حكايات من قلب الهدنة يرويها صحفي فلسطيني عاش تفاصيل المأساة فى غزة

حكايات من قلب الهدنة يرويها صحفي فلسطيني عاش تفاصيل المأساة فى غزة المأساة فى غزة

آلام وأوجاع وقصة كفاح يكتبها شعب فلسطين الصامد فى غزة، يحارب من موقعه المتقدم بالنيابة عن العالم، ويواجه آلة القتل الوحشية التى تديرها عقول طائشة فى دولة الاحتلال. مدافعين عن أرضهم رافضين التهجير، رغم المعاناة وذيوع الموت فى كل مكان، الصحفى الفلسطينى محمد ماهر التلمس، الذي يقطن قطاع غزة نازحا من الشمال إلى الجنوب تحت نيران الاحتلال، يروى لـ «أكتوبر» أيام العدوان على غزة .

يقول «التلمس»:

عنواني الذي نشأت به منذ مولدي وحتى أصبح عمري 25 عاما، طفولتي وشبابي، هو شارع النصر، أمام أبراج الكرامة، بشمال غزة، وهذه الأبراج مكونة من 13 برجًا، كل منهما يحتوي على 32 شقة سكنية أي 416 شقة، قام الاحتلال بتدميرها جميعا حتى أصبحت غير مؤهلين للسكن، مثل المنازل الموجودة أمام الأبراج، ومن ضمنها منزلي الذى تم قصفه أيضا.

لم يكتف الاحتلال بقصف منزلنا فقط، بل طلب منا النزوح لـ مركز المدينة، فذهبت إلى منطقة تل الهوا للسكن بمنزل شقيقتي، للاستقرار عندها بضعة أيام.. وتعد هذه الأيام من أكثر الأيام المرعبة فى حياتي.. رغم مروري بحروب عديدة، لم تكن هذه الحرب هى الأولي فى حياتي، لكن هذه الأيام القليلة، كانت أكثر أيام حياتي رعبًا؛ لأن الاحتلال بدأ فى تدمير مناطق “الرمال.. والجامعة الإسلامية.. والمناطق المجاورة” وكل هذه المناطق بجانب منزل شقيقتي، وكان الاحتلال يستخدم أسلحة لا تفرق بين الحجر والبشر، ما رأيت ولا سمعت عنها بحياتي.

أصوات القصف:

ولأننا فى غزة لدينا دراية كاملة بأصوات القصف، كما يمكننا من خلال صوت الانفجارات، تمييز نوع المعدات الحربية المستخدمة، الطائرات الحربية، أو الطائرات المروحية، أو الزوارق البحرية، لدينا دراية بأصواتهم جميعًا.. لكن فى هذه الحرب كانت الصواريخ تصدر أصواتا غريبة وغير مألوفة.. منها صواريخ صوتها يقول «التلمس»: «الصفارة» مميز وغريب.. ووقت سقوطها كان يحدث انفجار يفوق التصور.. كذلك البراميل المتفجرة لحظة انفجارها مريب ومرعب، لا يتخيله عقل بشر، بجانب أنه ينفجر خلال لحظة.. المفاجأة تكون مرعبة.

أزمة الطاقة:

عند بداية العدوان على غزة، كانت معظم المواد الغذائية متوافرة بالأسواق.. لكن الكهرباء انقطعت نهائيًا ولا يوجد لها حلً على الإطلاق، ولا ينير لنا ظلمة الليل إلا “كشافات التليفونات المحمولة” وأنا كنت باستخدم كشاف موجود فى “الباور بانك” كنت أوجه الكشاف للسقف فى وسط الصالون، لـعمل إضاءة بسيطة.. وكنا نقوم بشحن الهواتف والباور فى الصباح؛ عن طريق “الخلايا الشمسية”.. هذا كان السبيل الوحيد ليطفئ ظلمة الليل الكاحل بدءًا من المغرب وحتى ظهور ضوء الفجر.

كنت أنا وإخوتى لا نتواجد فى نفس المكان.. وخوفنا على بعض كان ملازمنا جميعًا.. كل ما نقوم به للاطمئنان على بعض؛ هو ترقب أخبار القصف؛ حتى نعلم إذا كان القصف قد نال أحد منا أم لا.. وبالنسبة لنومنا فى المساء، ننام على الأرض فى وسط المنزل؛ خوفًا من سقوط شبابيك الغرف علينا جراء أصوات القصف المتواصلة ليلًا ونهارًا.

أنا لست ممن نزحوا للمدارس أو المستشفيات.. لأن الحياة هناك فى غاية الصعوبة.. الفصل الدراسي الواحد فى المدرسة، يعيش به الناس على إنه “شقة” ويا ليتها شقة تضم عائلة واحدة، بل يعيش فى الفصل الواحد عدة عائلات.. دون وجود مقومات للحياة الآدمية، مجرد جدران وبلاط بارد فقط، وبالنسبة للـ “حمامات” عددها محدود ويستخدمها عدد لا نهائي من الناس.. فعندما يريد أحد الدخول لـ “الحمام” ينبغي عليه الاصطفاف فى طابور طويل لحين يجئ دورك، وبالتأكيد فى ظل وجود كل هذا العدد الضخم تكون الحمامات متسخة دائما، وبالتالي يسهل جدًا تناقل أي عدوي.

هذه الحياة غير صالحة لـ"الحياة" فلا يوجد أدني مستوي للخصوصية، فأنت تعيش بمكان به عدة عائلات بالصف الواحد، والصف شبابيكه مكشوفة.. مجرد مرور أحد بجوارك يراك بكل وضوح، بجانب عدم وجود مطابخ ولا غاز، يتم طهي الطعام - إذا كان موجود - على “الحطب والنار” بسبب عدم وجود وقود.. وغسيل الملابس و"الأواني" باليد فقط، لا يوجد ما يعين الناس على إنجاز شئون حياتهم.. “حياة على الطريقة البدائية”.

عدم توافر الوقود أجبرنا جميعًا على التنقل على أقدامنا أو “العربات الكارو” - عربات يجرها الحيوانات - والاستغناء تمامًا عن كل السيارات؛ لإنها حاليًا وسيلة لا تصلح لحياتنا البدائية الخالية من مظاهر الحياة.

لا يوجد أي شي تستخدمه من إنترنت أو تليفزيون أو أي شي، كل ما نقوم باستخدامه هو ضوء كهرباء ضعيف فقط.

الانتقال للجنوب:

فى البداية عندما انتقلنا إلى جنوب مدينة غزة، ووسط شح جميع المواد الغذائية بلا استثناء، لدرجة أن محلات السوبر ماركت لا يوجد بها أي منتجات أساسية، لا يوجد بها سوى شامبوهات وأشياء كمالية لا تفيد بشئ بأوقات الحرب، لكن جميع المواد الغذائية انتهت بالكامل.. لا يوجد طحين ولا ملح ولا بقوليات ولا معلبات مثل الفول والحمص واللانشون.. لا يوجد شئ واحد تأكله.

وأصبح اعتمادنا فى الحصول على الطعام، على ما يتم توزيعه من قبل وكالة الأونروا على النازحين من الناس، لأن هناك أشخاص بسيطة تمتلك هذه المنتجات وتقوم باستغلال الأزمة، وتقوم ببيعها بأضعاف أضعاف سعرها الحقيقي.

تضاعفت أسعار المواد الغذائية مرتين ونصف بل تضاعفت أكثر من ذلك.. كيس الطحين كان بـ35 شيكل أصبح الآن بـ 150 شيكل، كافة الأسعار ارتفعت بأكثر من الضعف.. وأن لم يكن لديك من الأموال لـتشتري، لن “تأكل”.

جميع أكلنا عبارة عن أرز ومكرونة، هذا معظم طعام الناس، لكن أي نوع آخر من الطعام صعب جدًا توفيره.

الحياة فى القطاع:

وبالنسبة لمياه الشرب، نذهب فى الصباح على محطات التحلية لنملئ المياة، ونظرًا للازدحام نضطر ننتظر ساعات طويلة، وعقب الملء نضطر نعود على أقدامنا مسافات طويلة؛ لأنه لا يوجد وقود للسيارات.

أما عن اليوم فى قطاع غزة فكل شي تريد أن تحصل عليه يجب أولًا الانتظار فى طابور حين يجئ موعدك، يومنا ينقسم بين طوابير مستلزمات الطعام والشراب، وجزء منه للحصول على الخشب والحطب؛ لأن أسعار الفحم أيضًا ارتفعت ارتفاعا غير مسبوقًا، حيث كان كيلو الفحم بـ6 شيكل وأصبح بـ12 شيكل، لذلك نكتفي بوجبة واحدة يوميًا؛ لأن الطعام غير متوفر والاعتماد الأول فى المواد الغذائية على مساعدات الأونروا “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين”.

أما حركة الاتصال فى غزة فقد أُصيبت بشلل تام عقب عدة أيام من الأزمة، لم نستطيع الاتصال بأحد ولا نتطمئن على أحد من جيراننا وأصدقائنا.. انتظر عدة أيام لكي أحصل على معلومة أطمئن بها على أشقائي.. الاحتلال تعمد استهداف شبكات وأعمدة الاتصال الخاصة بشركات الاتصال؛ ليقطع الأنترنت والاتصالات، حتي لا يتواصل الأشخاص مع بعضهم البعض.

إقرأ باقي التقرير في العدد الجديد من مجلة أكتوبر، اضغط هنـا

أضف تعليق