المعركة لم تنته بعد.. فصل جديد من المخطط الشيطاني

تتلاحق الأحداث وترتفع وتيرتها إلى مستوى متقدم ويظل الهدف واضحًا رغم محاولات قوى الشر إظهار أنها بعيدة تمامًا عن ذلك.

ورغم تسارع وتلاحق الأحداث فى الأراضي المحتلة وتضامننا جميعًا مع الأشقاء الفلسطينيين حتى يحصلوا على حقهم فى إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، كما نواصل دعمنا لهم ضد حرب الإبادة التي يمارسها العدو الإسرائيلي؛ إلا أننا لا نستطيع أن نتغافل حجم المعركة الدائرة حاليًا المستهدفة للجائزة الكبرى وهي الدولة المصرية.

فما يحدث داخل الأراضي المحتلة من عمليات عسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين لهي جريمة حرب تجري تحت سمع وبصر العالم الذي فقد الحاستين.

لكن علينا أن ندرك الهدف الحقيقي مما يجري فى الأرض المحتلة، إنها محاولة خبيثة ضمن رؤية شيطانية لا تزال تواصل تحركها رغم كشفها للعلن، بل إعلان الدولة المصرية ممثلة فى رئيسها وقائدها الأعلى الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر لن تقبل المساس بسيادتها وترابها الوطني ولن يتم التنازل عن حبة رمل واحدة من سيناء، كما أنها لن تقبل ولا توافق على تصفية القضية الفلسطينية من خلال مخطط التهجير الشيطاني، وأتبع ذلك تأكيدات الأشقاء الفلسطينيين بأنهم لن يتركوا أرض فلسطين، مهما حدث فقد تعلموا الدرس جيدًا من 1948 ولن يسمحوا بتكراره.

كما أن خروج ملايين المصريين إلى الشوارع الجمعة قبل الماضية لإعلان رفضهم مخطط التهجير للفلسطينيين وتضامنهم مع الأشقاء فى قطاع غزة فى مواجهة المخطط، وتفويضهم للرئيس السيسي لاتخاذ ما يلزم للحفاظ على الأمن القومي المصري، لكن يبدو أن تلك الرسائل جميعها لم تثنِ قوى الشر عن الاستمرار فى مخططها باستهداف الدولة المصرية.

(1)

فى الثالث عشر من أكتوبر الماضي كشفت وثيقة لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية بعنوان «خيارات التوجيه السياسي للسكان المدنيين فى قطاع غزة» عن تغيرات فى المخطط الشيطاني، وهو ما سبق أن أكدت عليه فى مقال سابق قبل أسبوعين، محذرًا من أن مخطط التهجير الإسرائيلي للفلسطينيين خارج أراضيهم والذي بدأ منذ عام 1948 ولا يزال يتواصل لتنفيذه على الأرض، قد بدأ يأخذ شكلاً آخر وفق الأحداث والأوراق الإسرائيلية التي يبدو أن عملية طرحها للعلن تحمل مجموعة من الأهداف، الأول التعرف على مدى تقبل الشعوب العربية لهذا المخطط خاصة الشعب الفلسطيني، والشعب المصري بالتحديد.

الهدف الثاني، التعرف على رد فعل المجتمع الدولي، حال تنفيذ المخطط باختبار رد الفعل على ما يكشف منه.

الهدف الثالث، التحرك نحو تنفيذ جزء من المخطط وتقييم الوضع مع الأخذ فى الاعتبار أن نجاح إسرائيل فى تجييش المجتمع الدولي لمساندتها فيما تقوم به من انتهاكات ومجازر ضد المدنيين العزل تحت زعم أنها تدافع عن نفسها ضد عناصر حركة حماس.

وقد جاء المخطط الجديد والذي حمل ثلاثة خيارات فى أكثر من 3000 كلمة ليحمل فى طياته تفاصيل تنفيذ كل من الخيارات الثلاثة وتوافقه مع الشرعية الدولية (المستباحة من قبل إسرائيل ومعاونيها من الغرب)، وكذا سير العمليات لتنفيذ المخطط، بالإضافة إلى الدول الداعمة والممولة لعملية التنفيذ.

الورقة الإسرائيلية وإن استهدفت قطاع غزة الآن لكنه مسار سيتبعه بعد ذلك عملية تهجير لسكان الضفة الغربية.

إنها أكبر عملية تصفية للقضية الفلسطينية تحت سمع وبصر المجتمع الدولي والقوى الدولية المتشدقة بحقوق الإنسان.

لكن دعونا نتوقف عند تفاصيل ما جاء فى تلك الوثيقة الإسرائيلية والتي تدلل تفاصيلها على أن الهدف تصفية القضية على حساب دول الجوار، وهو ما حذر منه الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أن مصر لن تقبل أبدًا بـ تصفية القضية الفلسطينية كما أنها لن تقبل المساس بالأمن القومي المصري أو المساس بحدودها أو أي شبر من أراضيها.

لقد تصدرت الوثيقة الإسرائيلية مقدمة عُرفت بالتلخيص الإداري للمشروع، كشفت أن الهدف هو التخلص من سكان القطاع مع عدم السماح لهم بالعودة مرة أخرى.

ووضعت مجموعة من الافتراضات الأساسية للعمل فى أي خيار، جاء نصها:

أــ القضاء على سلطة حركة «حماس».

ب ــ إخلاء السكان خارج منطقة القتال، هو فى مصلحة السكان المدنيين من قطاع غزة.

ج - المطلوب هو تخطيط وتفعيل المساعدة الدولية بحيث تصل إلى المنطقة، وفقًا للخيار الذي يتم اعتماده.

د- من الضروري، فى أي خيار، القيام بإجراء عميق لاستيعاب التغيير الإيديولوجي المرغوب فى القطاع بما يماثل إجراء نزع النازية (De-Nazification).

هـ - يجب أن يدعم التوجه الذي سيجري اختياره الهدف السياسي المتعلق بشأن مستقبل القطاع، والصورة النهائية للحرب.

سنقوم، من خلال هذه الوثيقة بعرض ثلاثة خيارات محتملة يمكن تبنيها كتوجيه من جانب المستوى السياسي فى إسرائيل، فيما يتعلق بمستقبل السكان المدنيين فى قطاع غزة، وقد تمت دراسة التوجيهات فى ضوء العوامل التالية:

من الناحية العملياتية: القدرة على تطبيقها.

من الناحية الشرعية: دولية/ داخلية / قانونية.

من ناحية القدرة على إحداث تغيير إيديولوجي وإدراكي فى أوساط السكان، بما يتعلق باليهود وإسرائيل.


التداعيات الاستراتيجية الواسعة.

(2)

لقد حملت الوثيقة ثلاثة خيارات تمت دراستها بحسب ما توهمت إسرائيل قدرتها على تنفيذه بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب هي:

الخيار الأول: بقاء السكان فى قطاع غزة، وإسناد الحكم إلى السلطة الفلسطينية.

الخيار الثاني: بقاء السكان فى قطاع غزة، واستحداث سلطة عربية محلية من أوساطهم.

الخيار الثالث: إجلاء السكان المدنيين من قطاع غزة إلى سيناء.

وبحسب الوثيقة فقد ذكرت أنه من خلال فحص معمّق للخيارات المذكورة، يمكننا استخلاص الرؤى التالية:

الخيار الثالث هو الخيار الذي سيحقق نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة الأمد بالنسبة إلى إسرائيل، وهو خيار قابل للتنفيذ.

هناك حاجة إلى تحلي المستوى السياسي بالصرامة فى مواجهة الضغط الدولي، مع التركيز على استقطاب الولايات المتحدة والدول المؤيدة ل إسرائيل لدعم هذه الخطوة.

كما كشفت الوثيقة عن خطة تنفيذ ما سبق من خلال بند عنونته بـ«التنفيذ العملياتي» حيث ستتم الدعوة إلى إخلاء السكان غير المتورطين فى الأعمال القتالية من ميادين القتال التي تتعرض فيها حركة «حماس» للهجوم. (وهو ما حدث بالفعل من خلال مطالبات جيش الاحتلال الإسرائيلي للأشقاء الفلسطينيين بإخلاء شمال القطاع والتوجه باتجاه الجنوب بزعم الحفاظ على أرواح المدنيين، رغم قصفه لهم فى جنوب القطاع).

فى المرحلة الأولى، يتم تنفيذ العمليات الجوية مع التركيز على شمالي القطاع، من أجل إفساح المجال أمام المناورة البرية فى المنطقة التي سيتم إخلاؤها، بحيث لا تتطلب قتالاً فى مناطق مكتظة بالسكان المدنيين.

تتمثل المرحلة الثانية بمناورة برية تهدف إلى احتلال الأرض بالتدريج، ابتداءً من الشمال وعلى امتداد الحدود [الشرقية] وصولاً إلى استكمال احتلال كل القطاع، وتطهير المخابئ تحت الأرض من مقاتلي حركة حماس.

مرحلة المناورة البرية المكثفة ستستغرق وقتًا أقل، إذا ما قورنت بالخيارين الأول والثاني، وهي بالتالي ستقلل من احتمالات المخاطرة بفتح الجبهة الشمالية، بالتوازي مع القتال فى قطاع غزة.

من المهم ترك المحاور المرورية باتجاه الجنوب مفتوحة، لإتاحة الفرصة لإخلاء السكان المدنيين باتجاه رفح.

هذا الفصل الجديد من المخطط الشيطاني لم يتوقف عند هذا الحد بل رسم مسارًا إضافيًا يستهدف تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى فى أوروبا والتي اختصت منها اليونان وإسبانيا بحسب الملحق الخاص بالوثيقة، وكندا وفق ما يسمى بالهجرة المسموح بها، وكذا دول إفريقية مثل تونس وليبيا والمغرب وتعهدت إسرائيل فى الوثيقة بتسهيل حصول الفلسطينيين على جنسيات تلك الدول من أجل تضييع القضية تمامًا.

كل ما سبق يكون مقابل حزمة من الحوافز الأمريكية والإسرائيلية تقدم لتلك الدول.

لتأتي الورقة فى نهايتها وترسم الخريطة الإعلامية المصاحبة لتنفيذ المقترح الشيطاني على النحو التالي:

«إطلاق حملات تروّج للبرنامج فى العالم الغربي، وتروّج للجهود المبذولة لحل الأزمة بصورة لا تحرّض ضد إسرائيل أو تشوّه سمعتها؛ حملات إعلانية مخصصة للدول غير المؤيدة لإسرائيل، يتم التركيز فيها على رسائل مساعدة الأخوة الفلسطينيين، وإعادة تأهيلهم، حتى لو تطلب ذلك استخدام لهجة التقريع، أو حتى لهجة مؤذية، موجهة إلى إسرائيل، ويجب أن يتم استخدام هذا الأسلوب مع السكان الذين لن يتقبلوا أي رسائل أُخرى.

إطلاق حملات إعلانية موجهة إلى سكان قطاع غزة أنفسهم، تدفعهم إلى الموافقة على المخطط: يجب أن تتمحور الرسائل حول فقدان الأرض، بمعنى أن يكون واضحًا لدى هؤلاء أنه ما من أمل أبدًا فى العودة إلى الأراضي التي ستقوم إسرائيل باحتلالها خلال الفترة المقبلة، بغض النظر عن صحة ذلك، ويجب أن تتمثل الرسالة بما يعني الجملة التالية: "لقد قضى الله بأن تخسروا هذه الأرض بسبب قيادة حركة حماس، ولا خيار أمامكم سوى الانتقال إلى موقع آخر، بمساعدة إخوانكم المسلمين".

لقد جاءت الورقة التي قدمتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية بعد 6 أيام من عملية طوفان الأقصى تكشف تفاصيل جديدة فى المخطط الشيطاني المدعوم من قوى الشر من أجل تفريغ القضية، لكن غاب عن واضعي تلك الورقة بما تحتويه من تفاصيل أخرى كاشفة لحجم المعركة التي تواجهها الدولة المصرية خلال الفترة الحالية وقدرتها على التصدي لها، لأنها لديها قيادة واعية بحجم المخطط الشيطاني وقادرة على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.

كما أنها تمتلك قوة رشيدة قادرة على حفظ أمن واستقرار الوطن.

فرغم حرص مقدم المقترح على بيان التفاصيل كاملة إلا أنه غاب عنه تمامًا أو خانه عقله وتقديره للموقف عندما طرح على متخذ القرار لديه بأن الخيار الثالث هو الأنسب.

ودعوني ألتمس له العذر لأنه يستقي معلوماته من عناصر مضللة، فقد ظن أن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر نتيجة الأحداث العالمية قد تجعل تنفيذ الأمر ممكنًا، وهو لم يكن قد شاهد بعد الملايين الهادرة فى شوارع مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، تهتف مساندة لأشقائها فى فلسطين رافعة شعار «لا لا للتهجير» معلنة تفويضها للرئيس السيسي باتخاذ ما يلزم من إجراءات للحفاظ على الأمن القومي المصري.

بل إنه لم يكن قد سمع بعد كلمة الرئيس السيسي أمام قمة القاهرة للسلام الدولية، والتي أكد فيها أنه لا تفريط فى حبة رمل واحدة من تراب الوطن، كما أن القضية الفلسطينية هي قضية القضايا للدولة المصرية ولن يتم السماح بتصفيتها نهائيًا وأن الأمن القومي المصري خط أحمر.

كما أن مقدم المقترح وإن كانت الاستخبارات الإسرائيلية يبدو أن من يقومون عليها يحتاجون إلى مراجعة أوراقهم بشكل أكثر دقة وكذا مقترحاتهم والتعلم من دروس التاريخ، حتى لا يضاف إلى تاريخهم يوم حزين آخر.

كما يبدو أن رسائل يومي 25 أكتوبر و31 أكتوبر لم تصلهم بعد وهو ما نتعرض له بالتفصيل فى العدد القادم.

أضف تعليق