إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: سافرت قبل أن أسافر !

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: سافرت قبل أن أسافر !إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدًا»: سافرت قبل أن أسافر !

*سلايد رئيسى29-8-2018 | 16:12

رأيت الدنيا.. سافرت إلى معظم دول العالم.. سافرت إلى أمريكا وروسيا والصين والهند.. ورأيت معظم الدول الأوروبية الشرقية والغربية.. زرت كل دول الخليج وسافرت إلى العراق ولبنان وفلسطين.. كما سافرت إلى ليبيا والمغرب والسودان.. سافرت أيضا إلى عدد من الدول الأفريقية مثل أوغندا وغانا وجنوب أفريقيا.

ورأيت ما يراه السائح وما لا يراه.. فى أمريكا دخلت البيت الأبيض واستمعت للرئيس بوش الأب فى مؤتمر صحفى.. زرت أيضا ديزنى لاند وقضيت فيها أربعة أيام ومع ذلك لم يسمح لى الوقت بمشاهدة كل ألعابها وملاهيها.

وفى موسكو دخلت الكرملين وتناولت العشاء مع الرئيس بوتين خلال زيارة رسمية كنت فيها بصحبة الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

ورأيت الميدان السماوى فى الصين الذى شهد مذبحة للطلبة الذين اعتصموا فيه.. كما زرت سور الصين العظيم ووقفت فوق فى درجة حرارة انخفضت إلى خمس درجات تحت الصفر.

وفى الهند دخلت بالخطأ مكتب رئيسة الجمهورية عندما صاحبنا الرئيس مبارك فى زيارته للهند.. وكان مقررًا أن نحضر لقاء بين الرئيس مبارك ورئيس وزراء الهند.. لكن السائق الذى يقلنا أخطأ الطريق وذهب بنا إلى مقر رئيسة الجمهورية.. والغريب أن رجال الأمن سمحوا لنا بالدخول وأظن أن السبب أنهم لم يفهموا ما نقوله بالإنجليزية ولم نفهم ما يقولوه باللغة الهندية.. المهم أن رجال الأمن أوصلونا إلى مكتب رئيسة الجمهورية وفتحنا باب مكتبها واكتشفنا الخطأ فاعتذرنا وانصرفنا!

وقابلت الرئيس الراحل صدام حسين فى العراق كما التقيت بالرئيس الراحل ياسر عرفات فى غزة ودار بيننا حديث طويل.

وفى ليبيا التقيت بالرئيس الراحل معمر القذافى فى خيمته الشهيرة بالصحراء.

التقيت أيضا بالرئيس الراحل جعفر نميرى فى طائرته الرئاسية.. وقد دعانى للجلوس فى مقاعد الدرجة الأولى بعد أن عرف أننى صحفى مصرى.. ودار بيننا حديث طويل لم يقطعه إلا وصول الطائرة إلى مطار مدينة كسلا السودانية.

وفى المغرب قمت بالصلاة مع الملك الحسن الثانى خلال افتتاحه المسجد الكبير الذى أقيم فوق مياه المحيط التى تطل عليه مدينة الدار البيضاء.

ودخلت قصر الحمراء فى غرناطة بإسبانيا وكان مقر الحكام العرب قبل خروجهم من إسبانيا.. ورأيت باريس من فوق برج إيفل.. وتجولت فى حديقة الهايد بارك بلندن ساعتين كاملتين.

وقمت بزيارة الفاتيكان ورأيت البابا وهو يصلى.. وفى رومانيا التقيت بالرئيس شاوشيسكو وتبادلت معه حديثا قصيرا.. وكان ذلك فى معرض بوخارست الدولى الذى كانت مصر تحرص على الاشتراك فيه بجناح كبير.

ووقفت أمام بحيرة فيكتوريا فى أوغندا أرقب المياه وهى تبدأ رحلتها الطويلة إلى مصر.. وقضيت ليلة فى سفارى جنوب أفريقيا لم أذق يومها طعم النوم بسبب القرود التى ظلت طوال الليل تقفز فوق سطح الشاليه الذى أقيم فيه.

كانت أول مرة أسافر فيها فى حياتى عندما سافرت إلى إسبانيا.

كانت المصادفة وراء اختيارى للسفر إلى إسبانيا.. كنت أقف أمام المصعد أنتظر حضوره عندما انفتح باب مكتب رئيس التحرير وخرج منه الراحل أنيس منصور رئيس تحرير مجلة أكتوبر.. اتجه الأستاذ أنيس ناحيتى وسألنى: تحب تسافر إسبانيا.. ولم أنطق من الفرحة واكتفيت بهز رأسى علامة على الموافقة.

قبل السفر وبعد أن انتهيت من تجهيز كل الأوراق المطلوبة.. سألت الأستاذ أنيس عن الموضوعات التى يجب أن أكتب عنها.. ابتسم الأستاذ أنيس وقال لى: كل المطلوب منك أن تسافر وتستمتع بالرحلة وسوف تجد نفسك بعد ذلك وقد كتبت عن موضوع جذاب يشد القارئ.. وفعلت وعدت من إسبانيا وقمت بكتابة ثلاثة مواضيع نشرت كلها.

ولن يصدق القارئ أننى سافرت إلى إسبانيا قبل أن أسافر إليها.. وليس مطلوبا من القارئ أن يصدق لكن أقسم بالله أن ذلك هو ما حدث.

كنت طالبا فى السنة الرابعة بكلية الزراعة، وذات يوم حلمت أثناء نومى بأننى أركب عربة حمراء تسير بى فى طريق جميل تحوطه الأشجار والزهور.. ووصلت فى النهاية إلى قصر جميل استيقظت من النوم قبل دخوله!

كان الحلم جميلا لدرجة أننى ظللت طوال اليوم أشعر بالسعادة والفرح وأنا أستعيد تفاصيل الحلم!

وتخرجت فى الكلية وعملت لمدة عام فى أحد المصانع الغذائية ثم سنحت لى الفرصة للعمل بالصحافة.. وأصبحت واحدًا من أسرة تحرير مجلة أكتوبر التى صدر العدد الأول منها فى 31 أكتوبر فى عام 1976 ونشر لى موضوع فى عددها الأول.

ومرت الأيام وسافرت إلى إسبانيا فى عام 1978.. وبعد أن هبطت بنا الطائرة فى مطار برشلونة ركبنا سيارة كبيرة حمراء.. وعندما سارت بنا فى طريقها للفندق الذى سنقيم فيه التفت فوجدت نفس المشاهد التى رأيتها فى الحلم الذى حلمت به وأنا لا أزال طالبا جامعيا.. وعندما وصلت بنا السيارة إلى الفندق وقفت أمامه مذهولا.. كان الفندق هو نفس القصر الذى رأيته فى الحلم والذى استيقظت قبل دخوله!

لكن كل هذه الرحلات التى قمت بها قمت بأجمل منها وأنا طفل صغير.

سافرت بخيالى كثيرًا قبل أن أسافر فعليا.. كانت البداية هى حلقات ألف ليلة وليلة التى كانت تذاع دائمًا فى شهر رمضان وفى وقت متأخر.. وكان والدى رحمه الله يمنعنى من السهر فكنت أذهب لفراشى وأتظاهر بالنوم حتى يحين موعد إذاعة الحلقة فأسمعها وأنا مبهور أسافر مع أبطال الحكايات الخرافية وأرى ما يروه وأعيش نفس الأحداث التى تصادفهم.

وعندما كبرت قليلا وأصبحت أجيد القراءة والكتابة سافرت مع السندباد فى رحلاته الخيالية.. وكبرت أكثر فقرأت قصص جاليفر وسافرت معه إلى بلاد الأقزام وإلى بلاد العمالقة.

وقرأت كتبا عن رحلات الكثير من الرحالة والمكتشفين.. مثل ماجلان وجيمس كوك وغيرهما.

ثم التقين بالأستاذ أنيس منصور من خلال كتابه الشهير حول العالم فى 200 يوم.

كان الكتاب ممتعا لأقصى درجة وقد قمت بقراءته أكثر من مرة وزرت مع الأستاذ أنيس منصور كل البلاد التى زارها.

وعندما عملت بالصحافة وقع فى يدى كتاب من أمتع كتب الرحلات.

كان المؤلف هو عبد الرحمن حمدى الشقيق التوأم للممثل الشهير الراحل عماد حمدى.

المثير أن شقيق عماد حمدى بدأ التمثيل قبل شقيقه.. فقام بدور البطولة أمام أم كلثوم فى فيلم بعنوان "عايدة" لكنه هجر التمثيل واشتغل بوزارة الزراعة.. بعدها أدى الامتحانات الخاصة بوزارة الخارجية فالتحق بالسلك الدبلوماسى وأصبح سفيرًا فى عدد من الدول، منها فنلندا وساحل العاج.

وكتب السفير عبد الرحمن حمدى كتابا عن رحلاته العديدة لم أقرأ أمتع منه ولازلت أذكر الفصل الذى تحدث فيه عن زيارته إلى مدينة بومبى الإيطالية وهى غير بومباى الهندية.. ويصف السفير عبد الرحمن ما يراه فقال إنه رأى تماثيل حجرية لعدد كبير من البشر.. وعرف أن هذه التماثيل كانت عبارة عن بشر.. بشر حقيقيون فأحبهم البركان فسقطت فوقهم الحمم فى ثوان فتحجر البشر.. والغريب أنهم تحجروا بنفس الشكل والهيئة التى كانوا عليها قبل أن تهبط عليهم الحمم البركانية.. وأظن أنها آية من آيات الله.

هكذا سافرت قبل أن أسافر.. سافرت بكتب الرحلات قبل أن أسافر فعليا.. واكتشفت أن كتب الرحلات أكثر متعة من السفر فعليا.. اكتشفت أن الخيال أجمل من الواقع.. صدقونى!

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2