وضع الخبراء العسكريون ثلاثة سيناريوهات محتملة لاجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والذى وصفوه بأنه لن يتعدى «توغل» ويرجع ذلك إلى عدة أسباب أولها استعداد المقاومة القابعة فى الأنفاق، ورسم الخطط والكمائن للدفاع عن غزة، وثانيها الحرص على حياة الأسرى التى أصبحت تشكل هاجسًا لإسرائيل، حيث اتهمت أسر الأسرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتقصيره فى حمايتهم، ومن جهة أخرى حرص قوات الاحتلال على تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية ممثلة فى الأنفاق فى المقام الأول ، كما أكد الخبراء أن العمليات العسكرية فى غزة سيكون لها تبعات خطيرة على إسرائيل في الداخل سواء على المستوى العسكرى أو الاقتصادى أو الاجتماعى.
استطلاع بالقوة
ويقول اللواء أ. ح نصر سالم، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، إن الهدف المعلن للعمليات العسكرية فى غزة هو القضاء على حماس أما الهدف غير المعلن فهو إلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية فى الشعب الفلسطيني، كما أن الهدف العسكرى هو تدمير أكبر قدر من البنية التحتية لدفاعات حماس.
وأكد سالم أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لن تقوم باجتياح برى فى غزة قبل تحقيق نسبة خسائر لا تقل عن 90% فى دفاعات حماس، وما تقوم به إسرائيل هى أعمال لصالح الاجتياح نطلق عليها اسم «استطلاع بالقوة» أي الدخول بالقوات للاستطلاع مع استكمال التوغل والاجتياح فى حال نجاحه فى تحقيق هدفه ومعنى أنه لم يقم باجتياح داخل غزة حتى الآن أنه لم يستطع الاستمرار.
وأضاف أن إسرائيل تقوم بضرب المدن لتدمير أنفاق حماس تحت المستشفيات، وبالتالى تظن إسرائيل أن ضرب تلك المدن ينتج عنه إلحاق أضرار بالبنية التحتية لحركة حماس.
صمت مخزٍ
ونبه إلى أن إسرائيل ستستمر فيما تقوم به من انتهاكات خاصة فى ظل التشجيع الأمريكي والأوروبي والصمت المخزى للعالم عن تلك الجرائم، ورغم ما تقوم به إسرائيل إلا أنها لم تستطع تحقيق أي نجاح يذكر على حماس ويمكن القول إن كل ما تقوم به هو بمثابة تفوق لحماس على إسرائيل خاصة فى ظل امتلاكها عددا كبيرا من الرهائن والأسرى، وأكد أنه فى حال تمكنت القوات الإسرائيلية من الاجتياح فإنها لن تبقى على الأسرى أو الرهائن وستلصق التهمة بحماس.
تداعيات اقتصادية
ومن جهة أخرى أكد سالم أن التداعيات الاقتصادية على إسرائيل خطيرة إلى أقصى درجة لكن الولايات المتحدة تمدها بكل ما تحتاجه وتعوضها عن أي خسائر، إلا أن الوضع الاقتصادى سيئ فى إسرائيل حيث توقفت المشاريع وتراجعت رءوس الأموال، بالإضافة إلى توقف دولاب العمل خاصة بعد استدعاء إسرائيل 300 ألف جندى وهو الأمر الذى سيؤثر بالسلب على الاقتصاد الإسرائيلي، أما اجتماعيا فستزيد الدعوة إلى الهجرة خاصة من يهود أوروبا الذين يسعون إلى العيش فى رفاهية لا وسط حروب وتهديدات.
حرب خاصة
ومن جهته يقول اللواء دكتور محمد الغباري، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، دائما الإعلام ما يحاول تسمية الحرب وفقا للوضع فهناك حرب تقليدية وحرب عصابات وحرب جبال إلا أن ما نشاهده فى غزة هى حرب خاصة لأن مسرح العمليات على الأراضي الفلسطينية مختلف خاصة أن هناك مقاومة قامت بتحضير كمائنها وأسلحتها، لذا تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلية التقليل من خسائرها وألا تقوم بعمل متهور غير محسوب قد يتسبب فى موت الأسرى والرهائن، خاصة أن فى تلك المرحلة الأسرى هم مفتاح حل القضية فلو مات الأسرى معنى هذا أن الجانب الإسرائيلي لم يحقق هدفه وحياة الأسرى أحد أهدافه.
سلاح الأسرى
وأضاف الغبارى أن وجود أسرى فى يد حماس يفرض على إسرائيل الحكمة فى التدخل والاجتياح والحذر، فلن يدخل أي مكان إلا إذا كان متأكد أن هناك أسرى يمكن إنقاذهم، ومن هنا توزعت تدخلاته على الأرض طبقا لمعلوماته عن أماكن وجود الأسرى فمعنى توغله فى غزة جنوبا يعنى حصوله على معلومات عن الأسرى موجودين فى تلك المنطقة طبقا لتحركات حماس.
وضع معقد
وأكد أن الوضع الداخلى فى إسرائيل سواء على المستوى العسكرى أو الاقتصادى أو الاجتماعى سيئ فمعنى استدعاء إسرائيل لـ300 ألف جندى أي أن 300 ألف وظيفة توقفت عن الإنتاج، بالإضافة إلى أن إسرائيل تنفق على تلك الحرب ربع مليار دولار يوميًا وهى تكلفة باهظة تسببت فى توقف الاقتصاد، فضلا عن إيقاف السياحة ونشطت حركات التهجير العكسي من إسرائيل، حيث تم إيقاف مطار «بن جوريون» مرتين إذًا يعانى الاحتلال الإسرائيلي من مشاكل داخلية معقدة.
الكل خاسر
ويقول إن سيناريو إسرائيل هو رفع وتيرة العمليات العسكرية تجاه غزة، وهى بذلك تعمل على إطالة أمد الحرب حتى تتمكن من تنفيذ مخططها الذى فشلت فى تحقيقه حتى الآن، إلا أنه فى الحقيقة فإن الجانب الإسرائيلي والفلسطينى خاسرون باستمرار تلك الحرب، فالحرب مدمرة اقتصاديا ومكلفة ماديا ومدمرة لكل جوانب الحياة فالدولة الحكيمة هى التى تتجنب الحرب.
وأضاف أن الغرب لن يتحرك إلا إذا تعرضت مصالحه للتهديد أو تأثرت والتأثير الوحيد هو خفض إنتاج الطاقة فالقضية الفلسطينية قضية الفرص الضائعة.
توغل وليس اجتياحًا
وفى نفس السياق يقول اللواء محمد الشهاوى، الخبير الاستراتيجي والعسكري وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن إسرائيل دائما ما تهدد بالاجتياح البرى ضد قطاع غزة لكن ما تقوم به يطلق عليه توغل وليس اجتياحًا، فهى تريد أن تكسر حاجز الخوف بين الجندى الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، حيث يتوغلون لمسافة 2كم ثم يرتدون ثم يعودون مرة ثانية لأنهم يخشون من هذا الاجتياح لأن الحرب فى المدن مقبرة الجيوش، فهم يخشون من تكرار سيناريو 7 أكتوبر من قتل عدد غير مسبوق من الإسرائيليين وأسر أكثر من 200 أسير، لذا يمكن أن نقول إن ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي هو لتهدأة الوضع الداخلي.
3 سيناريوهات
وأضاف الشهاوى أن هناك 3 سيناريوهات للاجتياح البرى للقوات الإسرائيلية فى غزة الأول أنه فى حال الاجتياح البرى ستتدخل أطراف إقليمية مثل حزب الله وإيران، والحرب مع حزب الله مختلفة عن الحرب مع حماس لأن حزب الله يمتلك 150 ألف صاروخ، بالإضافة إلى الصواريخ البالستية التي من الممكن أن تصيب أهداف القوة المضادة الإسرائيلية مثل القواعد العسكرية التى بها أسلحة الدمار الشامل، مثل ديمونة وبلحميم وغيرها وبالتالى فهى تؤجل الاجتياح وتتعلل بالضباب والظروف الجوية وهو فى إطار الحرب النفسية وفى إطار ما يسمى بالأرض المحروقة للضغط على المقاومة الفلسطينية للإفراج عن الأسرى الموجودين لديهم، إلا أن إسرائيل لديها مخاوف من تكبد خسائر كبيرة خاصة أن قوات المقاومة استعدت دفاعيا من خلال خطة الأنفاق التى تصل إلى 500 كم تحت الأرض من خلال نصب كمائن وقناصة.
وأكد الخبير الاستراتيجي والعسكري أن الهدف الرئيسي ل إسرائيل تدمير المنازل من خلال استخدم قنابل تستطيع اختراق التحصينات وتصل إلى الأنفاق، فالهدف الضغط عسكريا على حماس والضغط على المدنيين من خلال سياسة التجويع حتى يتم تهجيرهم إلى سيناء.
أما السيناريو الثانى فهو أن تنجح إسرائيل فى تحييد حركة المقاومة الفلسطينية إلا أن الأمر صعب، والسيناريو الثالث أن تتدخل أطراف إقليمية مثل حزب الله الذى لديه قوة كبيرة ووحدة النخبة وعناصر ذات كفاءة قتالية تستطيع إلحاق أضرار بالجانب الإسرائيلي.
وأضاف أما السيناريو الذى نتمناه فهو أن تتجه إسرائيل إلى الحل السلمى والدبلوماسى بالتهدئة وحل الدولتين والإفراج عن المعتقلين لديها وبالتالى الإفراج عن الأسرى لدى حماس.
انهيار كامل
وأشار إلى أن إسرائيل قامت بتجنيد 330 ألف جندى فهى لن تتحمل حربًا طويلة نظرا للتأثير السلبى على الاقتصاد والذى انعكس على انهيار العملة وعلى توقف المشروعات وهروب الاستثمارات، بالإضافة إلى توقف هجرة اليهود إلى إسرائيل بل عودة يهود أوروبا إلى أوطانهم.