"أشكر الرئيس السيسي الذى فتح أحضان مصر لكل السودانيين الفارين من الحرب"، هذا ما أكده القس أرسانيوس أبو سيف، كاهن كنيسة مارجرجس أم درمان، فى حديثه لبوابة "دار المعارف" عن مشكلة الأقباط السودانيين الذين فروا من لهيب الحرب المشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مشيراً إلى أن ميليشيات الدعم السريع نهبت مطرانتي الخرطوم وأم درمان، واستولت عليهما، مشددًا على أن جنوب الوادي لا يمكن أن ينفصل عن شماله، واصفًا وادي النيل بأنه شعب واحد لا تستطيع السياسة أن تفرقه، موجهًا حديثه للمصريين، بأنه يدعو الله أن يديم رئاسة السيسي لمصر فهى نعمة عظيمة.
وإلى نص الحوار..
ما هو تاريخ الكنيسة القبطية فى السودان؟
الكنيسة فى السودان كانت منذ العصور الأولى للمسيحية، حيث دخلت المسيحية السودان فى القرن الرابع الميلادى، من أيام مملكة النوبة التى كانت تتبعها "أرض كوش" وهى السودان التى نعرفها حاليا، وفى العصر الحديث بدأت النهضة منذ عصر محمد على وخلفائه، حيث كانت مصر والسودان دولة واحدة، حاكمها كان يطلق عليه ملك مصر والسودان وإقليمى دارفور وكردفان.
وبدأت النهضة الكنسية فى السودان بعد الزيارة التى قام بها البابا كيرلس الخامس، والأرشيدياكون حبيب جرجس للسودان، ودشنا خلالها كنيسة السيدة العذراء فى الخرطوم، ومن وقتها استمرت النهضة الكنسية فى البلاد، والسودان حاليا ينقسم إلى إيبراشيتين، الأولى فى الخرطوم ويرأسها نيافة الحبر الجليل الأنبا أيليا، وهو سوداني ولد فى السودان من أب سوداني، وتضم هذه الإيبراشية الخرطوم بحري، وجنوب السودان وكوستى ونيالة والطالف ومدني وكسلا، وكانت تتبعها أوغندا لكنها انفصلت عنها، والإيبراشية الثانية، هى إيبراشية أم درمان، وتضم شمال السودان وعنبرة وتتبع لها الولاية الشمالية كلها، وبورسودان وحلفا الجديدة، ويترأسها نيافة الأنبا صرابامون، الذى تولي المسئولية بعد نياحة الأنبا استفانوس مطرانها السابق، والأنبا صرابامون من دير السيدة العذراء السريان، ومنذ مجيء الأنبا صرابامون بدأت الخدمة تتوسع، وتزايدت أعداد الكنائس ففى أم درمان وحدها – وهى تمثل العاصمة القومية للسودان – يوجد 15 كنيسة، منها كنيسة مارجرجس، ومارمينا، والأمير تادرس، وماربطرس، وغيرها، وإذا أضفنا الكنائس فى بقية مناطق الإيبراشية يصبح العدد حوالى 20 كنيسة، بالإضافة إلى الكنائس الموجودة فى إيبراشية الخرطوم والتى تتبعها أيضاً حوالى 20 كنيسة ليبلغ العدد الإجمالى للكنائس القبطية فى السودان حوالى 40 كنيسة تخدم حوالى 10 آلاف قبطي أرثوذوكسي من إجمالى حوالى 2 مليون مسيحى فى السودان يمثلون من 1 إلى 2 % من تعداد السكان فى السودان.
نهب المطرانية
هل يمكن أن تروي لنا تفاصيل الأحداث الأخيرة ؟
الحرب بين قوات الجيش وميليشيات الدعم السريع، بدأت يوم السبت 15 / 4 وكان وقتها وقفة عيد القيامة، ففى حوالى الساعة الثامنة صباحًا علمنا أن هناك ضرب نار فى الخرطوم، فى منطقة "المدينة الرياضية"، ثم أخذ القتال يشتد، ومظاهر الحياة فى البلد شبه توقفت، ووجد المواطنون فى الخرطوم صعوبة فى الانتقال لأم درمان والذين كانوا فى أم درمان لم يستطيعوا العودة لبيوتهم فى الخرطوم، وكانت وقتها ليلة العيد عندنا، فالآباء الأساقفة خوفا على حياة الشعب، أصدروا قرارًا بألا يقام قداسات العيد فى الكنائس، وتقتصر الصلاة على الآباء الكهنة والساكنين حول الكنائس فقط، القداس يومها استمر لمدة ساعتين فقط، بعدها أصبح الضرب كثيفًا جدًا، وتحول من مجرد قتال باستخدام بالرشاشات إلى المدافع نصف بوصة والآر بى جي، والهاونات، وبمرور الأيام ازداد القتال جدًا، ولأن المطرانية فى الخرطوم، تقع فى شارع النيل، وقريبة من القصر الرئاسى، فهى كانت أكثر مكان تتعرض للقصف، لأنها كانت فى الوسط بين الطرفين المتحاربين، فسيدنا الأنبا أرميا خاف على الموجودين بالمطرانية، من رهبان وراهبات وآباء كهنة وعمال، وأمر بإخلاء مقر المطرانية، وانتقال الموجودين لأماكن آمنة، خاصة أن قوات الدعم السريع اقتحمت المطرانية بعرباتهم وطلبوا أن تكون أبوابها مفتوحة واستخدموها كقاعدة لعرباتهم العسكرية.
أما الكنيسة فى بحرى فهى كانت أيضاً فى نطاق مرمي النيران، وكانت أول كنيسة تصاب هى كنيسة العذراء والأنبا أبرام حيث سقطت عليها قذيفة، وانفض السكان من المنطقة كلها لأن ضرب النار كان كثيفًا جدًا لدرجة أنه كان يدخل البيوت من الشبابيك والحوائط، فخاف الناس على أنفسهم وأخلوا المنطقة.
أما كنيسة مارجرجس فى المسالمة والتابعة لإيبراشية أم درمان، والتى أخدم بها، وأسكن فى العمارة التى خلف الكنيسة، وهي مكونة من 3 أدوار يسكن فيها الآباء الكهنة وأسرهم، وشماس الكنيسة، فقد حدث الاعتداء عليها فى الساعات الأولى للأحداث، حيث تم الاعتداء على بعض الشباب عقب خروجهم من التسبحة، فضربهم قوات الدعم السريع وأخذوا منهم هواتفهم المحمولة، وتركوهم وهجموا على الكنيسة نفسها، وبعد ذلك هاجموا مقر سيدنا الأنبا صرابامون، الذى كان متواجدا بالمقر، وأخذوا منه مفاتيح المقر، وكنت أول من قابلتهم لأن لهجتى سودانية، وكنا خائفين على حياة سيدنا، وهددونا أن نترك المسيحية فرفضنا على الرغم من الكلاشينكوف الذى كان موجها لرئوسنا ولرأس سيدنا، وخلال هذه الأحداث أصبت بطلق نارى فى رجلي، وأيضاً أصيب ابني بطلق آخر في قدمه، وتم ضرب تلميذ سينا ضرباً مبرحاً، حتى انكسرت يده، وأنفه نزفت بشكل كبير، أما المعلم سفين، معلم الكنيسة، فأخذوه إلى الجراج ليرشدهم لسيارات المطرانية، وعندما حاول مقاومتهم أطلقوا عليه الرصاص، فأخذ طلقة فى سمانة قدمه، والخفير الحبشى أصيب برايش فى بطنه، وهذه كانت معظم الإصابات، ونهبوا المطرانية حتى أنه كانت هناك أمانات تركها الناس عندما رحلت من أم درمان عند سيدنا – على أساس أنهم سيعودون قريبا بعد انتهاء الحرب التى لم يتوقع أحد أنها ستستمر طويلاً – وللأسف هذه الأمانات نهبتها قوات الدعم السريع سواء الأموال أو الذهب الذى تركته السيدات، وللأسف أخذوا كل ما كان فى مقر المطرانية.
وفى الخرطوم أيضاً هاجموا مطرانيتها، ولكن كما قلت فقد كان الأنبا أرميا أمر بإخلائها من الرهبان والأمهات والعاملين، فلم تحدث إصابات ولكنهم دخلوا على سيدنا وهددوه أن يترك المسيحية فرفض، فأخذوا منه مفاتيح المقر ونهبوه بكل أمانات الناس، وتم الاعتداء على دار للمناسبات ويوجد به دير صغير للراهبات لكن دون حدوث إصابات.
قصة الهروب
ما هي قصة عودتكم إلى مصر؟
بعد الإصابات التى لحقت بنا، ذهبنا إلى مستشفى أم درمان، وللأسف الخدمة كانت فى المستشفيات ضعيفة للغاية نتيجة الأحداث، وكانت المناظر مؤسفة، الأرض مغطاة بالدماء، رائحة الدم فى كل مكان، شاهدت اثنين من القتلي على أرضية المستشفى، كان الوضع صعبا جداً، لكن تم عمل بعض الإسعافات البسيطة عن طريق المستشفى وخرجنا، وأشار الجميع وقتها على نيافة الأنبا صرابامون بضرورة مغادرة أم درمان، فسيدنا أخلى المطرانية من التاسونات والموجودين فى الكنيسة، وذهب إلى مدينة شندي التى تبعد عن أم درمان حوالى 250 كيلو مترا، وبقى فقط خفراء الكنيسة والخدام الساكنون فى مساكن الخدمة، أما بالنسبة لى ولابنى فنظراً لإصابتنا فقد ذهبنا لمدينة فى شمال السودان يطلق عليها "الدابة"، وكان خروجنا من أم درمان نوعا من المجازفة والخطر، لأنه من أول هجوم على الكنيسة بدأ الهجوم على الأقباط، فى بداية الأمر هجموا على حي الملازمين والمواردة، وأول من استهدف فى أم درمان كان بيوت الأقباط، نهبت بالكامل، أخذوا سيارتي وسيارة ابني، لكننا خرجنا فى سيارات أزواج بناتي الثلاثة، وكانت حوالى الساعة الثانية عصراً فى عز حرارة الجو، لأنه وقتها كان تواجد قوات الدعم السريع معدوما نظراً لشدة الحرارة، وبالعناية الإلهية وصلنا إلى مدينة الدابة، وهى تبعد عن أم درمان حوالى 350 كيلو مترا، وبدأنا نتلقى العلاج فى الدابة، ونصحنا الدكتور بأنه إذا كان لدينا الإمكانية للذهاب لمصر، أن نفعل، وبالفعل، كل الأقباط الذين خرجوا من السودان جاءوا إلى مصر، فهى تعتبر الأم بالنسبة لنا، أنا جدي من نقادة ووالدى مولود هناك، وجاء إلى السودان وعمره 14 سنة وعمل فيها ثم رجع لنقادة تزوج وعاد مرة أخرى، واستقر فى السودان حيث ولدت، كل الأقباط فى السودان أصلهم مصرى 100%، دمنا قبطي نقي تماماً لم يحدث تزاوج بين الأقباط وأى قومية أخرى، نحافظ على قبطيتنا، وعاداتنا وتقاليدنا فى معيشتنا اليومية مثل الصعيد تماماً، حتى أكلاتنا "طاجن السمك، العيش الشمسي"، كل الأطعمة المشهورة بالصعيد، نفس الأمر بالنسبة لحياتنا اليومية والروحية لم ننفصل عن الكنيسة الأم تماماً، كنائسنا بنفس الطقس، سواء التسبحة أو القطمارس والسنكسار والدفنار، كل طقس الكنيسة المصرية الأم،
وبعد وصولنا الدابة كان ابني نتيجة النزيف الشديد قد هزل جسده، فانتظرنا ثلاثة أيام حتى يستعيد عافيته، ثم انطلقنا إلى مصر فى سيارة إسعاف وصلت إلى معبر أركين، ومنه أخذنا سيارة وذهبنا لأسوان.
مصر الأم والأمان
ما هي المساعدات التى قدمتها مصر ؟
فى البداية أحب أن أوجه كل الشكر لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأنه رئيس لكل المصريين، والشكر موصول لقداسة البابا تواضروس الثاني، الذى جسد معنى الأبوة، الرئيس السيسي فتح لنا أبواب مصر، لم نستقبل كلاجئين، نعيش وسط الأهالى المصرية كمواطنين مصريين، لم نشعر للحظة أننا فى دولة غريبة، وعندما يعرف أى إنسان أننا قادمون من السودان تتم معاملتنا بكل محبة واحترام، وهذه أمور بترفع من روحنا المعنوية بعد المعاناة الشديدة التى عانينا منها، هذه نعمة وبركة كبيرة نشكر عليها الرئيس السيسى.
وأشكر البابا تواضروس على أبوته الحقيقية واهتمامه، ورعايته، فقد فتح لنا أحضانه فى أبوة خالصة، وأمر أن تكرس كل الكنائس جهودها من أجل إخوتهم الأقباط القادمين من السودان، ومن خلال أسقفية الخدمات التى خصصت لنا مكتبا بها لرعاية الأسر القبطية السودانية، كذلك هناك خدام مخصوصون لخدمتنا وتلبية احتياجاتنا وتذليل الصعوبات التى تواجهنا.
كم يبلغ عدد الأسر القبطية القادمة من السودان ؟
بلغت تقريبًا 2000 أسرة بمتوسط 5 أفراد للأسرة الواحدة، أى حوالى 10 آلاف قبطي أرثوذكسي، وهؤلاء المسجلين حالياً فى أسقفية الخدمات والتى تقوم الأسقفية بخدمتهم وتوفير المساكن لهم حيث تم تسكيننا بالكامل، وفرش الشقق التى تم إعطاؤها لنا بكل اللوازم المعيشية الضرورية، من سرائر وبوتاجازات وثلاجات، وغيرها.
كما تلقينا رعاية صحية كاملة حيث يتم صرف الأدوية والعلاجات اللازمة لمن يحتاجون للعلاج وأصحاب الأمراض المزمنة، أو بهم إصابات، بمقابل زهيد للغاية حوالى ربع القيمة السوقية، حتى العمليات الجراحية تتم بتكاليف منخفضة جداً، وكذلك التحاليل والإشاعات، وهناك مستشفيات خصصتها الأسقفية للقادمين من السودان، منها مستشفى هيليوبوليس، ومستشفى الطاحونة وأم النور بأرض الجولف، كذلك اهتمت أسقفية الخدمات بالحالات الطارئة مثل المساهمة فى علاج أكثر من حالة مصابة بالأورام، وأؤكد أن أسقفية الخدمات برعاية البابا تواضروس والأنبا يوليوس وابونا روفائيل، وكل الطاقم الموجود قدموا لنا كل الدعم والخدمات اللازمة ويكفى المحبة التى نشعر بها.
التعليم والإقامة
ما هي أهم المشاكل التى تواجهكم حاليًا؟
لدينا مشكلتان أساسيتان، أولهما تخص التعليم، والثانية خاصة بالإقامة.
ماذا بشأن الإقامة ألستم أقباط مصريين؟
للأسف مشكلة الإقامة لدينا لأننا كلنا نحمل جوازات سودانية فقط، نحن أقباط بالتبعية والوراثة، ولكن ليس لدينا مستند مصرى، لذلك نريد تسهيل الإقامة.
هل تريدون تسهيل الإقامة فقط ؟.. أم استخراج هويات مصرية؟
نأمل بالطبع استخراج هوية مصرية مع الاحتفاظ بهويتنا السودانية، نحن مصريون بالوراثة لكننا حاليا سودانيون، ولكن الأهم الآن هو تسهيل إجراءات الإقامة، وأن تتم مراعاة السودانيين فى قيمة الرسوم المستحقة، لأن قيمتها حاليا مرتفعة بالنسبة لغالبية السودانيين المقيمين فى مصر.
هل لديكم مصدر دخل ؟
للأسف حاليا 90% من السودانيين المقيمين فى مصر بلا عمل، فرص العمل ليست سهلة، وحتى لو توفرت فبعائد منخفض لا يكفى معيشة الأسر، ونعيش على الإعانات التى تقدمها أسقفية الخدمات مع التوظيف البسيط الذى يسير الأمور، لكنه بالطبع لا يكفي، معظم السودانيين الذين قدموا لمصر رأسمالية سودانية وطنية، وكانوا ذي دخل ومكانة وطموح، مركز التجارة فى السودان غالبيته أقباط، ولكننا للأسف عندما قدمنا لمصر كنا فارين من الحرب وتحت القصف، "خرجنا بملابسنا" كما يقولون، الحرب بدأت يوم سبت النور وكانت البنوك في إجازة، و الرئيس السيسي مشكوراً قال مصر مفتوحة لأشقائها السودانيين، دخلنا دون هوية أو تأشيرة، بالبطاقة السودانية فقط، لأن الحدود كانت مفتوحة، طبعاً بعد فتح السجون فى السودان، وهروب الخارجين عن القانون، كان لا بد لمصر أن تتخذ من الإجراءات ما يضمن أمنها وسلامتها، فكان لا بد من الإقامات والهوية، لكننا خرجنا من السودان ومعنا "شنطتنا فقط"، ولذلك نريد تسهيل إجراءات الإقامة وفرص العمل.
أما التعليم، فهناك مشكة أساسية، لأننا كما قلنا فإن غالبية الطلبة السودانيين الذين جاءوا لمصر كانوا بدون مستندات ولا يوجد أى إثبات بالسنوات الدراسية التى يدرسون بها، خاصة أن الحرب اشتعلت قبل بدء الامتحانات بيومين فقط، وبالتالى لا يوجد طالب حاصل على شهادته عن العام الدراسي المنقضي، كلنا قدمنا وفى اعتقادنا أن الأمر لن يستغرق شهرا أو اثنين، والمشكلة الأكبر أن كل بيوتنا فى السودان نهبت تماماً، وبالتالى حتى المستندات نهبت،
وأشكر أسقفية الخدمات التى سمحت لنا بمقر كمدرسة وهي مدرسة مارمرقس بالزيتون حيث خصص لنا الفترة المسائية من 3 إلى 7 مساءً، وسوف ندرس فيها المنهج السوداني بمدرسين سودانيين، وتواصلنا بالفعل مع القنصلية السودانية هنا واتفقنا أنهم سوف يمدونا بنسخ من الامتحانات الخاصة بإعدادى والشهادات، وسيكون الامتحان تبع القنصلية، أما النقل فهى مراحل عادية.
هل أصبحت الأسقفية فى الخرطوم مقرًا لقوات الدعم السريع؟
حقيقى.. بدأ هذا مع بداية الحرب.. طردوا الأنبا إيليا، وأمروه أن يترك الأبواب مفتوحة، ودخلوا بعرباتهم المحملة بالسلاح لمقر الأسقفية، وحاليا الأنبا إيليا متواجد فى منطقة كوستى، أما الأنبا صرابامون فهو فى بورسودان، وسوف يسجل التاريخ للآباء الأساقفة أنهم رفضوا مغادرة السودان، وما زالوا هناك رغم المخاطر.
هل ما زال هناك رعية فى السودان؟
هناك الكثير جداً.. الأقباط الذين كانوا فى الخرطوم ذهبوا لمنطقة "مدني"، كما قلت الذين جاءوا لمصر كان حوالي ألفي أسرة بمتوسط 10 آلاف نسمة وهؤلاء المسجلون فى أسقفية الخدمات حيث عملنا استمارة حصر فى الأسقفية للأقباط السودانيين الذين فروا من المعارك منذ 14 / 4 ، ولكن بالطبع هناك من لم يسجل اسمه.
ما هي طلباتكم سواء من الدولة أو الكنيسة؟
بالنسبة للتعليم، نرجو توفيق أوضاع الطلبة السودانيين للقبول فى المدارس والجامعات المصرية، خاصة أن هناك طلبة جامعيين تعهدوا باستكمال أوراقهم خلال 3 شهور، لكن بالطبع لظروف الحرب المستمرة حتى الآن لا يستطيعون الوفاء بتعهداتهم، كذلك نطلب من جامعة القاهرة سرعة معادلة الشهادات السودانية للخريجيين السودانيين، الذين قدموا شهادات معتمدة من وزارة التعليم العالي السودانية والسفارة السودانية والخارجية المصرية، وحتى الآن لم تتم معادلة شهاداتهم، وهى المعادلة الضرورية لكي يستطيع الخريج التقدم للنقابات المهنية مثل نقابة المهندسين والصيادلة والأطباء، للحصول على ترخيص بالعمل، وهو ما سوف يساعد فى إيجاد فرص عمل لكثيرين وتحسين ظروف المعيشة.
وأود فى النهاية أن أؤكد أننا لا نشعر بالغربة فى مصر، بل بالعكس، نحن متأكدون أننا فى بلدنا ووسط أهلنا، وكل معاناة هى أمر طبيعي لأشخاص تركوا بيوتهم وبلادهم نتيجة للحرب، معاناتنا في الأصل نفسية.
وهنا لا بد أن أشكر قداسة البابا تواضروس لأنه تعامل معنا كأب حقيقى، وسخر كل إمكانات الكنيسة فى مصر، من أجل الأسر القادمة من السودان، حتى أنه أمر الكنائس بإيقاف أي مشروعات إنشائية جديدة من أجل توفير المساعدات للأقباط القادمين من السودان، كذلك كان هناك اهتمام من الناحية الروحية والمعنوية وليست المادية فقط، فخصص خدامًا فى الكنائس لتفقد الأقباط السودانيين روحيًا ومعنويًا فى المناطق التى يتواجدون بها، كذلك أشكر الأنبا يوليوس أسقف الخدمات على المحبة العظيمة والحمل الذى ألقي على عاتقه بسببنا، فما عانيناه كان ليس "أزمة" فقط لكنه "كارثة"، لكنه تحمل هو والخدام العاملون معه فى مكتب رعاية السودانيين بالأسقفية، كل الأمور بمحبة وتوفير إمكانات ضخمة لحل كل المشاكل، ونشكر أيضاً أبونا روفائيل ثروت على محبته وتذليل كل العقبات التى نواجهها، والشكر موصول كذلك لكل أساقفة الإيبراشيات التى أستقبلت أقباط السودان، خاصة الأنبا بيمن أسقف نقادة فى الأقصر، فمعظم السودانيين توجهوا لصعيد مصر حيث تربطهم بالعائلات هناك علاقات نسب، كما أن جذورهم من الصعيد، أما الباقى الذي جاء إلى القاهرة، احتضنتهم الكنيسة القبطية الأم من خلال أسقفية الخدمات.
وفى النهاية، لا يسعنى إلا أن أشكر الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى فتح أحضان مصر لكل السودانيين الفارين من هذه المأساة، فإننا نعامل مثل أى مواطن مصري، لا نشعر بأى تمييز، نشعر بأننا نعيش فى بلادنا، وهذه محبة كبيرة من الرئيس السيسي، فشمال الوادى لا يمكن أن ينفصل عن جنوبه، ولا يمكن لأي سياسة أن تفرقنا.. نحن شعب واحد.. رباط أسري وعقد ودم واحد، ونشكر كل المصريين فى شخص الرئيس السيسى، وكل الكنائس القبطية فى شخص البابا تواضروس، وأقول للمصريين ربنا يديم رئاسة الرئيس السيسى لمصر فهى نعمة عظيمة للشعب المصري.