عاطف عبد الغنى يكتب: حكاية شعب (!!)

عاطف عبد الغنى يكتب: حكاية شعب (!!)عاطف عبد الغنى يكتب: حكاية شعب (!!)

*سلايد رئيسى20-7-2018 | 17:40

«ظلت مأساة الأرض تعترك فى وجدانى نيفا وعشرين عامًا، فقد خصصت لها فصلًا من فصول رسالتى للدكتوراه، ووجدت أن البنوك الأجنبية الإنجليزية والفرنسية واليونانية والبلجيكية، قد نزعت ملكية نحو مليون ونصف من الأرض الوطنية، التى عجزت عن سداد الفوائد الربوية الفاحشة.

وما كان لحكومة يرأسها صدقى باشا «حكومة إقليمية»، ودولة يعتليها الملك، ويمرح فى جنباتها الإنجليز أن تحمى الملاك الوطنيين، كان صدقى يمثل الرأسمالية المصرية، التى تمثل مع الملك والإنجليز تحالفًا مقدسًا مهمته استغلال مصر، كمزرعة كبرى».

(1)

حظيت بلقاء صاحب الكلمات السابقة وهو الدكتور خليل حسن صاحب رواية «الوسية» والرواية هى سيرة الرجل الذاتية التى تغطى جانبًا من حياته يمتد من طفولته المبكرة إلى قيام ثورة 23 يوليو عام 1952.. وتاريخ هذا المشهد وغيره الذى نقلناه من الرواية يعود إلى العقد الأخير قبل قيام ثورة 23 يوليو من عام 1952.

أما الوسية فهى الاسم الذى أطلقه عامة المصريين على «العزبة» أو «الإقطاعية» وهى مساحة كبيرة من الأرض كان يملكها شخص واحد، بما، ومن عليها من جمادات وبشر.. والأخيرون كانواء أُجراء لكنهم يعيشون عيشة العبيد، أقنان الأرض، يكاد يملكهم الإقطاعيون أصحاب الألقاب الملكية والأثرياء، من الباشاوات والبكوات المصريين، أو الأجانب، وكلاهما سكن مصر واستحلب خيرها قبل ثورة 23، وكلاهما أيضًا كان من الغرباء الطارئين الباشاوات أغلبهم ينتمون إلى الأسرة المالكة أحفاد محمد على الألبانى الذى جاء مع جنود الدولة العثمانية التى كانت مصر تتبعها، لحرب محتل آخر كان قد حط على أرض مصر هو الاحتلال الفرنسى، ولم يغادر الجندى الألبانى محمد على مع زملائه بعد طرد الفرنسيين، لأن الثوار والمقاومين المصريين وعلى رأسهم السيد عمر مكرم رفعوه على عرش مصر فتخلص منهم، وحكم منفردا، وورَّث عرش المحروسة لأبنائه.

أما الأجانب الذين حلوا على مصر فى عهده وعهود خلفائه، فرادى ومجموعات، فكانوا تجارا مغامرين، ونصابين، وأشهرهم ديليسبس الفرنسى الذى أقنع والى مصر بتسخير الفلاحين المصريين فى حفر القناة، ليسرقها هو لصالحه وصالح منتفعين أوروبيين لسنوات طويلة، وظلت على هذه الحال إلى أن أصدر جمال عبدالناصر قرار تأميمها عام 1956.

(2)

لقد سرح الأجانب ومرحوا فى «الوسية» التى هى نفسها «مصر» قبل الثورة حين كانت محكومة تحت ربقة الظلم والتمييز، الذى تجسد فى قانون الامتيازات الأجنبية.

والفقرات التى عرضنا لها فى بداية المقال من رواية «الوسية» لم تصدر عن خيال مؤلف لكنها كانت حكاية هذا المؤلف نفسه، والفترة التى تغطيها الأحداث كان المؤلف فيها طفلا ثم فتى نابهًا، تعثر فى حياته وتعليمه، مثل ملايين المصريين، بسبب ثالوث الفقر والمرض والجهل، ولاقى مثلهم شظف العيش وظلم السلطات وملاك الأرض الأجانب وعاشوا عيشة العبيد والأقنان حتى قيام ثورة 23 يوليو.. ومن هؤلاء من استطاع أن يقاوم وينجح فى رحلة التحدى حتى استكمل دراسته ووصل إلى أعلى المراكز، العلمية مثل كاتب الرواية الدكتور خليل حسن، لكن ملايين أخرى تعثرت، وسقطت فى الطريق فلم تكمل المشوار .

(3)

وفى كل عام هناك ثلاث سير عندما تحل ذكراها نستعيد معها سيرة زعيم ثورة 23 يوليو، وقائدها، ومفجرها، جمال عبد الناصر، ذكرى ميلاده التى اكتملت قرنًا من الزمان فى شهر فبراير من العام الحالى 2018، وذكرى وفاته التى تحل فى 28 سبتمبر (تكمل عامها الـ 48 فى سبتمبر المقبل)، والحدث الثالث ذكرى ثورة 23 يوليو.

وفى المناسبات الثلاث يتحول دائمًا، الحديث من الموضوعية إلى الجدل، العفوى أو المقصود، وكلاهما يبعد عن الموضوعية، لكن الجدل المقصود الذى يذهب عمدا إلى تشويه الثورة وقائدها، ومصدره الأساسى أعداء عبد الناصر وخصومه، أخطر الجدلين. وألد خصوم الثورة وقائدها هم الإخوان الجماعة الإرهابية وأعضاؤها الذين يعادون عبدالناصر فى شخصه، وصفته الوظيفية، والفصيل الذى ينتمى له (العسكريون) ثم الجيش المصرى نفسه، وفى هذا هم يتفقون مع الإمبرياليين من المستعمرين فى كافة صورهم لماذا؟! لأن الجيش وعبد الناصر عطلا للفئتين مشاريعهما فى مصر بعد ثورة 23 يوليو، واستنقذا من أيديهما ما نهبوه من ثروات المصريين فى شتى الصور أراضٍ، وعقارات، وبنوك، إلخ.

وكسر - أيضا - احتكارهم للاقتصاد الوطنى وقد اقتسم الأجانب وقلة من الرأسماليين المصريين القطاعات الاستراتيجية فى الصناعة والتجارة فى مصر، فاستولوا على شركات المقاولات التى كان معظمها أجنبيًّا، وبورصة القطن وتجارته وتجارة القطن وقصب السكر سيطر عليها الأجانب، تجارة الأقمشة فى الحمزاوى سيطر عليها الأجانب من اليهود، تجارة الذهب والصاغة احتكرتها فئة معروفة والموبيليا والأقمشة والمنسوجات، نتذكر منها أسماء شيكوريل وصيدناوى وشملا والطرابيشى وعدس، والوكالات الأجنبية سيطرت على سوق إعلانات الصحف والمطبوعات، وسيطر الشوام على صناعة الإعلام والنشر، واشتهرت نوادى القمار، والخمارات، والبارات فى وسط البلد بأسماء الأجانب الذين سكنوا أجمل أحياء مصر فى هذا العهد، جاردن سيتى والزمالك وما يناظرهما فى الإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد وبعض المدن الكبرى الأخرى، فماذا تبقى للمصريين أبناء هذه الأرض؟!

(4)

عبقرية ثورة يوليو أن زعيمها وجهها نحو هؤلاء المهمشين الذين خبر مأساتهم، بل لمسها بنفسه، وعايشها فى مسقط رأسه فى سوهاج أو فى حى الجمرك الفقير الذى سكنه طفلاً مع والده فى الإسكندرية، أو حى الخرنفش الذى انتقل إليه صبيًّا وشابًّا، وهذه التجربة النابضة بالحياة المصقولة بالتجربة استوت جذوة ثورية مشتعلة فى قلب الضابط المصرى الذى راح وزملاؤه يحاربون العصابات الصهيونية فى فلسطين فانهزموا ووقعوا فى الأسر بسبب الفساد، وفى أمسيات وليالى الحصار فى الفالوجة اختمرت فى عقل الضابط فكرة الخلاص، واستوت المشاعر، وتحولت إلى ثورة نأكل حتى اليوم خبزها وملحها، ومن يقول غير هذا فهو إما إخوانى موتور، أو سليل عائلة إقطاعية صودرت أملاك أسلافه فهو أيضا موتور، أو جاهل بتاريخ هذا البلد.

أضف تعليق

حظر الأونروا .. الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2