مع مطلع كل عام جديد تتزاحم التنبؤات، وتدور الأنظار بحثا فى الفضائيات، وعلى صفحات الصحف عن نبؤة تريح بالهم عن مستقبلهم فى العام الجديد، ويتملك الإنسان بصفة عامة حب الفضول، نحو كشف الغائب عنه، ولكن يوجد طرف آخر لا يرغب فى قراءة الطالع، ولا يهمه الأمر من قريب أو من بعيد، ويعيش اليوم بيومه.
الطرف الأول الشغوف لكشف ما يدور حوله من غيبيات، يتفرع منه قسمان، قسم يستخدم أدوات العلم لإدراك عالم الخفاء، وبرغم من ذلك تظل حقائق كونية لا يملك كشفها، والقسم الآخر ينحرف عن طريق العلم، ويلجأ إلى الشعوذة والدجل، ولكن فى الواقع لم يسلم الطرفان من سلبيات، فالطرف الأول المهووس بمعرفة الغيب قد يقع فى أخطاء نتيجة العجلة، والثاني يتمتع بعشوائية وسطحية التفكير، ويكفر باتباع خطوات المنهج العلمي، التي تمكنه من وضع دراسة جدوى، توضح له ما يفعله فى الأيام القادمة.
وبين الطرفين يوجد أشخاص ترفض واقعها، وتتمرد عليه، ويغيب عنها أنه لابد من بذل قدر بسيط من الجهد والتفكير، حتى تستطيع معايشة واقعها، أو لكي يساعدها على التغيير إلى الأفضل، وأسوأ ما فى الفريقين مجموعة مشتركة بينهم تتعاطى المخدرات، سعيا منهم لاكتساب شعور كاذب بأنهم يقفزون من قطار الواقع إلى عالم افتراضي ليس له وجود، أو كوسيلة للفرار من التفكر فى الإعداد للمستقبل.
وهذا الإنسان الفضولي فى حب معرفة المستقبل، يعجز عقله عن كشف أغوار الإرادة الكائنة بين جنبيه، التي بواسطتها تستجيب لها أعضاؤه، حين يصدر لها الأوامر للتحرك حيث ما يريد، والعلم يفسر لنا أن الدماغ هي المكلفة بإصدار هذه التعليمات المرسل إليها عبر الحواس الخمس.
وأقر جميع العلماء بأن الدماغ أعقد جهاز فى جسم الإنسان، لا يوجد مثيله فى أعقد الأجهزة الإلكترونية، وقال أحد العلماء إن مدينة ممتلئة بالحواسيب، لا تقدر على أداء عمل دماغ إنسان واحد، وضرب العلماء مثالا على ذلك، وهي المقارنة بين حركات جسم الإنسان التلقائية، التي يديرها المخ، وبين ما يؤديه الإنسان الآلي أو الروبوت، ويبقى فى النهاية عجز العلم عن الوصول إلى قدرة الدماغ، على تمكين الإنسان من الإحساس بوجوده ومشاعره وعواطفه، سواء كان هذا الشعور فى الماضي، أو فى الحاضر أو فى المستقبل.