال يولد، ما زال
يولد فى اسم يحمله لعنة الاسم
كم مرة سوف يولد من نفسه ولدا
ناقصا بلداً ناقصا موعدا للطفولة؟
أين سيحلم لو جاءه الحلم
والأرض جرح.. ومعبد؟..