مصر ومواجهة المخطط الشيطاني

تتسارع الأحداث فى المنطقة منذ السابع من أكتوبر الجاري.. فقد تحولت إلى أكبر بؤرة توتر فى العالم وتحولت إليها كل وسائل الإعلام وظهر أثرها على الساحة السياسية والعسكرية والشعبية؛ وبات الأمر أكثر تعقيدًا، وأصبحت التوقعات بحل الأزمة أشبه بالمهمة المستحيلة فى ظل استمرار الدعم الأمريكي للآلة العسكرية الإسرائيلية وغياب الرؤية لدى العديد من الدول الغربية وإعلان دعمها للاعتداءات الإسرائيلية المستهدفة للمدنيين العُزّل من أبناء قطاع غزة الفلسطيني.

لا للتهجير.. معا لدعم القضية الفلسطينية

6353

بل إن القوى الدولية المتشدّقة بملف حقوق الإنسان، فقأت عينيها لكي لا ترى جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل تجاه الفلسطينيين العُزّل، فى أكبر عملية إبادة جماعية فى التاريخ الحديث.. بعد استهداف المستشفيات والطواقم الطبية والإسعاف والمنازل، بالإضافة لقطع كل الخدمات عن القطاع (المياه، الكهرباء، الطعام والدواء) حالة من عملية القتل البطيء تحت سمع وبصر العالم بل بمباركة من الدول الكبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، وغيرها من طابور المصطفّين لتقبيل يد اليهود، أو ممن تعود أصول قادتهم ومسئوليهم إلى اليهودية).

الجميع يتدثّر بحق إسرائيل فى الدفاع عن شعبها وفق ما يسمونه بالمواثيق الدولية وتجاهلوا حق الفلسطينيين فى الحياة والعيش على أراضيهم.

صمت الجميع واكتفى البعض منهم بإدانة على استحياء لمقتل المدنيين لكنه علا بصوته معلنًا دعمه لإسرائيل، إنها محاولة جديدة لتنفيذ أكبر مخطط شيطاني فى المنطقة.

الأوضاع تتطور بشكلٍ متسارعٍ يؤكد أن الهدف ليس ما يظهر على السطح من استهداف وضرب وتدمير القوى العسكرية للمقاومة الفلسطينية، الهدف أكبر من ذلك بكثير فطنت إليه القيادة المصرية فحذر الرئيس عبد الفتاح السيسي من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار وأكد أن المصريين لن يفرطوا فى حبة رمل واحدة من وطنهم، وأن دعم مصر للأشقاء الفلسطينيين لن يتوقف ليظلوا صامدين على أرضهم.

كما حذر الملك عبد الله الثاني من ذلك المخطط الشيطاني أيضًا بل إنه أشار إلى أن الأمر قد يدفع بالمنطقة إلى حرب وهو ما يستوجب علينا أن نتوقف عنده لندقق فى المشهد ونتعرف على تفاصيل الخطة الشيطانية.
(1)
دعونا نعود إلى ما بعد حرب 1948 عندما ظهرت أول خطة لتهجير الفلسطينيين وتفريغ القضية، تعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة 1948، فى ذلك الوقت، رأى القادة الإسرائيليون أن وجود الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية يشكل تهديدًا لطابع الدولة اليهودية، على سبيل المثال، قال ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إن «العرب يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدي لجعل العرب فى دولة عربية».

وفقًا لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة فى 1967، شجَّعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية.

فى عام 1968 تقدمت مؤسسات إسرائيلية مختلفة بمشاريع لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ونقلهم إلى خارجها، وقدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية مشروعًا يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين فى غزة على الانتقال والعيش فى الضفة الغربية، ومن ثم إلى الأردن وبلدان أخرى فى العالم العربي.
ونتيجة لهذه السياسة، أُلغي اعتراف إسرائيل بوجود نحو 140 ألف فلسطيني، بما فى ذلك 42 ألفًا من سكان غزة، بحجة تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها فى الخارج، ولا يزال الكثير منهم عالقين فى الخارج دون وثائق تُثبت هويتهم.

ولا يزال الكثير من الفلسطينيين الذين يعيشون فى الخارج يعانون ضعف الوثائق التي تُثبت هويتهم، وترفض إسرائيل منحهم حق لمّ الشمل، الذي عُلِّق منذ عام 2000.

عقب القمة العربية التي عقدت فى الرباط فى ديسمبر 1969 والتي انتهت دون أي قرار أو بيان ختامي، فى الوقت الذي كانت تناقش فيه القمة وضع استراتيجية لمواجهة إسرائيل بعد حرق المسجد الأقصى.

حاول أرئيل شارون، فى أوائل عام 1970 تفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل مئات العائلات الفلسطينية والدفع بهم إلى سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، ودفع بعائلات أخرى نحو العريش.

تضمنت الخطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون فى المغادرة من غزة للدراسة والعمل فى مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك، كان الهدف من هذه الخطة هو إحداث تغيير فى التوزيع السكاني فى غزة بهدف القضاء على المقاومة وتخفيف الاكتظاظ السكاني، حيث كان عدد السكان فى ذلك الوقت يبلغ 300ألف نسمة.

وتصدى العرب فى ذلك الوقت للمخطط الذي كان يستهدف تغيير الهوية الفلسطينية وتفريغ القضية وكشفته وسائل الإعلام العربية فى مارس عام 1970 وفشلت المحاولة الإسرائيلية.

وفى عام 2000، قدم اللواء فى الاحتياط جيورا أيلاند، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعًا يُعرف باسم «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين»، نُشر هذا المشروع فى مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية.
يستند المشروع إلى افتراض أن حل القضية الفلسطينية ليس مسئولية إسرائيل وحدها، بل هو مسئولية تشترك فيها 22دولة عربية.

وفقًا للمشروع، تقدم مصر تنازلاً عن 720 كيلومترًا مربعًا من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة.

تتألف هذه الأراضي من مستطيل يبلغ طول ضلعه الأول 24 كيلومترًا، يمتد على طول الساحل من مدينة رفح إلى حدود مدينة العريش فى سيناء، والضلع الثاني طوله 30 كيلومترًا من غرب معبر كرم أبوسالم ويمتد جنوبًا بالتوازي مع الحدود المصرية الإسرائيلية.

تكون المنطقة المقترحة مساحتها مضاعفة لمساحة قطاع غزة، وتعادل 360 كيلومترًا مربعًا، وتمثل 12% من مساحة الضفة الغربية. فى المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة فى سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها للسيادة الإسرائيلية.

على جانب آخر، ستحصل مصر على تبادل للأراضي مع إسرائيل فى جنوب غرب النقب (منطقة وادي فيران) بنفس المساحة، مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعمًا دوليًا.

وفشل المشروع تماما بعد أن تصدت له مصر وكشفت الهدف الحقيقي الذي كان يستهدفه العدو الإسرائيلي.

(2)

لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية الشيطانية لإعادة المخطط إلى السطح بين الحين والآخر.

ففي يوم الاثنين، بمعهد ترومان بالجامعة العبرية فى القدس، الخامس من يونيو عام 2004، قدم «يوشع بن آريه»، الرئيس السابق للجامعة العبرية، مشروعًا مفصلاً لإقامة وطن بديل للفلسطينيين فى سيناء، استنادًا إلى مبدأ تبادل الأراضي بين مصر وإسرائيل وفلسطين، والمعروف سابقًا بمشروع «جيورا أيلاند».
تضمنت الفكرة تخصيص أراضٍ فى سيناء للدولة الفلسطينية، وتحديدًا منطقة العريش الساحلية، مع إنشاء ميناء بحري عميق وخط سكك حديد دولي بعيد عن إسرائيل، ومدينة كبيرة تحتضن السكان، وبنية تحتية قوية، ومحطة لتوليد الكهرباء، ومشروع لتحلية المياه.
بموجب المشروع، ستحصل مصر على أراضٍ فى صحراء النقب جنوب إسرائيل بنفس المساحة التي ستمنحها للفلسطينيين فى سيناء، وتبلغ نحو 700 كيلومتر مربع، مع توفير ضمانات أمنية وسياسية لإسرائيل بعدم وجود بناء للمستوطنات فى المنطقة الحدودية مع مصر، والسماح لمصر بإنشاء شبكة طرق سريعة وسكك حديدية وأنابيب لنقل النفط والغاز الطبيعي.

وتصدت مصر مرة أخرى للمخطط وأدرك الفلسطينيون أن الهدف هو القضاء على القضية الفلسطينية فواصلوا الصمود على الأرض رغم عملية الاجتياح الإسرائيلي للقطاع فى 2005، والذي نتجت عنه عملية اجتياح فلسطيني للحدود المصرية ودخل أبناء قطاع غزة إلى رفح والشيخ زويد، واستطاعت مصر بالتواصل مع القوى الدولية وقف آلة الحرب الإسرائيلية بعدها انسحبت، انسحاب أحادي الجانب وتركت القطاع لحركة حماس.

سيطرت حماس على القطاع بالكامل وفى يناير عام 2008 اقتحم الفلسطينيون الحدود الدولية برفح وقاموا بتفجير الجدار الفاصل والسور الخرسانى والحديدى بين مصر والقطاع.. استمر تدفق الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية عبر عدة فتحات على طول الجدار.. وبلغ عدد الفتحات أكثر من 15 فتحة فى عدة مناطق على طول خط الحدود الدولية من ساحل البحر شمالاً وحتى ميناء رفح البرى جنوبًا، وبأطوال من متر إلى حوالي عشرة أمتار.

وفى ديسمبر 2008 شنت إسرائيل هجومًا عسكريًا على غزة استمر 22 يومًا بعد أن أطلق فلسطينيون صواريخ على بلدة سديروت بجنوب إسرائيل، ويقدر عدد الشهداء الفلسطينيين نحو 1400 بينما قتل 13 إسرائيليًا قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار.
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من مرة الترويج لذلك السيناريو الشيطاني الذي دفعت ثمنه مقدمًا لتنظيم الإخوان الإرهابي إبان عهد الرئيس محمد مرسي، وخلال ولاية الرئيس بارك أوباما، حيث دفعت الإدارة الأمريكية 8 مليارات دولار حصل عليها المهندس خيرت الشاطر مقابل تنفيذ خطة «جيورا أيلاند» بعد أن عدلت تسميتها إلى صفقة القرن، الأمر الذي فطن إليه القائد العام للقوات المسلحة فى ذلك الوقت، الفريق أول عبد الفتاح السيسي ففي ديسمبر 2012 أصدر القرار رقم 203 لسنة 2012 بحظر تملك أو حق انتفاع أو إيجار أو إجراء أي نوع من التصرفات فى الأراضي والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية، كما يحظر تملك أراضي شبه جزيرة سيناء لغير المصريين.

وأجهض الفريق أول عبد الفتاح السيسي فى ذلك الوقت مخطط منح 40% من مساحة سيناء للفلسطينيين وفق الوثيقة التي وقّع عليها مرسي بالاتفاق مع الشاطر وكشفتها تحقيقات الكونجرس الأمريكي بعد ذلك عقب الإطاحة بحكم الجماعة الإرهابية.

واليوم تعود إسرائيل مرة أخرى لمحاولة تنفيذ مخططها الشيطاني بالدفع بالفلسطينيين خارج أراضيهم من خلال عملية عسكرية مدعومة بالأسلحة والمعدات الأمريكية والبريطانية، وبمباركة دولية بدعوى ضرورة اجتياح غزة لملاحقة عناصر حماس، فى ذات الوقت تنفذ إسرائيل أكبر عملية تطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني وتدفع بالباقين باتجاه الحدود المصرية والأردنية وهو ما فطنت إليه الشعوب العربية وعلى رأسها الشعب المصري والأردني والفلسطيني وسيواصلون التصدي له بقوة حتى يتم إعلان دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو 67 وعاصمتها القدس.
ولتعلم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل أننا نحن المصريين جميعا نصطف خلف قائدنا معلنين تفويضنا للرئيس عبد الفتاح السيسي فى اتخاذ ما يلزم من القرارات والإجراءات للحفاظ على الأمن القومي المصري وحماية سيناء من مخطط تحويلها إلى مسرح حرب وعمليات عسكرية.
كما أننا جميعا لن نفرط فى حبة رمل واحدة من تراب الوطن الذي سالت دماء الأبطال للدفاع عنه، وإذا كانت إسرائيل ترغب فى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة فلتدفع بهم إلى محافظة النقب فى الجنوب الغربي والتي تتجاوز مساحتها 114 ألف كيلومتر ولا يتجاوز عدد سكانها 317 ألف نسمة وتقل بها المستوطنات فإذا ما استقطعت إسرائيل 50 ألف كيلو متر منها لصالح الفلسطينيين لن تحدث أي أزمة لأنها الأفضل خاصة أنها جزء من أرض فلسطين المحتلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حلف جديد
الأحداث التي تشهدها المنطقة والقرارات الدولية التي تتخذ بشأنها خلال الآونة الأخيرة فى ظل أكبر عملية انتهاك ل حقوق الإنسان تحت سمع وبصر العالم وتأييد الدول الغربية والولايات المتحدة لإسرائيل، تستوجب على دول المنطقة العربية والدول ذات الاقتصاديات الناشئة والدول النامية أن تتوحّد فى ظل استمرار استخدام الغرب لسياسة الكيل بمكيالين اتخاذ قرارات من شأنها الحيدة عن دعم أصحاب الحق، ليكون هذا الحلف الجديد قادرًا على امتلاك أوراق ضغط يحصل بها على حقوقه.

أضف تعليق