تحية إلى الشعب العظيم، تحية إلى كل مواطن حرص على أن يكون له دور فى رسم مستقبل وطنه.. تحية إلى المرأة المصرية التي ستظل دائمًا تتقدم الصفوف فتحشد أسرتها وتحرص على تربية أبنائها على الولاء والانتماء للوطن، تحية للشباب الواعي الذي كان بمثابة أيقونة المشهد الانتخابي من متطوعين وناخبين، تحية للآباء والأمهات الذين لم يثنيهم التقدم فى العمر وصعوبة الحركة عن المشاركة والإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية، وتحية كبيرة للأبطال من ذوي الهمم الذين حرصوا على المشاركة، تحية لكل من شارك فى ملحمة عبَّرت بحق عن الشعب المصري.
ثلاثة أيام رسم فيها المصريون مسار الدولة المصرية على مدى 6 سنوات قادمة، وذلك بعد إتمام المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية 2024 فخلال أيام (10، 11، 12) ديسمبر الجاري أثبت خلالها الشعب المصري أنه سيظل حجر الزاوية فى الحفاظ على الوطن وهو حائط الصد القوي فى مواجهة مخططات قوى الشر.
شعب لديه من القدرة أن يقدّم للعالم دائمًا صورة تعبّر عما يمتلكه من إرث حضاري، وقدرة على البناء والعمل على الاستقرار، والحفاظ على دولته الوطنية.
مشهد الأيام الثلاثة للانتخابات الرئاسية فى الداخل لم يكن بعيدًا عن مشهد المصريين فى الخارج، لكن الملفت أنه جاء على عكس ما حاولت بعض المؤسسات الخارجية المسماة بمراكز الدراسات وبحوث الرأي العام والتي حرصت على الدفع ببيانات تتحدث خلالها عن عزوف المواطنين عن المشاركة فى الانتخابات الرئاسية، نظرًا للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر مع مزيد من النظرة التشاؤمية التي قدمتها تلك المراكز عن مستقبل الاقتصاد المصري.
فعلى مدى عدة أشهر سابقة حرصت تلك المركز وأدواتها الإعلامية التي تعمل جميعًا تحت عباءة مؤسسات دولية والخاضعة لأجهزة استخبارات، على استهداف الشعب و الدولة المصرية لخلق حالة من عدم الثقة وبث روح الإحباط فى النفوس.
لكن تلك المراكز وأدواتها الإعلامية لم تكلف نفسها دراسة تاريخية للشعب المصري لتدرك كيف يتعامل هذا الشعب مع الوطن؛ ويبدو أن الدروس السابقة التي قدمها المصريون خلال السنوات الإثنى عشر الماضية لم تدركها تلك المراكز ولم تعِ تفاصيلها.
(1)
كان مشهد خروج المصريين باتجاه اللجان الانتخابية للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية أشبه بمشهد الخروج فى 30 يونيو 2013، تجد الشوارع وقد أغلقتها مسيرات الناخبين، يرفرف فوقهم علم مصر.
الغالبية العظمى من الناخبين خرجوا لتلبية نداء الوطن، فكأن المشهد أعادني إلى مشهد تدفقات المصريين فى الشوارع يهتفون باسم مصر.
فقد كان خروج المصريين فى 30 يونيو 2013 غير متوقع أن تخرج كل تلك الملايين إلى الشوارع، رغم أنهم فى شهر الصيام يهتفون مطالبين باسترداد الوطن المختطف على يد جماعة إرهابية مدعومة بقوى الشر المستهدفة منذ زمن عملية إعادة تقسيم المنطقة.
وعلى عكس توقعات التنظيم الإرهابي ومعاونيه وقوى الشر الداعمة له استطاع المصريون إسقاط نظام الإخوان الفاشي واسترداد الدولة المصرية، متوحدين على أهمية إعادة بناء الوطن وترميم ما أصابه من أذى خلال السنوات السابقة لثورتهم (30 يونيو).
انتصرت إرادة المصريين وقدموا مشهدًا ملحميًا على مدى 4 أيام وتحمل المصريون تبعات قرارهم بما قدموه من دماء وأرواح أبنائهم من الشهداء فى مواجهة التنظيم الإرهابي ومعاونيه (الحرب على الإرهاب)، ولأن الشعب المصري يتوحد ويصطف خلف الوطن مهما كلفه ذلك ومهما واجه من تحديات، استطاع على مدى 9 سنوات إعادة بناء الدولة المصرية من جديد.
وفى ظل متغيرات دراماتيكية ضربت العالم واستعدادات لتغيرات جيوستراتيجية فى المنطقة ومحاولات استهداف الدولة المصرية مرة أخرى، حرصت قوى الشر وأدواتها الإعلامية على بث حالة من الإحباط لدى الشارع مما يسهل عليهم التحرك باتجاه مصر مرة أخرى، إلا أن المصريين لقنوهم درسًا آخر عندما خرج ملايين المصريين يهتفون «تحيا مصر وتحيا فلسطين» رافضين مخطط التهجير داعمين للأشقاء الفلسطينيين فى مواجهة المحتل الغاشم هذا الكيان الإرهابي، لتنطلق من قلب القاهرة المرحلة الثانية من أكبر قافلة مساعدات لقطاع غزة، فى ظل عمل متواصل على المستوى الدبلوماسي المصري لخلق حالة من الدعم الدولي للقضية الفلسطينية وإيجاد حل لها.
ولم تكن تطورات الأوضاع فى القطاع إلا نقطة كاشفة لحجم المخطط الذي يستهدف الدولة المصرية وفى نفس الاتجاه تصفية القضية الفلسطينية.
فكان رد المصريين أكثر قوة، فى مشهد ملحمي خرجوا ليصطفوا أمام اللجان الانتخابية يمنحون الثقة لمن يحافظ على الأمن القومي المصري، ويحفظ للدولة المصرية مكانتها وهيبتها.
ويجددون الثقة فى القائد الذي حرص على مدى 9 سنوات سابقة منذ تم انتخابه فى عام 2014 رئيسًا للبلاد على بناء الدولة والحفاظ على الأمن القومي المصري وتثبيت أركان الدولة، والعمل على بناء الوطن رغم التحديات.
لقد جدد المصريون ثقتهم فى القائد ليواصل حفاظه على الأمن القومي للبلاد وسط هذا المحيط المضطرب والخريطة التي تنتظر تغيرات دراماتيكية فيها خلال السنوات المقبلة.
لقد كان المشهد الانتخابي وملايين الناخبين يصطفون أمام اللجان أكبر دليل على وعي المصريين، وأنهم قد تحصنوا ضد محاولات تغييب الوعي وبث حالة الإحباط للانسلاخ عن الوطن.
لقد لقّن المصريون كل من يحاول النيل من هذا الوطن درسًا لن ينسوه؛ فالشعب المؤمن بوطنه لا يمكن له أبدًا أن تحيده أزمة أو تغيبه قضية عن قضيته المركزية وهي الدفاع عن الوطن.
لقد غاب عن كل أحاديث المصريين ما يواجهون من ارتفاع فى الأسعار أو مشكلات فى قطاعات أخرى، وبقي الحديث وكأنه موحد عن أهمية الدفاع عن الأمن القومي المصري، وضرورة أن يكون رئيس البلاد ممن يثق المصريون فى قدرته على ذلك ليستكمل الرئيس ما بدأه من بناء للوطن ويستكمل المصريون مشروعهم الوطني بقيادة حكيمة استطاع أن يقود سفينة الوطن بأمان فى منطقة مضطربة.
(2)
لقد قدم المصريون ملحمة حازت احترام وتقدير العالم.. فقد التفوا حول الوطن معلنين تأييدهم للاستقرار والحفاظ على الدولة ليزين علم مصر صفوف الناخبين ويعلن المصريون ثقتهم فى قيادتهم.
لقد رد المصريون على حرب الشائعات بشكل عملي وخرجوا معلنين وقوفهم خلف الوطن وحماية أمنه واستقراره.
جاء الإقبال غير المسبوق من الشعب المصري على اللجان الانتخابية ليكون بمثابة رسالة وفاء للأبطال الذين قدموا دماءهم وأرواحهم فداءً لهذا الوطن من أجل حفظ أمنه واستقراره.
لقد قال المصريون كلمتهم فى صناديق الاقتراع ليقدموا رسالة إلى العالم أن الشعب صانع الحضارة قادر على تقديم نموذج للممارسة الديمقراطية على أرض الواقع وهو ما سجلته المنظمات الدولية التي كانت تراقب العملية الانتخابية، فقد أكدت تقارير المراقبين أن الشعب المصري قدم نموذجًا فى الممارسة الديمقراطية فلم تشهد العملية الانتخابية أي خروقات تؤثر عليها بل إن الناخبين كانوا يحرصون على التواجد أمام اللجان فى أجواء يسودها الود بين مؤيدي المرشحين.
جاءت الانتخابات الرئاسية هذه المرة فى ظرف استثنائي تمر به المنطقة، إلا أن المصريين قرروا أن يقدموا للعالم نموذجًا على الوعي بأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية، كما قدموا رسالة للأحزاب السياسية تستلزم من القائمين على الأحزاب تطوير الرؤى الحزبية للشارع السياسي المصري، وضرورة الاتصال مع الجماهير، والعمل على تقوية التجربة الحزبية المصرية، فرغم مرور 116 عامًا على بدء التجربة الحزبية فى مصر، إلا أن الأحزاب السياسية لا تزال تحتاج إلى طرح نفسها بقوة على المواطن المصري الذي قدم للجميع صورة دلل بها على درجة الوعي العالية لديه.
إن المشهد الانتخابي لا شك قطع الطريق على قوى الشر من المشككين فى وعي الشعب المصري، كما حمل الحكومة مسئولية أن تسعى إلى تخفيف العبء عن المواطن فى ظل أزمات طاحنة ندرك أنها قد أصابت العالم أجمع ونحن جزء منه، إلا أن هناك بعض الإجراءات التي تتأخر الحكومة فى التعامل معها مما يحمل المواطن عبئًا أكبر وهو ما يجعله يئن من ارتفاع الأسعار على سبيل المثال، أو مواجهة سُعار الدروس الخصوصية التي تلهب جيوب المواطنين من كل طبقات الشعب، أو مواجهة جشع التجار.
لقد ألقى المصريون بمسئولية كبيرة على الحكومة بعد أن خرج الملايين ليصطفوا أمام اللجان وتظل بعض المقار الانتخابية تعمل حتى منتصف ليل اليوم الثالث نظرًا لإقبال الناخبين، إنها صورة شهد بها العالم أجمع.
وسيظل المصريون على مر التاريخ يقدمون للعالم صورة مبهرة فى الحفاظ على الوطن واستقراره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحية للأبطال
المشهد الانتخابي الرائع الذي شاركنا فيه وتابعناه جميعًا عبر وسائل الإعلام المختلفة على مدى ثلاثة أيام، يستوجب علينا أن نوجه التحية للأبطال الذين حرصوا على حماية هذا الاستحقاق الدستوري المهم من رجال القضاء المصري الشامخ ورجال الداخلية الذين عملوا على تأمين المقار الانتخابية، ليشهد العالم باستقرار الأوضاع الأمنية خارج اللجان الانتخابية بل حرصهم على تقديم المساعدة للناخبين من كبار السن فتحية لهم.
وتحية للأبطال من الشباب الرائع الواعي من المتطوعين من شباب «مؤسسة حياة كريمة» والأحزاب المصرية: حزب مستقبل وطن وحماة الوطن، الذين عملوا على تقديم العون والمساعدة للناخبين للوصول للجان.
وتحية لرجال هيئة الإسعاف المصرية الذين حرصوا على القيام بواجبهم والتأمين الطبي للجان.
تحية لكل من عمل وحرص على أن تخرج العملية الانتخابية للانتخابات الرئاسية بهذا المشهد الذي يليق بشعب يمتلك إرثًا حضاريًا ضخمًا.