لم يصادفنى فى الإعلام العربى برنامجًا أو عملا وثائقيا يناقش بشكل معمق، الكيفية التى سيطر بها اليهود على "دماغ" الغرب، وزرع فيها مفاهيمهم الخاصة التى أفضت فى النهاية إلى مساندة فكرة "الصهيونية"، ودعم إسرائيل دولة اليهود فى فلسطين.
ومنذ نهايات القرن الـ 19، ومع العمل المنظم والدؤوب للحركة الصهيونية نحو إنشاء وطن قومى يجمعون فيه يهود العالم، سعى المغامرون اليهود والماليون، والتجار منهم إلى اختراق صناعة الترفيه والإعلام، ليس فقط سعيا للربح، ولكن أيضا سعيا لامتلاك أداة المستقبل التي ستمكنهم من اختراق حصون أعدائهم، عبر تحييدهم على الأقل، ثم اكتساب ثقتهم وصولا إلى السيطرة.
وهذا استلزم سيطرة من نوع آخر وهى سيطرة مادية على المؤسسات الإعلامية، ونجحوا فى أن يمتلكوا شركات الإعلانات أولا، ونفذوا من خلالها إلى الصحف، وشركات الإنتاج والتوزيع، والبث الإعلامى، والإعلان جزء مهم من أرباح هذه الشركات، وميزانيتها، ما مكنهم مع الوقت فى التحكم بمصائر هذه الوسائل والشركات، وبالتالى التأثير على المحتوى الذي تقدمه.
وشرعوا فى إنتاج المحتوى الإعلامى المواتى الذى يترجم أهدافهم، وأولها وأهمها تغيير الصورة الذهنية "النمطية" عن اليهود، هذه الصورة التى أبرزها شكسبير مثلا فى مسرحيته "تاجر البندقية" وبطلها التاجر اليهودى الشرير "شيلوك" الذى يجتمع فى شخصه مفاهيم العصور الوسطى الأوروبية عن اليهودى المرابى الجشع الذى يكره المسيحى ويصل الأمر به إلى أن يعجن فطيرة الفصح بدمه فى طقس احتفالى، يرضى به"رب اليهود" إلى آخره.
وركز إعلام اليهود الطامح خلال القرنين التاسع عشر والعشرين على مفهوم "القيم اليهودية النبيلة" وذلك من خلال إبراز إنجازات اليهود ومساهماتهم فى المجتمعات الأوروبية، وإبراز معاناتهم ومظلوميتهم عبر التاريخ.
ومن خلال الاستراتيجيات، التى أسس لها اليهود وصلوا إلى الامتلاك والسيطرة على مجموعات الإعلام الكبرى فى أمريكا وأوروبا مثل الشبكات الإخبارية الأمريكية: "سى إن إن"، و"فوكس نيوز"، "إيه بى سى" الأمريكية، و"بى بى سى" البريطانية.
كما امتلكوا عددًا من شركات الإنتاج السينمائى والتلفزيونى، الضخمة مثل "وارنر براذرز" و"يونيفرسال ستوديوز" و"سونى بيكتشرز"، وأنتجوا من خلالها أفلاما ومسلسلات تروج لصورة أسطورية، عن الشخصية اليهودية، من خلال أفلام مثل: "سائق السيدة ديزى" إنتاج الثمانينيات من القرن العشرين، وفيلم: "لا لا لاند" الذى فاز بجائزة الأوسكار عام 2017، وفيلم "التاريخ السرى لولاية أوهايو" الذى فاز بجائزة الأوسكار عام 2018، ومسلسل "ذا هود" الذي عرض على قناة "HBO" الأمريكية.
ونستطيع أن نقول إن اليهود نجحوا فى تغيير النظرة التاريخية عنهم فى الغرب على الأقل، وتحولوا من عنصر بشرى مكروه، إلى "عنصر" مميز ينتج المفكرين والمبدعين والمساهمين فى تقدم المجتمعات، بل وأبطال ينقذون البشرية من الهلاك والدمار " راجع فيلم يوم الاستقلال ".