لم يكن تصويت مجلس النواب الأمريكى على إقالة رئيسه الجمهورى «كيفن مكارثى»، بموافقة 216 نائبًا، مقابل معارضة 210 نواب، سابقة تاريخية فقط، كما أجمعت وسائل الإعلام العالمية؛ لأنها المرة الأولى فى تاريخ الولايات المتحدة الممتد منذ 234 عامًا، التى يطيح فيها المجلس النيابى برئيسه، إلا أن النقطة الأهم أنها تعد حلقة ضمن سلسلة الأحداث التى تعكس حالة الاستقطاب، والانقسام السياسى المتزايد على الساحة الأمريكية..
وكان «مات جيتز»، النائب الجمهورى المتشدد عن ولاية فلوريدا تقدم بمذكرة تعلن «شغور منصب رئيس مجلس النواب»، فيما يعرف باسم «اقتراح الإخلاء»، رداً على تمرير مكارثى بمساعدة الديمقراطيين، حزمة مؤقتة لتمويل الحكومة الفيدرالية جنبت واشنطن إغلاقً حكوميًا، وسط معارضة من أعضاء حزبه.
وكما هو متوقع، حصل جايتز على عدد قليل من أصوات الجمهوريين، إذ انضم إليه منهم 7 آخرون، وهو ما كان كافيا للإطاحة بمكارثى، خاصة مع تصويت كل الديمقراطيين ضده.
وبعيدًا عن تفاصيل الإطاحة بمكارثى، أجمعت العديد من التحليلات السياسية على أن الساحة الأمريكية تشهد حالة انقسام سياسى واضحة، وخاصة منذ أحداث اقتحام مبنى الكونجرس عام 2021.
حالة الانقسام لم تقف فقط عند حدود المعسكرين المتنافسين الجمهورى والديمقراطى، وإنما وصلت أيضًا إلى الانقسام داخل كل معسكر، ولم يكن منصب اختيار رئيس مجلس النواب ببعيد عن هذا المشهد، إذ انتُخب رئيس مجلس النواب بأغلبية بسيطة، وبشق الأنفس بعد 15 محاولة تصويت، وهو أمر لم يحدث فى التاريخ السياسى الأمريكى على امتداده، علاوة على ذلك، فقد وصل مكارثى إلى المنصب بعد أنّ قدّم تنازلات كبيرة لحوالى 20 نائبًا جمهوريًا متشددًا من أنصار الرئيس السابق ترامب، ومن ثَم، فمن المرجح أن تعيد قضية عزل مكارثى إشعال المعركة داخل الحزب بين المعتدلين والمحافظين التقليديين من جانب، وأنصار ترامب من جانب آخر.
وهو ما ذكرته صحيفة «التليجراف» البريطانية، التى أشارت إلى أن حالة الصراع والمعارك المندلعة بين أجنحة الجمهوريين لن تكون أبدًا فى صالح الحزب الذى يهيمن على مجلس النواب حاليًا، فمن ناحية ستنعكس هذه التوترات على أداء الجمهوريين داخل المجلس، وتؤدى إلى ضعف موقفهم كأغلبية، ومن ناحية أخرى ستؤدى إلى اهتزاز ثقة الناخبين.
وذكرت التليجراف أنه بعد 269 يومًا فقط من فوزه برئاسة مجلس النواب، وقف كيفن مكارثى أمام الكاميرات ليلقى «نعيه السياسى»، بحسب تعبير الصحيفة، التى نقلت تصريحات مكارثى حين فاز برناسة النواب «لقد صنعت التاريخ، أليس كذلك».
والحقيقة أن مكارثى صنع التاريخ مرتين بحسب «التليجراف» الأولى عندما خاض 15 جولة تصويت قبل الفوز برئاسة مجلس النواب بسبب تعنت أعضاء التيار اليمينى المتشدد داخل الحزب الجمهورى الذين دعموه فى النهاية بعد إبرام اتفاق يسمح لأى عضو فى المجلس بالدعوة إلى تصويت سريع للإطاحة به وهو ما حدث فعلا بعد انضمام 8 جمهوريين يمينيين متشددين إلى الديمقراطيين فى المجلس لإقالته بأغلبية 216 صوتًا مقابل 210 أصوات.
وبإقصائه صنع مكارثى التاريخ مجددًا عندما أصبح أول رئيس لمجلس النواب، يتم التصويت للإطاحة به من منصبه على مدار تاريخ المجلس الممتد 234 عاما لتصبح فترة ولايته الأقصر فى تاريخ الولايات المتحدة منذ عام 1876 عندما تولى مايكل كير المنصب لمدة 257 يوما قبل وفاته.
واعتبرت صحيفة «التليجراف»، أن مكارثى كان رهينة للجناح اليمينى لحزبه منذ اليوم الأول، لكنه فشل فى تمرير قائمة أولوياتهم المحافظة حتى نفد صبرهم بعد إبرامه اتفاقًا مع الديمقراطيين لتجنب إغلاق الحكومة.
واتهم مكارثى اليمين المتشدد بـاختيار الفوضى بدلا من التسوية، وقال: «ما أخشاه هو أن المؤسسة سقطت اليوم»، مضيفًا: «لا تستطيع القيام بالمهمة إذا كان 8 أشخاص.. يستطيعون الشراكة مع الجانب الآخر بأكمله».
وتثير تصريحات مكارثى إضافة إلى الانقسام الجمهورى أسئلة حول وضع الحزب من بينها قدرة أى شخص يخلف مكارثى على رئاسة المجلس والسيطرة على أداء الأغلبية، بما فيها التيار المتشدد الذى يعتبر أن زملاءهم الوسطيين ليسوا أفضل كثيراً من الديمقراطيين.
وقالت الصحيفة،على الرغم من أن خط المتشددين الثمانية يبدو أقرب إلى الرئيس الجمهورى السابق دونالد ترامب إلا أن استراتيجيتهم لا تلقى إعجابه، ودعم ترامب مكارثى لرئاسة مجلس النواب فى يناير الماضى، على الرغم من اعتراضات مساعديه فى المجلس، كما رفض الرئيس السابق التحركات للإطاحة بمكارثى. وقال ترامب: «لماذا يتقاتل الجمهوريون دائمًا فيما بينهم، ولماذا لا يقاتلون الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين؟».
وقالت الصحيفة البريطانية إنه لا يبدو أن المتشددين الجمهوريين يفكرون فى عواقب سلوكهم أو يشعرون بالقلق تجاهها، لكن المعركة المقبلة لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب ستجعل الأغلبية الجمهورية داخل المجلس أضعف، كما أن تحركات الجمهوريين تمثل مخاطرة فى لصق تهمة الفوضى بهم قبل انتخابات الرئاسة 2024 وتدفع الناخبين الأمريكيين للتساؤل إذا كان بإمكانهم الوثوق فى الحزب.
وفى نفس الإطار، ذكرت «سكاى نيوز» فى تقرير أن إقالة مكارثى ستثير المخاوف بشأن قدرة الحزب الجمهورى على مواجهة الحزب الديمقراطى فى انتخابات 2024، وأن حالة التأزم داخل الحزب والصراع بين أوساطه، وخاصة الجناح المتشدد داخل الحزب الجمهورى والذين صوتوا لصالح عزل مكارثى، بالإضافة إلى الصراع الذى سيحدث بين الحزبين فى الفترة الحالية، حيث (الشلل التشريعى)، الذى تسببه الانقسامات الداخلية وحالة الضبابية التى تسببت بها الإقالة، وقبل ذلك وبعده اتجاهات الحزب فى الفترة المقبلة، كل ذلك يمكن اعتباره، وبالنظر إلى خطوة إقالة مكارثى تتويجًا للانقسامات الجمهورية المتفاقمة منذ عام وأكثر.
الجمهوريون فى مرمى الانقسامات !