بين القاهرة وفلسطين مسافة السكة

الخميس الماضي ومن قلب القاهرة تحركت قافلة جديدة من قوافل الدعم والمساندة للأشقاء فى الأراضي المحتلة، فقد اصطف المصريون خلف قيادتهم تحت شعار «تحيا مصر.. تحيا فلسطين» من أجل دعم القضية المركزية للدولة المصرية (قضية القضايا) القضية الفلسطينية.
جاء تحرك التحالف الوطني للعمل الأهلي والذي منذ اللحظة الأولى للأزمة وهو يواصل تحركه وتقديم المساعدات للأشقاء الفلسطينيين وقوافل الدعم لا تتوقف، هذا المشهد الذي تابعناه جميعًا الخميس الماضي، يدل على حجم اصطفاف الشعب المصري خلف قيادته وثقته فى المسارات التي حددتها القيادة السياسية لإيجاد حل للأزمة.

لقد بلغ حجم القافلة الحالية والتي تعد الثالثة من بين القوافل التي قدمها تحالف العمل الأهلي التنموي للأشقاء الفلسطينيين أكثر من ٥٠٠ شاحنة جديدة، مُحملة بالأدوية والمواد الغذائية والملابس والأغطية بإجمالي وزن (8950) طنًا من المساعدات الموجهة لفلسطين من أرض ستاد القاهرة الدولي متوجهة لمعبر رفح لتسليمها للأشقاء الفلسطينيين، يأتي ذلك بمشاركة ما يزيد على 15 ألف متطوع مشارك من جميع محافظات الجمهورية.

كما بلغ حجم المساعدات التي قدمها التحالف فى القافلتين السابقتين 7825 طنًا من المساعدات.

إنه جزء مهم من الدور الذي تقوم به الدولة المصرية بشأن القضية الفلسطينية (الدعم)، فى الوقت الذي تتحرك فيه على المسارات الأخرى ومنها المسار الدبلوماسي، فلم تتوقف مصر لحظة واحدة منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن عن الاتصالات والتحركات والتشاور على المستوى الرئاسي والدبلوماسي، من خلال الاتصالات واللقاءات التي عقدها الرئيس عبد الفتاح السيسي وعلى رأسها قمة القاهرة للسلام، واللقاءات التي جاءت على هامش القمة العربية والإسلامية الطارئة، وكذا الزيارات واللقاءات التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري.
وتحركات الأجهزة المعنية وعلى رأسها المخابرات العامة المصرية التي حملت على عاتقها التواصل مع كل الأطراف فى الأراضى المحتلة، للوصول إلى اتفاق لوقف نزيف الدم الفلسطيني والوصول إلى هدنة شاملة يمكن من خلالها إيصال أكبر قدر من المساعدات إلى الأشقاء الفلسطينيين لتخفيف جزء من المعاناة عنهم.

حتى وصلنا إلى التهدئة التي أعلن عنها الخميس، وقبل مثول المجلة للطبع، عن بدء تنفيذها الجمعة حيث إنه سيتم الإفراج عن 13 محتجزًا بقطاع غزة من السيدات والأطفال الساعة 1600 (الرابعة عصرًا) يوم الجمعة
24 نوفمبر الجاري.

كما تتضمن الهدنة الإنسانية الإفراج عن 39 طفلاً وسيدة فلسطينية من السجون الإسرائيلية؛ ووقفًا كاملاً لإطلاق النار بشمال وجنوب قطاع غزة.
وتحرص مصر على مضاعفة كميات المساعدات الإنسانية والسولار وإدخال الغاز إلى قطاع غزة مع بدء سريان الهدنة.

(1)
إنه الدور الذي تقوم به مصر دائمًا باتجاه قضيتها المركزية لا تمنّ به على الأشقاء لأنها تراه واجبًا تحرص على أن تقوم به على أكمل وجه قيادة وشعبًا.

لقد استطاعت مصر خلال الفترة الماضية أن تكشف تقاطعات المشهد وتفاصيل المؤامرة للعالم وتوضح الصورة كاملة، الأمر الذي جعل المجتمع الدولي والشعوب الغربية تهتف منددة بجرائم إسرائيل ويحوّل دفّته من دعم متواصل لآلة الحرب الإسرائيلية لإبادة شعب بأكمله وتصفية قضيته، مستندا على قانون فصل عنصري (ابارتاهيد الإسرائيلي) الذي أقره الكنيست خلال الفترة الماضية.

إنه الدور الذي نجحت فيه الدبلوماسية المصرية لوقف آلة الحرب الهمجية والتصدي للمخطط الصهيوني لتهجير الشعب الفلسطيني خارج أراضيه.

إنه التحرك فى الوقت المناسب وبشكل حاسم وهو ما جاء فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال إطلاق القافلة الثالثة من قوافل الدعم للأشقاء الفلسطينيين، حيث بلغ حجم الدعم المصري أكثر من 80% من حجم الدعم الدولي والمساعدات بالكامل.

لقد حرصت الدولة المصرية على التحرك بقوة للوصول لحل سياسي للأزمة والعمل على وقف إطلاق النار، وهو أحد ثوابت السياسة الخارجية ومرتكزاتها المؤكدة دائمًا أن الحلول العسكرية دائمًا لن تكون ناجحة فى حل الأزمات، بل إن الحلول السياسية المستندة على ثوابت وإرادة قوية لدى متخذي القرار تكون الأكثر فاعلية وتأثيرًا ونجاحًا فى حل الأزمات والتوصل إلى حلول واقعية تحقق السلام والأمن والاستقرار الذي تبحث عنه الشعوب وتستهدفه.

فإذا كانت إسرائيل ترغب بشكل حقيقي فى تحقيق الأمن والاستقرار لشعبها كما يدّعي قادتها ومسئولو حكومتها، فإن المسار الذي استخدمته لن يؤدي إلى استقرار أو تحقيق أمن إسرائيل بل سيخلق حالة من عدم الأمن والاستقرار لأن الشعوب لا يمكن لها أن تنسى أو تتجاهل قضيتها أو تتنازل عن أراضيها، بل إن دماء الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني ستزيد من إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم مهما كلفهم الأمر من تضحيات، بل ستزيد من حجم العداء لإسرائيل وسيظل ما تقوم به دولة الاحتلال من عدوان يُلهب المشاعر وينمّي الغضب تجاه المحتل.

فالدفاع عن الأرض والتصدي للمحتل هو أمر مشروع وفق القانون الدولي الذي جرّم الاحتلال، وأكد رفضه لكل صوره وأشكاله.

لكن إسرائيل تستغل ما تقدمه من صورة زائفة تروجها للعالم حول تطورات الأوضاع لكسب تعاطفه، وهو ما كشفته العديد من الدول بعد كشف الإعلام للمشهد الحقيقي على أرض الواقع، واستعراض تفاصيل المجزرة التي ترقى إلى جريمة حرب مكتملة الأركان يُعرّض قادة إسرائيل للمحكمة، حتى وإن كانت الأخيرة ليست عضوًا فى المحكمة الجنائية الدولية.

فمن الممكن للمدعي العام الدولي للمحكمة اعتبار فلسطين دولة بعد توقيعها الميثاق، وبما يتيح لها التقدم بطلبات لمحاكمة شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فى غزة مثلاً وغيرها.
لقد استطاعت مصر أن تنجح كما نجحت من قبل خلال الفترة الماضية فى وقف العدوان على الأشقاء من أبناء الشعب الفلسطيني، عندما قررت مصر التدخل بالإعلان عن إعادة الإعمار بعد قيام إسرائيل بقصف القطاع فى مايو 2021، واستطاعت مصر التحرك واتخاذ خطوات وقفت على إثرها آلة الحرب الإسرائيلية عن تدمير القطاع.

وساند المجتمع الدولي القرار المصري لثقته فى رؤية مصر وحرصها على تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة.

لقد جاء تأكيد الرئيس الأمريكي خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع الرئيس السيسي، على أن واشنطن ترفض التهجير القسري للفلسطينيين نتاج ثقة فى أن مصر هي من تمتلك الحل بما لديها من اتصال مباشر بكل الأطراف، وتعاملها مع الأزمة بشكل واقعي، ورفضها الانحياز لطرف على حساب طرف إلا مع صاحب الحق لتحقق الأمن والاستقرار.

(2)
فمصر دائمًا ما تحذر من خطورة المنحنى الذي تسير عليه الأزمة فى الأراضي المحتلة.

ف القضية الفلسطينية تواجه منحنى شديد الخطورة والحساسية فى ظل تصعيد غير محسوب وغير إنساني.

وهو ما جاء على لسان الرئيس السيسي خلال كلمته والذي يعد بمثابة رسالة إلى العالم ليدرك حجم وخطورة إصرار الجانب الإسرائيلي على الاستمرار فى استخدامه للآلة العسكرية الطائشة التي لا تفرّق بين طفل وامرأة وشيخ، وانطلقت آلة القتل وأصبحت وصمة عار على جبين الإنسانية كلها مما أدى إلى وقوع أكثر من 13 ألف شهيد فلسطيني.

محذرًا من مغبة استمرار الضغط الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني للدفع به خارج أراضيه قائلاً، «لا تهجير للفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر وهذا خط أحمر بالنسبة لنا».

كما أن الموقف المصري الحاسم يرفض مخططات تهجير أشقائنا سواء من غزة أو الضفة حفاظًا على القضية الفلسطينية.

وأكد الرئيس السيسي أن غزة إذا تركها أهلها فلن يعودوا لها مرة أخرى، لذا فالتهجير بالنسبة لمصر خط أحمر ولن نقبل به أو نسمح به.

إنها رسالة حاسمة أرسلها الرئيس منذ بداية الأزمة وأكد عليها خلال المؤتمر الأخير باستاد القاهرة أنه لن تسمح مصر بتصفية القضية وتهجير الفلسطينيين، بل ستواصل دعمها للأشقاء للدفاع عن أرضهم ودولتهم المحتلة حتى يتم تحريرها.

(3)
لقد تحقق تعبير «مسافة السكة» والذي جاء انطلاقًا من المسئولية الوطنية للدولة المصرية ودورها المحوري فى الدفاع والمساندة الدائمة للقضايا العربية والحفاظ على الحقوق الفلسطينية.

لقد تذكرت وأنا أتابع مشهد خروج الشاحنات من قلب القاهرة المحمّلة بالمساعدات الإنسانية المقدمة من الشعب المصري تحت شعار «تحيا مصر.. تحيا فلسطين» عقب إعلان الرئيس انطلاق المرحلة الثالثة منها، الجملة التي قالها عمرو بن العاص ردًا على رسالة عمر بن الخطاب فى عام الرمادة، قائلاً: «لأرسلن لك قافلة أولها عندك وآخرها عندي» إنها مصر التي دائمًا لا تُوقفها التحديات عن القيام بدورها فى دعم ومساندة الأشقاء.

فالدولة المصرية استطاعت تنفيذ شعارها «مسافة السكة» فقد حرصت على وصول المساعدات خلال الفترة الماضية وتواصل الدفع بمزيد من القوافل، فالشاحنات التي خرجت من القاهرة مساء الخميس ستصل إلى معبر رفح مع بدء تنفيذ الهدنة لضمان وصول أكبر قدر من الدعم للأشقاء سواء من المساعدات الطبية والغذائية والملابس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انزل شارك القرار قرارك

أيام قليلة تفصلنا على بدء عملية الاقتراع للانتخابات الرئاسة 2024 حيث يقوم المصريون بالخارج فى التصويت على الانتخابات خلال أيام الأول والثاني والثالث من ديسمبر المقبل لتبدأ فى 10 ديسمبر ولمدة 3 أيام عملية التصويت فى الداخل.

الانتخابات هذا العام تأتي فى ظل مجموعة من التحديات تضرب المنطقة وتؤثر بطبيعة الحال على الدولة المصرية، وهنا لابد أن ندرك أهمية المشاركة فى العملية الانتخابية فى ظل الإشراف القضائي على الانتخابات والتعددية والرؤى التي يطرحها المرشحون من خلال برامجهم الانتخابية.

إن المشاركة فى الانتخابات بمثابة رد قوي على اصطفاف المصريين خلف دولتهم والحفاظ على أمنها واستقرارها، والحفاظ على ما تحقق خلال الفترة الماضية من إنجازات ومكتسبات يتطلب منا جميعًا أن نحافظ عليها.

فرغم صعوبة التحديات والتأثيرات التي لحقت بالمواطنين جراء عملية الإصلاح الاقتصادي، إلا أن ما تحقق كان له دور فى قدرة الدولة على عبور أزمات طاحنة كان من الممكن أن تطيح بالدولة المصرية، كما حدث فى بعض الدول ذات الاقتصاديات القوية والتي تأثرت سلبًا بتلك الأزمات.

بالتأكيد هناك مطالب للمصريين من الرئيس القادم يأتي على رأس أولوياته عملية ضبط الأسعار وهو ما نسمعه فى كل وقت فى الشارع، وهو ما يدركه مرشحو الرئاسة، لكن يبقى أن حجم المشاركة فى الانتخابات يوجب علينا القيام به ليرى العالم ما يقدمه المصريون من التفاف حول دولتهم والحفاظ عليها وضمان استقرارها.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2