جرأة.. رعب.. لامبالاة.. ماذا كان شعور "ريا وسكينة" لحظة إعدامهما؟

جرأة.. رعب.. لامبالاة.. ماذا كان شعور "ريا وسكينة" لحظة إعدامهما؟ريا وسكينة

حوارات وتحقيقات23-10-2023 | 19:35

لم تتحقق شهرة لمجرمين مثلما تحققت لريا وسكينة، حيث إنهما دخلتا الوجدان الشعبي من أوسع أبوابه، نظرا لقصتهما الدرامية التي لم تحفل الدراما ولا السينما للوصول إلى عمق دراميتها، واكتفت بالقشور.

فعصابة ريا وسكينة لم تكن مجرد مجموعة من المجرمين عاشوا في بر مصر، وأزهقوا من أرواح النساء الكثير، ولكن تطور علاقة تلك العصابة بالجريمة تعد فصلاً غامضا من كتاب التاريخ، لم يقدر أحد أن يظهره على الشاشة، ليبين للناس حقيقة ما جرى، ولكن على شهرة تلك العصابة " ريا وسكينة ورجالهما"، ماذا كان شعور هؤلاء القتلة عند اقتيادهم لغرفة الإعدام؟

ريا وسكينة.. ما بين الجرأة والتبلد
يروي الكاتب الصحفي "صلاح عيسى" في كتابه"رجال ريا وسكينة" عن تلك اللحظات المثيرة قائلًا: "لم تكد شمس يوم الأربعاء 21 ديسمبر 1921 تشرق، حتى رُفعت الراية السوداء على سارية سجن الحضرة إعلانا بأن حكما بالإعدام سيتم تنفيذه.

وقبل السابعة بقليل بدأ أعضاء تنفيذ حكم الإعدام يتوافدون على السجن، وكان تشكيل الهيئة استثنائيا، كما ينبغي لجريمة استثنائية، فلم يقتصر على سلطات السجن المحلية، بل ضم كذلك حضرة صاحب السعادة محمد حداية باشا مخافظ الإسكندرية والأميرالاي "جرانت بك" حكمدار البوليس، و"مورلي بك " محافظ السجون، والمسيو " جواني" رئيس البوليس السري، وطبيب البوليس الدكتور نجار، فضلا عن سلطات السجن، وكانت تضم القائمقام عبد الفتاح صالح مأمور السجن، وضباطه، وطبيبه الدكتور عبد الله عزت، ومندوبي الصحف اليومية العربية والإفرنجية بالإسكندرية".

وفي السابعة والنصف اصطفت هيئة التنفيذ أمام غرفة الإعدام، وجاء حراس السجن بريا..

وقال مندوب جريدة الأهرام إنها كانت ترتدي ملابس الإعدام الحمراء، وعلى رأسها طاقية بيضاء، تسير بأقدام ثابتة إلا أنها كانت ممتقعة اللون خائرة القوى، وقد استمعت بصمت إلى حكم الإعدام الذي تلاه عليها مأمور السجن ثم سألها المحافظ إذا كانت تحتاج إلى شيء، فقالت إنها تريد أن ترى ابنتها بديعة، فالتفت إليها المأمور وقال إن ابنتها قد زارتها قبل يومين فقالت:
-يعني ما شوفش بنتي؟!

ثم دخلت إلى غرفة الإعدام.

وطبقا للبيانات التي وردت في أورنيك السجون رقم 169، الذي يتضمن تقرير الطبيب عن المسجونين المنفذ عليهم الحكم بالإعدام شنقا فقد كان وزنها عند دخول السجن 42 كيلوجراما، ارتفع عند تنفيذ الحكم إلى خمسين كيلوجراما ونصف بزيادة قدرها ثمانية كيلوجرامات ونصف، خلال ما يقرب من عام.

وكانت حالتها الصحية جيدة جدا عند دخولها أما قبل التنفيذ، فقد كانت باهتة اللون وخائرة القوى وكانت آخر عبارة قالتها هي:
-أودعتك يا بديعة يا بنتي بيد الله

ثم نطقت الشهادتين..
واستمر نبضها لدقيقتين، وظلت معلقة لمدة نصف ساعة.

وبعد الثامنة بقليل اقتيدت سكينة إلى ساحة التنفيذ.. وقال مندوب "الأهرام" إنها أكثرت من الحركة والكلام بينما كان المأمور يقرأ عليها نص الحكم، وكانت تتمتم بعبارات تعلق بها على ما تسمعه فعندما ذكر الحكم أنها قتلت 17 امراة قالت:
-هو أنا قتلتهم بإيدي؟!
ثم قالت بتحد:
-أيوه قتلت واستغفلت بوليس اللبان.. والشنق مايهمنيش.. أنا جدعة.

وعندما دخلت إلى غرفة المشنقة، قالت للجلاد وهو يوثق يديها خلف ظهرها:
-هو أنا رايحة أهرب ولا امنع الشنق بإيدي.. حاسب أنا صحيح ولية.. ولكن جدعة ..والموت حق.

ولما كانت تحت الحبال قالت:
-سامحونا.. يمكن عبنا فيكم.
ثم تلت الشهادتين..

وقال تقرير الدكتور عبد الله عزت طبيب السجن الذي حرره على الأورنيك رقم 169 إن سكينة دخلت السجن ووزنها 47 كيلوجراما، ارتفعت إلى 53 قبل التنفيذ، وإنها دخلت وهي بصحة جيدة ولم تكن تعاني من شيء إلا من جرب في أنحاء جسدها، وكانت عند التنفيذ جريئة ورابطة الجأش، و إن آخر عبارة فاهت بها هي:
-أنا جدعة وحتشنق محل الجدعان، وقتلت 17 وغفلت الحكومة
وظلت معلقة لمدة نصف ساعة .

وبذلك يتبين مدى الاختلاف في رد الفعل بين الاثنتين ريا وسكينة، فبين لامبالاة يشوبها الضعف وقلة الحيلة أظهرتها ريا، وبين جرأة وقوة أظهرتهما سكينة، والغريب أنها قالت "أنا حتشنق محل الجدعان"، لأنه حتى هذا الوقت لم يتم تنفيذ حكم الإعدام شنقا على أية امرأة من قبل، فلقد كانت ريا وسكينة أول امرأتين يتم إعدامهما.

إعدام رجال ريا وسكينة
كان أول من تم تنفيذ الحكم بالإعدام عليه من رجال ريا وسكينة هو "حسب الله سعيد".. زوج ريا علي همام، حيث إنه في حوالي التاسعة، جاءوا به وكان رابط الجأش مثلما كانت سكينة ولكنه علق على منطوق الحكم بإعدامه قائلا:
-بتقولوا إني قتلت 17..الحقيقة هم 15 بس! .. ولو عاوزين أعدهم واحدة وأسميهم ..ولو كنت عشت سنة واحدة كمان، لكنت قطعت لكم دابر العواهر، وحرمتهم يمشوا في الشوارع.. دول بيستغفلوا رجالتهم، وبيبيعوا أعراضهم بربع ريال.. تشنقونا عشان شوية عواهر.

والغريب في الأمر أن حسب الله قال هذا الكلام في محاولة منه لتقديم مبرر أخلاقي لما فعله، بالرغم من أنه كان يعمل مع هؤلاء العواهر قوادا!
كما أنه قدم تدليسا أثناء إعدامه حيث إنه لم تكن ضحايا "عصابة ريا وسكينة" كلهن عاهرات..

وعندما دخل إلى غرفة الإعدام، قال للشناق:
-شوف شغلك كويس.. شد واربط زي ما أنت عاوز.. كله موت.

وقال مندوب الأهرام: "وكانت ألفاظه عن العواهر وبيع الأعراض خشنة لا تكتب.. وقد ظل يكررها ويتكلم بصوت عال صريح إلى أن هوى في حفرة الإعدام، وكان آخر ما قاله طعنا في مأمور قسم اللبان.. وقد ذكرته سكينة أيضا في كلامها".

وذكر الأورنيك 169 أنه كان بصحة جيدة عندما دخل السجن، فيما عدا سجحات سطحية بالظهر، وكان وزنه 70 كيلوجراما، ارتفعت إلى 72 قبل التنفيذ، وأنه كان جريئا جدا ورابط الجأش، أما آخر ماقاله، فهو اعترافه بأنه قتل 15 امرأة وليس 17 !

وقد استمر نبضه لمدة ثلاث دقائق، وظل معلقا لمدة نصف ساعة.

ثلاثي الإجرام العتيد .. عبد الرازق وعرابي وعبد العال

في اليوم التالي الخميس الموافق 22 ديسمبر 1921 نفذ حكم الإعدام فيمن تبقى من عصابة ريا وسكينة .

وكان أول الذين أعدموا في هذا اليوم هو عبد الرازق يوسف..

والغريب أن رد فعله كان مختلفا عن سابقيه، فلقد قاوم الحراس أثناء اقتيادهم له إلى غرفة الإعدام مما اضطرهم إلى سحبه بالقوة على الأرض ثم إلى تكبيل يديه بالحديد وراء ظهره، وظل أثناء تلاوة الحكم يتأوه ويصرخ معلنا أنه بريء، ويستشهد على ذلك بعبد العال..

وقال التقرير الطبي إنه كان يزن عند دخوله السجن 78 كيلوجراما ارتفعت إلى 81 كيلو عند التنفيذ وكانت حالته الصحية جيدة، ماعدا أثر حك بالإليتين والظهر ومقدمة الركبتين نتيجة لمقاومته عند تنفيذ حكم الإعدام..

وكان آخر ما نطق به:

-مظلوم..
ثم نطق الشهادتين.. واستمر نبضه لمدة ثلاث دقائق.. وظل معلقا لمدة نصف ساعة.

ثم جاءوا بمحمد عبدالعال...

وكان رابط الجأش صلب العود وعند قراءة الحكم عليه قال:
-صلٍّ على النبي.. أنا قتلت 7 مش 17 !

وكان الثاني بعد ريا الذي زاد وزنه زيادة ملحوظة في السجن، إذ ارتفع من 67 إلى 74 وقال الأورنيك رقم 169 إنه كان عند التنفيذ جريئا جدا ورابط الجأش وبحالته الطبيعية.. وكان آخر ما قاله قبل النطق بالشهادتين:
-كتف ..شد حيلك.
واستمر نبضه خمس دقائق.. وظل معلقا لمدة نصف ساعة.

وكان الثالث.. "عرابي حسان"
يروي مندوب الأهرام" أنه أكثر من التبرؤ من الجرم وقال إنه سيلقى ربه طاهر اليدين.. وكان طبقا لما ورد في الأورنيك 169 الخاص به خائر القوى وكان آخر ما طلبه شربة ماء، وآخر ما قاله قبل أن ينطق الشهادتين هو:
-مظلوم..
واستمر نبضه لمدة دقيقتين..

وظل معلقا على حبل المشنقة لمدة نصف ساعة ..

ماذا بعد إعدام عصابة ريا وسكينة؟

وبذلك قد تبين مدى الاختلاف في ردود الأفعال لكل فرد من تلك العصابة التي دخلت التاريخ ولكن في صفحات المجرمين والقتلة الذين نزع من قلوبهم الرحمة، فلقد كانت عمليات قتل الضحايا تتم بكل خسة ووضاعة وكانت عمليات الدفن نموذجا على مدى الخسة وموات القلب وبلادة الحس التي قد يصل إليها الإنسان عند اعتياده على مثل هذه الأنواع من الجرائم.

ويصف صلاح عيسى في كتابه "رجال ريا و سكينة" رد فعل الأهالي بعد إعدامهم قائلًا:

"في اليوم الأول لتنفيذ أحكام الإعدام أحاطت بالسجن مجموعة من نساء المنطقة بحي اللبان، يهتفن ويزغردن.. وكانت إحداهن تغني "خمارة يا أم بابين .. وديتي السكارى فين؟"، والباقيات يرددن المطلع خلفها.. وعندما خرج المحافظ، بعد انتهاء التنفيذ هتفن : عاش اللي شنق ريا ..عاش اللي شنق سكينة".

"وفي اليوم الثاني فقد احتشد أمام باب السجن في الساعات الأولى من الصباح، وأثناء تنفيذ الحكم، عدد كبير من النسوة، من أقارب عبد الرازق وعرابي وعبد العال وكن يصرخن ويولولن، ويلطمن خدودهن في جنون".

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2