لم يكن مفاجئا فشل مفاوضات سد النهضة، بعد جولات مريرة من المفاوضات استغرقت أكثر من عقد من الزمان، كان الفشل هو المحصلة النهائية فى كل جولة من جولات التفاوض، والسبب غياب الإرادة السياسية الإثيوبية في الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل السد، ف إثيوبيا لا تريد اتفاقا، بل تريد فرض أمر واقع على القاهرة.
السد الإثيوبى تحول مع مرور الزمان وانسداد الأفق في الوصول إلى حلول مرضية، إلى ما يشبه كرة النار التي تنذر باشتعال الأوضاع في منطقة القرن الإفريقى الهشة بالفعل، والسبب هي المراهقة السياسية الإثيوبية والإصرار على دفع الأمور إلى الهاوية وتفجير الأوضاع، من أجل خدمة أجندات إقليمية ودولية، فى إطار دور أديس أبابا كدولة وظيفية، فالسد الإثيوبى يخدم أجندات إقليمية.
الصراحة تقتضى القول أن القاهرة انتهجت سياسة الصبر الاستراتيجي، ورفعت شعار حق إثيوبيا فى التنمية مع حق مصر فى الحياة، وقدمت الكثير من الأفكار والحلول المرنة من أجل إنجاح المسار التفاوضي، وتجنب سياسة الخشونة، لاسيما مع الانفتاح الكبير فى العلاقات المصرية الإفريقية، وتعلم الدرس من سنوات الجفاء فى العهود السابقة، واستعادة الدور الإفريقى، باعتباره أحد دوائر الأمن القومى.
الحقيقة التى لا تقبل الجدال أن السد الإثيوبى هدفه سياسي أكثر منه اقتصادي، والإثيوبيون يحملون صورة سلبية عن مصر، والعقل الجمعى هناك ينظر إلى القاهرة نظرة الطامع فى ثرواتهم ، وقادت أديس أبابا حلفا من دول المنابع ضد القاهرة، بحجة رفض الحصص التاريخية من مياه النيل، وإعادة تقسيم المياه بشكل منصف وقانونى بين دول الحوض، فيما سمى وقتها باتفاقية "عنتيبى"، والذى واجه رفضا مصريا سودانيا.
إثيوبيا تعاند حقائق الجغرافيا وترفض فكرة سريان النيل من الجنوب إلى الشمال، وترى فى ذلك سرقة لثرواتها الطبيعية، كما ترفض حقائق التاريخ ويوجعها الدور المصري الريادي المؤثر في القارة الإفريقية، وتريد أن تكون صاحبة القرار الإفريقى، وترى في السد مخرجا لأزماتها الاقتصادية ومخلقا لنفوذ سياسي كبير، فهي تضع كل أزماتها في سلة سد النهضة.
أعتقد أن المرحلة المقبلة، لاسيما مع الولاية الرئاسية الجديدة للرئيس السيسى ، تتطلب اتخاذ موقف أكثر حسما مع الجانب الإثيوبى، ولعل تدويل القضية مرة أخرى قد يكون مخرجا، وانتهاج كافة الطرق القانونية والدبلوماسية، كأحد أوراق الضغط على الإثيوبيين لإجبارهم على التوقيع على اتفاق ملزم لا يضر بمصالح مصر المائية.
لا ننكر أن سد النهضة يحجز وراءه المليارات من المياه التي تشكل هاجسا للمصريين، وفى ذات الوقت وراءه لوبي دولي سياسي يحمل أجندات كريهة، والمطلوب تفكيك الأجندات وانتهاج سياسة خلق المصالح، والمطلوب من القاهرة إظهار العين الحمراء، وانتهاج سياسة أكثر صرامة للحفاظ على حقوق مصر التاريخية، وعرقلة أى تطلعات إثيوبية للانفراد بالنيل الأزرق، وجعله بحيرة إثيوبية.