وفاة ضمير العالم.. وحرب الأكاذيب

ما زلت على يقين أن الحرب لم تصل بعد إلى معركتها الفاصلة، فتطورات الأوضاع وسخونتها وتسارع الأحداث لم تصل بنا إلى المعركة الأخيرة فالحرب لم تنتهِ بعد، ومع اشتداد المعارك يعتقد البعض أن ما يجري هو المعركة الفاصلة الأمر الذي يُغاير الحقيقة، فما يحدث ليس سوى سيناريو من السيناريوهات المُختارة والمحددة سلفًا، وهو ما تؤكده الوقائع والأحداث وما تكشفه الوثائق بين الحين والآخر تدلل على أن المستهدف للمنطقة لا يمكن الحيد عنه من جانب قوى الشر، لكن تظل مقاومة الشعوب وصلابتها فى مواجهة ذلك هي حجر العثرة أمام تلك التحركات، كما أن قدرة الشعوب على تحمل نتائج وتبعات تلك المعارك هو ما يَحُول دون تنفيذ المخطط الشيطاني للمنطقة.

قبل أكثر من 20 عامًا وبالتحديد فى 5 من فبراير 2003 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم حزمة من المزاعم والأكاذيب روّجتها الإدارة الأمريكية إلى العالم، وقام بعرضها وزير خارجيتها فى ذلك الوقت (كولن بول) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على مباركتها لغزو العراق؛ وبمزاعم سطّرها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الابن، قائلاً: «إننا نعلم أن العراق فى أواخر التسعينيات كان لديه عدة معامل متحركة للأسلحة البيولوجية» صور قُدمت على أنها صور للأقمار الاصطناعية التقطتها واشنطن لأسلحة الدمار الشامل العراقية (البيولوجية والكيميائية) لكنها فى الحقيقة لم تكن سوى وهم وأكاذيب.

أكاذيب استمرت لأكثر من 17 عامًا دمرت خلالها واشنطن العراق ولم تتركه إلا وهو يعاني من عدم الاستقرار والأوضاع الاقتصادية المتردية.

بعد كل تلك المدة لم تقدم القوات الأمريكية ومعاونوها من بريطانيا وأستراليا وغيرها من قوات التحالف ما يثبت مزاعم الإدارة الأمريكية من وجود أسلحة دمار شامل بالعراق، بل زرعت الإدارة الأمريكية فى المنطقة خلال تلك الفترة أسلحة دمار شامل حقيقية، وهي التنظيمات الإرهابية التي باتت تستهدف أمن واستقرار الدول.

(1)

فلم تكن العراق هي الهدف الوحيد فقد كان الهدف ولا يزال هو الدولة المصرية، والتى لم تفلح قوى الشر فى تنفيذ مخططها بشأنها نظرًا لوجود قائد حكيم وواعٍ وشعب مدرك لحجم المخاطر والتهديدات والتحديات يصطف خلف قيادته من أجل حماية الوطن، وفى كل مرة تتحطم أحلام قوى الشر عندما تتحرك موجهة سيناريو جديدًا لإدخال الدولة المصرية فيه، لتجد نفسها أمام قوة تحطم كل مخططات قوى الشر فى المنطقة وتجعلها تعود خالية الوفاض.

لكن قوى الشر لا تكل بل تواصل التحرك مما يتطلب منا جميعًا اليقظة دائمًا.

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني (حرب الإبادة الجماعية) والتي تجري تحت سمع وبصر المجتمع الدولي المتشدق دائمًا بحقوق الإنسان والحديث عن السلام، ومواجهة الدولة المصرية وتحركاتها الدولية المتواصلة لوقف عدوان المحتل الغاشم على الشعب الفلسطيني؛ نجد أن الدولة المصرية تواجه سيلاً من الأكاذيب تحملها وسائل إعلام غربية وعبرية محاولة جر مصر إلى المعركة.

خلال الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم السبت 11 نوفمبر الجاري ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» فى تقرير لها أعده 4 صحفيين، اثنان فى واشنطن وأحدهم فى لندن وأخرى فى فلسطين وهم «William Booth, Judith Sudilovsky, Ellen Nakashima and Alex Horton».

جاء عنوان التقرير «ضربات حماس المضادة للدبابات تظهر عمق الترسانة القوية التي تواجه إسرائيل»، حاول مقدمو التقرير الصحفي التحرك باتجاه أهداف مرسومة مسبقًا للوصول إليها وهو الدفع نحو اتهام عدد من الدول بمسئوليتها عن الدعم العسكري لحركة حماس وتوفير الأسلحة لها، وهو نهج لا يقل خبثًا عما فعلته واشنطن عندما قدمت للعالم صورًا زائفة عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، الأمر الذي استوجب غزو العراق تحت مسمى التحرير والذي صدر به قانون من الولايات المتحدة فى الأول من أكتوبر 1998 أي قبل الغزو بـ 4 سنوات.

أعود إلى التقرير المسموم الذي حمل بين طياته العديد من الأكاذيب والمعلومات غير الدقيقة فى محاولة لصيد عصفورين بحجر واحد؛ الأول الحديث عن ترسانة قوية تمتلكها المقاومة وهو ما يستوجب مزيدًا من الدعم لإسرائيل فى حربها ضد الفلسطينيين، الأمر الثاني هو توجيه اتهامات لعدد من الدول فى محاولة إما لتحييدها أو الدفع بها باتجاه الصراع.

ففي التقرير الذي تجاوز عدد كلماته 1390 كلمة وهو من التقارير الصحفية القليلة التي تحظى بهذه المساحة من النشر، حرصت الـ «واشنطن بوست» على الترويج لدعم عدد من الدول لترسانة التسليح الخاصة بحماس المضادة للدبابات بحسب وصفها، فى حين أن الواقع للمُتابع المدقق والمتخصص يجد أن ما تمتلكه حماس هي أسلحة فردية خفيفة، كما أن الصواريخ والقذائف محلية الصنع وقد نشر فيديو كامل لتصنيع الصواريخ لدى المقاومة.

لكن على ما يبدو أن محرري التقرير وبحسب توجيهات حددت لهم المسار اتهموا كلاً من إيران وكوريا الشمالية بأنهم وراء تصنيع أسلحة المقاومة، بالإضافة لعدد من الدول الأخرى خاصة التي تشهد اضطرابات ومنها العراق وسوريا وليبيا والسودان وأن تلك الأسلحة وصلت إلى حماس عبر الأنفاق.

(2)

لقد اعتمد محررو التقرير على تحليلات «مايكل ميلشتين»، الرئيس السابق للإدارة الفلسطينية فى الجيش الإسرائيلي، و«آفـي ميلاميد»، وهو مسئول سابق فى المخابرات الإسرائيلية.

ثم سرعان ما انتقل المحللون الذين تمت الاستعانة بهم لنشر رواية حول أن الأسلحة التي حصلت عليها المقاومة جاءت عبر الأنفاق أو فى الشاحنات التي تمر عبر معبر رفح.

وتناسى مقدمو التقرير أن معبر رفح هو معبر مخصص للأفراد والمعبر المخصص لعبور الشاحنات للأراضي المحتلة هو معبر كرم أبو سالم وهو تحت سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وقد تجاهلت الصحيفة فى تقريرها قضايا الفساد فى الجيش الإسرائيلي والتي على أثرها تم محاكمة عدد من الضباط فى الجيش الإسرائيلي بتهم بيع الأسلحة منها ما حصلت عليه المقاومة.

ففي العاشر من يوليو 2023 اعتقلت الشرطة الإسرائيلية ضابطًا من الجيش الإسرائيلي برتبة رائد من وحدة النخبة، وهو من سكان قرية ساجور الدرزية فى الجليل، ووفق مصادر الشرطة، يبلغ الضابط من العمر 44 عامًا، ويخدم فى الجبهة الداخلية، وتشتبه الشرطة فى أنه سرق أسلحة عدة قواعد عسكرية إسرائيلية خدم فيها.

وأشارت تفاصيل التحقيق التي بدأتها النيابة العسكرية والنيابة العامة فى لواء حيفا، بتورط الضابط فى سرقة السلاح والذخيرة العسكرية، خصوصًا البنادق من نوع «M-16».

فى عام 2022، هناك عمليتان منفردتان لقاعدتين عسكريتين إسرائيليتين تم سرقة 100 ألف رصاصة، بالإضافة إلى أسلحة مختلفة.

وكشف موقع (WALLA) الإخباري - العبري، عن أن قواعد الجيش الإسرائيلي على طول الكيان وعرضه باتت المُزوِّد الرئيسي للأسلحة لكل من عصابات الإجرام الإسرائيلية و التنظيمات الفلسطينية المسلحة.

وفى تقرير صدر عن وزارة الأمن الإسرائيلية فى مطلع أيار (مايو) 2020 فسر ظاهرة تسريب السلاح، بأن 93% من ملفات التحقيق فى قضايا سرقة الأسلحة تم إغلاقها من قبل السلطات الإسرائيلية، 86% لعدم معرفة هوية المتهمين بالسرقة، التقرير غطى الفترة بين 2018 – 2020، أشار إلى تقديم لائحتي اتهام فقط من مجموع الملفات.

وفى نوفمبر 2022 تم سرقة 70 ألف رصاصة و70 قنبلة شديدة الانفجار من قاعدة «تسونوفر» فى هضبة الجولان.

فى العام الماضي أُعلن عن سرقة 482 بندقية و47 صاروخًا مضادًا للطائرات وعدد قليل من الألغام من الجيش الإسرائيلي على مدار العام.

اللواء «يتسحاق باريك»، الذي كان مفوض قبول الجنود فى جيش الدفاع الإسرائيلي، ذكر منذ فترة طويلة أن الجيش الإسرائيلي فقد القدرة على حماية نفسه، وليس فقط على القواعد فى الجنوب، بل فى جميع المخيمات فى إسرائيل.

كما تمت سرقة نحو 30 ألف رصاصة من مستودعات ذخيرة لواء «جفعاتي» فى منطقة سدي اليمن.

بحسب النتائج، تمت سرقة 20,790 طلقة من عيار 5.56، و690 طلقة من عيار 7.62 ماج، و8,740 طلقة من عيار 5.56 ماج، ولا تزال ملابسات السرقة قيد التحقيق من قبل الشرطة العسكرية الإسرائيلية.

كما كشفت صحيفة «هآرتس» عن سرقة صواريخ من طراز «جيل» المضادة للدبابات من قاعدة فى جبل الشيخ، كما سرقت آلاف الطلقات من مخزن تحت الأرض فى منطقة النبي موسى عام 2013. بالإضافة إلى 3000 قذيفة من قاعدة عسكرية فى الجنوب عام 2012.

كما سرقت آلاف الطلقات من مخزن تحت الأرض فى منطقة النبي موسى، بل تمت سرقة مركبات عسكرية متطورة بمعرفة ضباط فى الجيش الإسرائيلي.

كما تم اعتقال 25 جنديًا فى الجيش الإسرائيلي بتهمة سرقة قنابل يدوية وصواريخ من نوع «لاو» المضادة للدروع.

(3)

ما سبق هو جزء كان لا بد على محرري الموضوع بصحيفة الـ «واشنطن بوست» الالتفات إليه قبل توجيه أصابع الاتهام لدول بعينها، لكن من الواضح أن ما تم نشره كان جزءًا من سيناريو حرب الأكاذيب التي يحترفها الغرب فى كل قضاياه خاصة فى مساندة إسرائيل.

فمنذ عدة أيام نشرت مجلة «يسرائيل ديفينس» التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي تقريرًا متخمًا بالأكاذيب والمغالطات.

كما نشر موقع «بحدري حرديم» المحسوب على التيار الديني اليهودي المتشدد فى إسرائيل، أن معظم ترسانة «حماس» ضد إسرائيل جاءت من مصر، مستندًا على تقرير «واشنطن بوست» المتخم بالأكاذيب.

إن محاولات الحديث عن تهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية هي أشبه بالحديث الأمريكي عن أسلحة الدمار الشامل المكذوبة فى العراق، ومحاولة من جانب إسرائيل والإعلام الداعم لقوات الاحتلال لكسب مزيد من الدعم الغربي المتواصل للآلة العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، واستهداف المستشفيات والمنازل والمساجد والتي كان آخرها قصف محيط المستشفى الميداني الأردني فى الضفة الغربية.

فى الوقت الذي يعجز فيه مجلس الأمن عن إصدار قرار بوقف إطلاق النار بسبب الدعم الغربي لإسرائيل.

إن ما يحدث فى الأراضي الفلسطينية المحتلة هو بمثابة إعلان وفاة لضمير العالم ويؤكد أن المنظمات والهيئات الدولية غير قادرة على إحلال السلام بشكل حقيقي فى العالم الأمر الذي يتطلب إصلاحها.

لقد شهدت الفترة الماضية سيلاً من التصريحات لمسئولين إسرائيليين حول تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، رغم تأكيد الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية أنهم لن يتركوا أرضهم مهما كلفهم ذلك من تضحيات، وأن الخطأ الذي حدث فى 48 لن يتكرر مرة أخرى.

لكن على ما يبدو أن العالم لم يعد يرى أو يسمع بعد أن مات ضميره وأصبح يتحرك وفوق معطيات حرب تديرها الأكاذيب سابقة التجهيز.

فالحرب التي بدأت منذ 43 يومًا فى الأراضي الفلسطينية المحتلة بلغ عدد الشهداء فيها من الفلسطينيين 11500 شهيد وعدد المصابين 29 ألف مصاب، تؤكد وفاة الضمير العالمي والغياب الكامل لحقوق الإنسان وسقوط القانون الدولي.

أضف تعليق