شكل هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل، في السابع من أكتوبر ، سابقة تاريخية باقتحامها وسيطرتها على قرى وبلدات إسرائيلية بعد اجتياز المئات من عناصرها الشريط الحدودي بين قطاع غزة وإسرائيل، وأسر المئات من الجنود والمدنيين الإسرائيليين.
وللمرة الأولى منذ بدء الصراع العربي- الإسرائيلي قبل 75 سنة، يصل مقاتلون فلسطينيون إلى أراض إسرائيلية، ويدخلون المنازل ويصادرون ما فيها، ويأسرون بعض سكانها، إضافة إلى عدد غير قليل من الجنود.
فجميع الحروب العربية الإسرائيلية جرت خارج حدود إسرائيل سواء في لبنان أو سوريا أو مصر، إلا حرب عام 1948 التي تأسست على أثرها إسرائيل على أراض فلسطينية. و لكن ما هي السيناريوهات القادمة لتلك العملية ؟
فشل أمني و استخباراتي
كشفت تلك العملية عوارا أمنيا واستخباراتيا ، حيث إنها من المرات القليلة التي يُسحب من إسرائيل زمام المبادرة ويلقى على عاتقها عبء رد الفعل وعند هذه النقطة يقول الخبير الاستراتيجي اللواء سمير فرج : " أن المرة الأولى التي بوغتت فيها إسرائيل كانت في حرب أكتوبر عام 1973 ، حيث إنها كانت تعتمد في حروبها السابقة مع العرب على الحرب الخاطفة ، و كانت المرة الثانية في عملية طوفان الأقصى ".
و من المتوقع الإطاحة بالقيادات الأمنية و الاستخباراتية في إسرائيل بعد هذا الفشل الأمني الذريع.
فرض واقع جديد
فرضت "طوفان الأقصى" واقعا جديدا على المستوى التكتيكي و الاستراتيجي فلقد شكل هجوم العملية العسكرية التي خاضتها حركة حماس من ناحية توغل عناصرها في أراضي غلاف غزة التي تحتلها إسرائيل، برًا وجوًا وبحرًا، وعدم الاكتفاء فقط بالرشقات الصاروخية وفق النمط المعتاد للتصعيد، و استخدم الطائرات الشراعية لأول مرة، فلقد فرضت قواعد جديدة للاشتباك تجمع بين المستويين التكتيكي والاستراتيجي، وكان التطور أن المبادرة هذه المرة جاءت من الجانب الفلسطيني، على نحو عكس حالة الانكشاف في عملية الردع التي تعانيها المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تحت وطأة أزمات الداخل التي يواجهها الائتلاف الحكومي نتيجة سياساته المتطرفة.
ويضيف اللواء سمير فرج: " القبة الحديدية قدرتها الدفاعية أن تصد ثلاثة آلاف صاروخ، فكان ذكاء العملية أنها هجمت بخمسة ألاف صاروخ ثلاثة تم التصدي لهم و ألفان نفذوا و حققوا الأهداف المرجوة في الداخل الإسرائيلي".
وعلى عكس المتوقع أن هذه العملية سوف توحد الداخل الإسرائيلي، و لكنها سوف تشعل الداخل أكثر و سوف تزيد من مشاكل "حكومة نتنياهو" و التي لا تلقى قبولا في الشارع الإسرائيلي خصوصا أنها جاءت بعد مظاهرات غاضبة و مناهضة للتعديلات القضائية التي ينوي نتنياهو تمريرها. و سوف تكسب زخما كبيرا للمعارضة الإسرائيلية ضد نتنياهو . و من المتوقع أن هذه الحكومة لم تصمد طويلا. على غرار ما حدث مع "جولدا مائير" و " موشى ديان" أثناء لجنة"أجرانات " بعد حرب أكتوبر.
سحب البساط من اليمين الديني في إسرائيل
سيكتسب الخطاب المناهض لليمين الديني في إسرائيل أرضا جديدة، لاسيما أنه يطالب بوضع حد لنفوذ الأحزاب الدينية سياسياً، والتيار الديني ثقافياً، لعدم تكرار مواجهة إسرائيل لحروب مفاجئة تشن ضدها في المناسبات الدينية التي تفرض حالة استرخاء كامل في الدولة بكل مؤسساتها وفي المجتمع بكل طبقاته .
إعادة الزخم للقضية الفلسطينية
توارت القضية الفلسطينية مؤخرا خصوصا بعد توقيع اتفاقيات أبراهام التي وقعتها بعد الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ، و لكن جاءت عملية طوفان الأقصى لتعيد الزخم للقضية من جديد و هي فرصة لو أحسن استغلالها سوف تحقق واقعا جديدا للقضية. كما أنها سوف تعزز قبضة حركة حماس على القطاع، فلقد أحدثت العملية العسكرية "طوفان الأقصى" أصداء إيجابية في الشارع الفلسطيني، وعززت الحاضنة الشعبية لمسار المقاومة المسلحة، ومن شأن ذلك أن يعزز من شعبية وقبضة حماس على القطاع، وفي الشارع الفلسطيني بشكل عام، خاصة في ظل حالة الخفوت والتراخي التي أتهمت بها خلال الفترة الماضية نتيجة عدم انخراطها في تصعيد الفصائل ضد إسرائيل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقف الجديد لحركة حماس سيؤثر بدوره على موقف السلطة الفلسطينية من زاوية كونها الطرف المسئول عن تلبية احتياجات الشعب الفلسطيني، والدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ما يشكل نقطة ضعف جديدة لاعتبارات المصلحة الإسرائيلية.
رد إسرائيلي انتقامي
من المتوقع رد فعل إسرائيلي انتقامي ردا على ما حدث و لكن الذي يحجمها عدد الأسرى التي أسرتهم حماس، كما أنها لا تستطيع أن تحتل "غزة " بالكامل ، لأنه كما هو معروف أن المدن ذات الكثافة السكانية تكون بمثابة مقبرة للجيوش.
وبشكل عام تواجه إسرائيل في الوقت الراهن واقعاً مأزوماً ومركبا من التداعيات، على نحو يجعل الخيارات المطروحة للحل محدودة ومتباينة التكلفة وفقًا لحسابات الأطراف المنخرطة في المشهد الراهن، فلقد تشكل فصل جديد في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.