وثيقة تاريخية تثبت وعد نابليون لليهود بوطن قومي قبل وعد بلفور

وثيقة تاريخية تثبت وعد نابليون لليهود بوطن قومي قبل وعد بلفورنابليون بونابرت

عرب وعالم15-11-2023 | 20:00

لم يكن الصراع العربي الإسرائيلي وليدا لتلك اللحظة ولا لذلك القرن، ولكنه صراع طويل وممتد ترجع جذوره لمئات السنين، وبدأ في الظهور على سطح الأحداث بداية من القرن التاسع عشر.

القرن التاسع عشر .. قرن انهيار الإمبراطوريات

يقول الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه "المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل الجزء الأول"، طوال القرن التاسع عشر، هذا القرن الأكبر والأخطر من كل ما سبقه في التاريخ كان العالم مشغولا - بجانب الاختراقات الكبرى في العلوم الطبيعية والإنسانية- بأربع قضايا محددة استحوذت على اهتمامه وتنازعته فيما بينها:

1-ظاهرة الوطنية، والتي برزت نتيجة للثورة الفرنسية ودفعت شعوب الأرض إلى البحث عن هويتها وحقها في تقرير مصيرها وطلب الحرية والنهوض الاجتماعي.

2-ظاهرة التسابق إلى المستعمرات والتنافس عليها بين القوى الأوروبية.

3-المسألة الشرقية، وقد تمثلت بالدرجة الأولى في عملية التربص بإرث الخلافة العثمانية التي كانت إمبراطورية شاسعة تمركزت في قلب العالم من شواطيء بحر قزوين إلى شواطيء المحيط الأطلسي.

4-المسألة اليهودية، وهي قضية ديانة توزع أتباعها في أنحاء الأرض ثم إنهم كانوا هدف عداء استفحل خصوصا حول مواضع كثافة التواجد اليهودي في شرق أوروبا وروسيا ووقتها كان 90% من يهود العالم "وعددهم الإجمالي 12 مليونا " يعيشون على تخوم ما بين روسيا وبولندا ، ويتعرضون بين الحين والآخر لغارات دموية تولدها احتكاكات دينية واجتماعية وفكرية اشتهرت باسم "Pogrom" وهي كلمة روسية الأصل تعني "التدمير المنظم لطبقة أو لجماعة" وقد التصق استعمالها بتاريخ اليهود في شرق أوروبا، وأصبحت من أشهر الكلمات ترددا في الصحف العالمية طوال القرن التاسع عشر عندما تكررت مذابح اليهود في روسيا وبولندا.

نابليون بونابرت .. ذو الألف وجه

كان "نابليون بونابرت" نجم القرن الثامن والتاسع عشر بامتياز نظرا لانتصاراته التي حققها وأبهرت العالم وفتحت صفحة جديدة في تاريخ الاستراتيجية العسكرية في العالم، وكان هو المبادر إلى ربط تلك العناصر الأربعة: الوطنية ، والسباق الاستعماري، والمسألة الشرقية، والمسألة اليهودية.

وقد ركز أخيرا على "المسألة اليهودية"، كان "نابليون" يمتلك ورقتين للعب بهما بدهاء وخبث.

الورقة الاولى : وهي الورقة الإسلامية.

الورقة الثانية : وهي الورقة اليهودية.

بالنسبة للورقة الأولى فلقد استخدمها خير استخدام عند غزوه لمصر أثناء الحملة الفرنسية على مصر من خلال ادعاؤه أنه صديق حميم، لخليفة المسلمين العثماني ووصل الأمر إلى حد ادعاءه بالدخول في الإسلام وحضور الشعائر والمناسبات الدينية الإسلامية توددا وتزلفا للمصريين.

وبالنسبة للورقة الثانية وهي"الورقة اليهودية"، فقد بدأ استخدامها عند زحفه من مصر إلى الشام داخلا من فلسطين وقد توقف أمام أسوار القدس وعكا ويافا، وهنا يستكمل هيكل قائلا: "وكانت ورقة "نابليون" اليهودية التي أظهرها أمام أسوار القدس نداء إلى يهود العالم، لم يوزع في فلسطين وحدها وإنما جرى توزيعه في الوقت نفسه في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وحتى أسبانيا، الامر الذي يشير إلى أن القضية أكبر وأوسع من ظرف محلي واجهه نابليون حينما استعصت عليه أسوار القدس".

وكان نداء "نابليون" إلى يهود العالم على شكل وثيقة تاريخية على النحو التالي:

"من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين.

أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط.

إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين وإن كانت وإن لم تكن لهم مقدرة الأنبياء مثل اشعياء ويوئيل قد أدركوا ما تنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله -" كلمة إسرائيل في اللغة العبرية تعني أسير الله أو عبد الله" – سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون ، وسوف تعمهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم دون خوف.

انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه إن أمامكم حربا مهولة يخوضها شعبكم بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسم بينهم حسب أهواؤهم.. لابد من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نير العبودية، وذلك الخزي الذي شل إرادتكم لألفي سنة إن الظروف لم تكن تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم بالقسر على التخلي عن حقكم ، ولهذا فإن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات وبالرغم من شواهد اليأس والعجز.

إن الجيش الذي لأرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل وراءه قد اختار القدس مقرا لقيداته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي استهانت طويلا بمدينة داود وأذلتها .

يا ورثة فلسطين الشرعيين..

إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء .

انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرقا لأسبرطة وروما، وأن معاملة العبيد التي طالت ألفي سنة لم تفلح في قتل هذه الشجاعة.

سارعوا إن هذه اللحظة المناسبة التي قد لا تكرر لآلاف السنين للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم وحقكم الطبيعي المطلق في عبادة إلهكم يهواه طبقا لعقيدتكم وافعلوا ذلك في العلن وافعلوه إلى الأبد". بونابرت

إسرائيل.. الحلم الصهيوني يتحقق أخيرا

والغريب أنه بالرغم من أن نابليون لم يكن يهوديا ولا كان مواليا لليهود إلا أنه استخدم تلك الورقة بذكاء وخبث، بالرغم من أن اليهود في فلسطين في ذلك الوقت لم يزد عددهم على ألفين منهم "135 في القدس" وهؤلاء ليس في مقدورهم أن ينصروه ولا أن يعتمد عليهم ولكنه بحسه الاستعماري كان يريد استخدامهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية في المنطقة وفعلتها بعده بريطانيا بوعد بلفور، ولم يعش "نابليون" حتى يرى الحلم الصهيوني وهو يتحقق أخيرا على أشلاء الفلسطينيين بعد ما يقرب من قرن ونصف على هذا الوعد الفرنسي.

أضف تعليق