استيقظت منطقة الشرق الأوسط، صباح السبت السابع من أكتوبر الماضى على أنباء قيام عدد من مسلحى حركة المقاومة المسلحة الفلسطينية (حماس)، بعملية نوعية استمرت فعالياتها لأكثر من 48 ساعة، كانت كافية لتغيير العديد من الثوابت السياسية والأمنية، بل والجيوسياسية، المتعلقة بطبيعة الصراع التاريخى فى الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
بادئ ذى بدء.. لابد من التعرف على أهداف ودوافع هذه العملية لكل طرف من طرفى النزاع في هذه المرحلة الدقيقة من مراحل النزاع العربى الإسرائيلى، حيث أعربت حركة حماس عبر لسان أحد قادتها أن الغرض الرئيسى من العملية، هو مهاجمة فرقة غزة فى الجيش الإسرائيلى، حيث توفرت معلومات عن استعداد تلك الفرقة للقيام بعملية هجومية داخل القطاع خلال أيام .. وفرقة غزة هى التشكيل المكلف بحراسة وتأمين حدود قطاع غزة المشتركة مع الجانب الإسرائيلى، بالإضافة إلى تكليفها ببعض العمليات النوعية داخل القطاع عند الحاجة إلى ذلك مثل تدمير الأنفاق حال اكتشافها، أوتصفية بعض القيادات العسكرية النشطة حين رصدها.
ومن ثمّ، فقد صدرت التكليفات العاجلة لعناصر القسام (الجناح العسكرى لحماس)، بتنفيذ عملية نوعية شاملة استباقية ضد مراكز قيادة الفرقة، وعناصر المراقبة والسيطرة على السياج الحدودى الفاصل بين إسرائيل والقطاع، وهى عملية قد تم التخطيط والإعداد لها بدقة شملت هجوم عناصر من البر والبحر، تحت غطاء من الصواريخ أرض أرض محلية الصنع، حيث نجحت تلك العناصر فى مهاجمة مركزقيادة الفرقة، بل ونجحت فى احتلاله لمدة سبع ساعات..!!
واستطاعت تدمير أبراج الاتصالات، ونقل المعلومات، مما أربك قيادات الفرقة، وجعلها تنهار فى ساعات محدودة، بشكل كامل، وهو أمر فاجأ الحمساويين أنفسهم، فكان أن اندفعوا فى تلقائية إلى المستعمرات المحيطة بقطاع غزة، والمسماه بمستعمرات غلاف غزة، حيث اشتبكوا مع ساكنى تلك المستعمرات؛ فأوقعوا منهم قتلى وأسروا البعض الآخر.. ؟؟ إلى أن استعاد الجيش الإسرائيلى زمام الأمور بعد عشر ساعات من بدء القتال، واستطاع السيطرة على مركز قيادة الفرقة مرة أخرى..؟؟
وأيا كانت أسباب القصور، أو التميز لدى الجانبين المتصارعين الإسرائيلى والفلسطينى فى هذه الأحداث المفاجئة؛ فإن لها من النتائج والتداعيات الكثير ليس على كلا الجانبين المتصارعين فقط، بل على المنطقة بأثرها، ولا نبالغ إذا امتد هذا التأثير ليشمل عددا من العواصم الكبرى..
فكانت أول هذه التداعيات، وأخطرها، إعلان إسرائيل القيام بعملية عسكرية ضخمة داخل قطاع غزة، خلال ساعات قليلة، وهو رد الفعل التقليدى والمتكرر لدى القادة الإسرائيليين، عقب كل عملية نشطة لعناصر المقاومة الفلسطينية فى الداخل الإسرائيلى، وهو أمر لابد وأن قادة حماس يدركونه تماما، ومن المفترض أنهم يمتلكون ما يكفى من أوراق الضغط العسكرى والمعنوى التى تحول دون تنفيذ هذه العملية البرية ضد سكان القطاع ..والتقليل من آثارها حال تنفيذها ..
وإحقاقا للحق لابد، وأن نعترف بضبابية المشهد السياسى والأمنى اليوم داخل الإقليم، حيث تضاربت المصالح وتقاطعت الأهداف، وتعددت الأقطاب الفاعلة؛ فمنها ما هو متواجد بحكم موقعه الجغرافى، ودوره التاريخى، الذى لا يستطيع التخلى عنه، ومنهم من هو متواجد بحثا عن مصلحة ضيقة أو عن دور مفقود يحاول استعادته، ومنهم من يتواجد بحثا عن دور ينفى به عن نفسه سمة التقذم، والتهميش، الذى يعانى منها، ولا يزال طيلة تاريخه المعاصر ..
ومن ثمّ، وجب علينا محاولة فك تلك المعادلات المركبة للعلاقات الدولية الآنية إلى عناصرها الأولية حتى يتمكن المتابع للشأن العام من استيضاح الأمور، وفهم ما يدور حوله من تداعيات وتهديدات تنعكس بالضرورة على استقراره وأمنه واقتصاده ..
فالجانب الإسرائيلى يعانى منذ فترة ليست بالقليلة من مظاهر عدم الاستقرار الداخلى، حيث دخل فى العديد من الأزمات أقواها كان قانون إقرار السلطة القضائية الجديد، التى كادت تعصف بوحدة المجتمع الإسرائيلى، وأخرجت الآلاف من المواطنين إلى الشوارع فى صور مظاهرات واضطرابات واعتصامات، نادرا ما تعرضت لها إسرائيل طيلة تاريخها، بالإضافة إلى تنامى الشعور لدى المواطن بعدم الاستقرار الاقتصادى حيث يتولد لدى الجميع أن الاقتصاد الإسرائيلى قائم على المنح والمساعدات أكثر من كونه اقتصادا منتجا، ومع افتقاد المواطن الإسرائيلى للأمن والأمان وزيادة معدلات التسرب من التجنيد الى درجات غير مسبوقة، وكثرة مشكلات المجندات داخل الجيش نفسه، وكلها مؤشرات تشير الى ضعف، وبدء تفك المجتمع حتى إن رئيس الوزراء أصبح يعانى لمجرد تشكيل حكومة توافقية تدير شئون البلاد .. فكان له ما أراد من توحيد صفوف الداخل بعد أن تم الإعلان عن عمليه حماس صباح السابع من أكتوبر ..ليس هذا فحسب بل أن أشد ما يزعج القيادة الإسرائيلية اليوم، هو اتخاذ مصر لإجراءات فعلية، وواقعية لتنمية سيناء لأول مرة، منذ تحريرها، فالجميع يعلم أنه لا يمكن تنميه سيناء من خلال معديات سيناء، وفى ظل وجود عناصر تكفيرية، تم تمركزها بتعاون وثيق بين طرفى النزاع اليوم داخل شمال ووسط سيناء ومع انتصار الجيش المصرى فى معركة الإرهاب، وبناء الأنفاق أسفل قناه السويس واستكمال ميناء ومطار العريش، وبدء عبور خط السكك الحديدية إلى سيناء، وتدبير المياه اللازمة لبدء استصلاح 400 ألف فدان داخل سيناء، أصبحت إعادة تمركز 2 مليون مصرى داخل سيناء مسألة وقت، لا أكثر، وهو ما يعنى ضياع حلم التوسع الإسرائيلى شرقا إلى الأبد، والقضاء على فكرة الوطن البديل لسكان قطاع غزة، أيضا إلى الأبد، وهو ما عجل من أمر اتخاذ قرار الضغط على الفلسطينيين فى شمال قطاع غزه لدفعهم إلى جنوب القطاع (على حدود مصر)، لزيادة المشكلة الديموجرافيه للقطاع كمرحلة أولى، وانتزاع منطقة عازلة مؤمنة تفصل بين القطاع وحدود المستعمرات اليهودية مستعمرات غلاف غزة، بعد إعادة تمركزها بالإضافة إلى تدمير شبكة أنفاق حماس أسفل القطاع (الهدف المباشر للعملية البرية المنتظرة). أما الهدف النهائى، فهو تفريغ القطاع من سكانه على حساب الأراضى المصرية، باستغلال التأييد الدولى لهم نتيجة هجمات حماس فى السابع من أكتوبر عام 23 .. والتى جاءت على ما يبدو كهدية على طبق من ذهب. وعلى الجانب الأمريكى تلهث الإدارة الأمريكية خلف أصوات الناخب اليهودى، وتأثيره على الميديا داخلها وهى تستعد لانتخابات رئاسية، يخوضها الحزب الديمقراطى الحاكم (نوفمبر 24) بخسائر فى كل الملفات الخارجية (أوكرانيا –الاتحاد الأوروبى -الصين –تفكك النظام العالمى الأحادى -..) والملفات الداخلية (تضخم – أكبر نسبة ديون – الدخول فى مرحلة الكساد الاقتصادى ..) فكان لها أن قدمت الدعم العسكرى غير المحدود لإسرائيل بدفع أكبر، وأحدث حاملة طائرات لديها مع 26 من قطع الحماية فى تظاهرة بحرية ليست موجهو ضد حماس بالطبع، ولا حزب الله، ولا الجيش اللبنانى، ولا الأردنى ..ولا حتى الإيرانى فنصف قطر القتال للطائرات f-18 القابعة على ظهر هذه الحاملة من شرق المتوسط لا يصل إلى الأراضى الإيرانية .. !! ومن ثم اكتملت الصورة إلى حد بعيد، خاصة بعد ما صدر من الإدارة الأمريكية من قرارات بحجب جزء من المعونة العسكرية المخططه ضمن بنود اتفاقية السلام لممارسة مزيد من الضغوط على الجيش المصرى، ومن عجائب (الصدف السياسية)، ان هذه الحاملة، والتى تعد الأحدث والأكبر لدى أمريكا، والتى استمر بناؤها أحد عشر عاما، ودخلت الخدمة عام 2021 كان سبق وأن اتهم أحد المهندسين المصريين فى عام 2014 بمحاولة التجسس، وتحديد نقاط الضعف، التى يمكن مهاجمتها منها وحوكم فى أمريكا بالفعل .. ولتصبح أول مهامها خارج أمريكا بالقرب من الشواطئ المصرية..؟؟ إن الدولة والإدارة المصرية بالنسبه لكل من أمريكا – إسرائيل – بريطانيا والتى دخلت على الخط اليوم بدفع قطعتين بحريتين لدعم إسرائيل اليوم ..؟ هى كابوس يحاولون الاستيقاظ منه.. ولا سيما وأنها لا تدعم سياسات الهرولة العربية للتطبيع المجانى مع إسرائيل من قبل بعض الأشقاء والتى تتم حاليا ..
يمكرون ويمكر الله والله خيرالماكرين .....صدق الله العظيم
وللحديث بقيه بإذن الله