ما يحدث على الأراضى الفلسطينية الآن من الجانب الإسرائيلى على المدنيين العزل فى غزة، هى أعمال حرب ممنهجة تُستخدم فيها كافة الأسلحة ومنها المحظورة دوليًا، وكان آخرها قصف الاحتلال للمستشفى المعمداني في غزة، الذي أسفر عن 800 شهيد وجريح حتى كتابة تلك السطور.
هذه جرائم حرب مكتملة الأركان تستدعي التحقيق الفوري من قبل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وإذا كان مجلس الأمن يعجز حتى الآن وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية في إصدار ولو حتى بيان مشترك يدين تلك الهجمات الوحشية، التى تسببت فى قتل وتشريد الأبرياء والنساء والأطفال.
فالآن يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم الكامل والمساندة الدبلوماسية لمحكمة العدل الدولية فى إجراء تحقيق شامل على وجه السرعة، فبدون هذا الدعم لن تتمكن المحكمة من إجراء هذا التحقيق على أن يشمل هذا التحقيق المتسبب – سواء كانت حكومات أو أشخاص – فى توغل وتغول المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية فى الضفة الغربية بما يخالف اتفاق "أوسلو" وكافة قرارات مجلس الأمن اللاحقة، وما تلاه من قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولى على أن يتم ذلك التحقيق فى أسرع وقت ممكن وتقديم المتسبب أيا كان صفته إلى المحكمة الجنائية الدولية بصفتة مجرم حرب.
وعلينا كعرب ممثلين فى الجامعة العربية، حث المجتمع الدولى بأثره على دعم المحكمة الجنائية الدولية حتى تضطلع بدورها المنوط بها طبقًا لما أولاه لها القانون الدولي من اختصاص.
وعلينا أيضًا تشكيل لجان قانونية جنبًا إلى جنب مع الدبلوماسية العربية، لإعداد التقارير والمذكرات والوثائق التاريخية وتوثيق شهادات شهود العيان والمتضررين وأهالى الشهداء، وضحد ما يروج له العدو الصهيونى من أن ما يقوم به من أعمال إجرامية فى قطاع غزة هو دفاع عن النفس، أى نفس تلك التى يدافعون عنها، وكيف لمحتل غاصب أن يتزرع بالدفاع عن النفس وهو المعتدي وهو المغتصب للأرض.
فلو افترضنا على حد تعبيره أن ما يأتيه من أفعال وإن كانت أفعال -حرب دفاع – دفاع عن النفس فهل استخدام القنابل المحرمة دوليًا دفاعًا عن النفس بل هو تجاوزمقيت لحق الدفاع فكيف ساوى بين حجر ومقلاع وبين طائرات حربية وعتاد حربى فى غاية التطور.
إن لم يكن - الآن - صوت ورأى وقرار للمحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية، فمتى يكون لهما هذا الصوت؟، متى وكيف يمكن أن يكتسب صوت المدعي العام للمحكمة قيمة فريدة فى المجال العام فالمخاطر التى تعرض لها المدنيين الفلسطنين خلال أعمال الحرب التى شنها العدو الصهيونى كبيرة للغاية، بل فاقت كل الحدود ولم تعد مجرد مخاطر بل تصفية للشعب الفلسطينى قبل أن تكون تصفية للقضية الفلسطينية ذاتها .
فعلى المحكمة أن تقوم بواجبها الذى يفرضه عليها القانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني الدولى فالمحكمة مختصة بتطبيق القانون بحكم انضمام فلسطين إلى نظام روما الأساسى .
أعتقد أيضًا أن اتخاذ المحكمة الجنائية الدولية إجراءات ضد المسئولين الإسرائيليين يعتبر قيمة رادعة، سيكون له وزنه فى ضمان إدراج دعم العدالة فى الاستجابات الدولية منذ اللحظات الأولى لاندلاع هذه الأعمال العدائية مستقبلا، ضد أى من شعوب المجتمع الدولي، والتأكيد على احترام القانون الإنساني الدولي.
ندرك تمامًا صعوبة التوصل إلى توافق سياسي حول دعم المساءلة النزيهة والمحاكمة العادلة، رغم أهمية الحشد لدعم للدور المحوري الذى تضطلع به المحكمة الجنائية الدولية.
فبدون مساءلة ومحاكمة عادلة وأحكام رادعة لن ينتهى القمع الذى يترعرع على إفلات المجرمين من العقاب، وستظل حلقات إراقة الدماء مستمرة، ولابد أن يكون للمحكمة الجنائية دور محورى حتى تبعث برسالة مهمة لمجرمي إسرائيل الحاليين والمحتملين من العقاب والتراخي فى اتخاذ إجراءات فاعلة ضد الانتهاكات الإسرائلية السالفة على كثرتها، ورغم خطورتها على السلم والأمن الدوليين وعلى الإنسانية بأثرها، أدى وسيؤدي مستقبلًا إلى مزيد من الانتهاكات ومزيد من العنف ومزيد من الدمار والتشريد للشعب الفلسطيني.
من هذا المنطلق، فإننا نناشد المحكمة الجنائية الدولية والمدعى العام للمحكمة، ومحكمة العدل الدولية، التحرك العاجل والفوري والتحقيق فيما يرتكبه الإسرائيليون وقادة جيشهم من انتهاكات للقانون الجنائي الدولي والقانون الإنساني وتقديمهم لمحاكمة عادلة ومعاملتهم كمجرمي حرب حتى يكونوا عبرة لقتلة الأطفال والنساء.