نعم.. ليس كل من لف العمامة شيخا، ولا كل من ركب الحصان خيالا.
فالمذكرات الشخصية يجب أن تكون جادة وصادقة حتى ترقى لمستوى "شهادة" صاحبها على عصره.
وقد قرأت الكثير من المذكرات لشخصيات عامة ومسئولين فلم أجد أصدق ولا أمتع من السيرة الروائية التى كتبها الصديق د. مختار خطاب وزير قطاع الأعمال الأسبق عن حياته!
حيث استحضر المكان والزمان الذين جرت فيهما أحداث حياته، وعاشها مرة أخرى وكأنها مازالت تجرى على خشبة مسرح الحياة الحالية، وروى لنا كل ما شاهده أو شارك فيه أو جرى له بكل صدق وشفافية وكما جرى بالفعل دون إساءة أو إشادة، لأحد أو بأحد!
حكى د. مختار خطاب بداياته فى قرية شيبة النكارية مركز الزقازيق - محافظة الشرقية ، واصفا حال الريف المصري فى فترتى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى.
ومن حُسن التصوير للأوضاع ومن صدق التعبير عنها، يتخيل لكل من يقرأها من أبناء الريف المصرى - ومن ذات الجيل – كأنها بداياته.. مع اختلاف الأسماء والأماكن!
وأطرف هذه الاختلافات يتلخص فى واقعتين؛ الأولى أن الطفل مختار استدرج للانضمام لجماعة الإخوان فى قريته فى نهاية الأربعينيات، وشارك بالفعل فى معسكرات للتدريب على استخدام السيف وإطلاق النار فى إحدى الإجازات الصيفية من المدرسة، ولكن والده تنبه لما يجرى وأنقذه من سوء المصير، خاصة لو علم القارئ أن د. مختار وأغلب عائلته هواهم "ناصري " ومن البداية وحتى الآن!
والثانية أنه اختصر ثلاث سنوات دفعة واحدة فى مراحله التعليمية، وحصل على شهادته الإعدادية ولم يكن عمره يتجاوز وقتها 12 عاما، وعندما أكمل تعليمه كان أصغر دفعته عندما حصل على بكالوريوس التجارة عام 1956.
ورواية ابن الخطاب - كما يحلو له أن يصف نفسه فى صفحاتها - ممتعة فى قراءتها لأسلوبها الأدبى الرشيق ولكن بدون محسنات بديعية، فضلا عن كشفها للكثير من التفاصيل التى غابت عن البعض مما عاصروا تلك الفترة، وكنت أحدهم!
والطريف أن د. مختار يعتقد كثيرًا فى تصاريف القدر، والتى أسماها "المعجزات الصغرى" والتى لم تكن تحدث إلا بإرادة الله، حيث لعبت هذه "المصادفات" والتصاريف القدرية دورًا كبيرًا فى حياته.. وأغلبها كان فى صالحه.
والمذكرات.. عبارة عن "رواية حياة" عن سنوات الدراسة والتدرج فيها وفترات العمل فى كل من الجزائر وليبيا وفرنسا وأمريكا والسعودية ولمدة تصل إلى 22 عاما، وتنتهى بحفظ النيابة العامة لكافة البلاغات التى قدمت فى وزير قطاع الأعمال العام قبل يناير 2011، أما حكاية "تشابه الأسماء" وهو عنوان الرواية.. فهى من المحسنات والأفضل تقرأها!