إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: نصيحة.. لا تسافر لندن وباريس!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: نصيحة.. لا تسافر لندن وباريس!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: نصيحة.. لا تسافر لندن وباريس!

*سلايد رئيسى11-9-2018 | 17:41

زرت أكثر من 30 دولة من دول العالم.. أجمل ما أحتفظ به فى ذاكرتى من مشاهد رأيتها خلال رحلاتى لهذه الدول.. مشاهد البشر الذين رأيتهم وتعاملت معهم وراقبت سلوكياتهم وتصرفاتهم.

شاهدت فى الحقيقة الكثير من المعالم السياحية الشهيرة لكن معظمها اختفى وضاع من ذاكرتى.. ورأيت العديد من المناظر الطبيعية الخلابة لكنها اختلطت فى ذاكرتى فلم أعد أتذكر متى وأين وماذا رأيت!

الشىء الوحيد الذى لا يزال ملتصقا بقوة فى ذاكرتى.. البشر وتصرفاتهم وسلوكياتهم.. وكم أعجبنى هؤلاء البشر.. وكم أثار دهشتى الطريقة التى يتعاملون بها والأسلوب الذى يستخدمونه فى صياغة حياتهم.. وكم دفعتنى مشاهد هؤلاء البشر أيضا إلى السباحة فى بحر المقارنة.. البشر عندنا والبشر عندهم.. تصرفاتنا وتصرفاتهم، سلوكياتنا وسلوكياتهم!

على سبيل المثال زرت فرنسا وقضيت فى العاصمة الفرنسية باريس أربعة أيام فرحت أخطط لزيارة أكبر عدد ممكن من معالم باريس الشهيرة ولم يكن من بينها متحف اللوفر فليس بينى وبين فن الرسم أى عمار.. لكننى خشيت أن أعود إلى القاهرة فأسمع من يقول لى.. طبعا زرت اللوفر وتمتعت بأجمل اللوحات العالمية.. فاضطر إلى الكذب وأقول للأسف لم يسمح لى الوقت إلا بأقل القليل.

هكذا ذهبت مرغما لزيارة متحف اللوفر وقررت أن أكتفى بمشاهدة لوحة الموناليزا أو الجوكاندا الشهيرة جدًا والتى رسمها الفنان العالمى ليوناردو دافنشى.. على أن أمر مرور الكرام على اللوحات التى ستقابلنى وأنا فى طريقى لرؤية الموناليزا!

أول ما لفت انتباهى وأنا أسير فى طرقات المتحف وقاعاته هؤلاء الجالسين على المقاعد الأنيقة الموجودة أمام اللوحات المعروضة.

كان هؤلاء يجلسون فى صمت وهدوء يتأملون اللوحات وكأن على رؤوسهم الطير كما يقول المثل!

كان واضحا من ملامحهم أنهم فى حالة صفاء روحى.. يتأملون ويستمتعون.

أثار انتباهى مشهد هؤلاء الجالسين أمام اللوحات بأكثر من اللوحات.. وظللت أتفرج عليهم وأرقبهم حتى وصلت إلى القاعة المعروض فيها لوحة الموناليزا.. وهناك وجدت مفاجأة فى انتظارى..

كان هناك كوردون من الحبال البيضاء الأنيقة واللامعة يلتف حول مجموعة من الأطفال لا يزيد عددهم عن عشرين طفلا ولا تزيد أعمارهم عن ست سنوات.

كان هؤلاء الأطفال جالسين على مقاعد صغيرة وكانوا جميعا يرتدون زيًا موحدًا يوحى بأنهم تلاميذ فى رحلة مدرسية.

كان هؤلاء الصغار يجلسون وقد تركزت نظراتهم على لوحة الموناليزا دون أن يلتفتوا إلى ما حولهم من زائرين.. ولم أسمع لهم ولا للمشرفة التى وقفت بجانبهم أى صوت إلا عندما اقتربت منهم فسمعت المشرفة تحدثهم همسا وتشرح لهم تاريخ اللوحة والفنان الذى رسمها والجوانب الفنية التى تتميز بها اللوحة.

هكذا يعلمون أطفالهم قيم الجمال والحضارة التى تتميز بها بلادهم.. هكذا يعلمون الأطفال كيف تسمع أرواحهم وتسرق مشاعرهم وكيف يكونوا متحضرين مثل آبائهم وأجدادهم!

وعلى الفور تذكرت ما نفعله بأطفالنا وبأنفسنا.

تذكرت كيف نترك أطفالنا فريسة للأفلام السينمائية الرديئة جدًا يتعلمون منها كيف تنشأ وتصبح مواطنا غير صالح!

تذكرت مدارسنا والتلاميذ الصغار المحرومين من كل الفنون.. الرسم والموسيقى وغيرها من الهوايات الفنية.

تذكرت كيف ينشأ أطفالنا محرومين من التمتع بما حولهم من جمال.. إن كان هناك جمال.

وفهمت لماذا ينشأ الإنسان الغربى عموما مواطنًا صالحًا متحضرًا يتمتع بكل قيم الإنسانية.. وكيف ننشأ نحن بدون أن تكون لقيم الحضارة والتحضر والرقى والجمال أى أثر فى نفوسنا.

هكذا رأيت البشر فى فرنسا.. وهكذا رأيت نفس البشر فى إنجلترا!

دخلت محطة مترو الأنفاق فى العاصمة البريطانية لندن.. دخلت أتفرج على أشهر خط مترو فى العالم.. وقفت على السلم المتحرك الطويل جدًا.. راح السلم يصعد بى أنا والواقفين عليه.. لاحظت أن الواقفين ينظرون إلىَّ نظرة غير مريحة.. لم أفهم.. بعد قليل جاء من يقف ورائى وكلمنى بجفاء قائلا عن إذنك.. وتنحيت جانبا فراح الرجل يصعد السلم وهو يتحرك.. وفهمت بعد أن اكتشفت أن كل الواقفين يقفون على يمين السلم ويتركون الجهة اليسرى منه لمن يصعدون أو يهبطون عليه أثناء تحركه لأنهم أكثر استعجالا من الواقفين.

حتى الوقوف على سلم المترو له قواعد وأصول.. والناس تشعر بالضيق من الذين لا يحترمون هذه القواعد والأصول مثلما فعلت بغير قصد!

وبسرعة جاء فى خاطرى مترو أنفاق القاهرة وما يدور داخله وأحسست بالخجل يغمرنى فتوقفت عن المقارنة!

زرت أيضا متحف الشمع.. متحف مدام توسو.. أشهر متحف شمع فى العالم.. قضيت داخل المتحف قرابة الساعتين استمتعت خلالها بكل دقيقة.. رأيت تماثيل لأشهر شخصيات فى العالم.. رؤساء وسياسيين وفنانين وعلماء وغيرهم من الشخصيات الأكثر شهرة على مستوى العالم.

ولم أحتاج لوقت طويل لكى أعرف القواعد والأصول.

السير داخل المتحف والانتقال من قاعة إلى قاعة وفقا للأسهم الإرشادية.. وممنوع الرجوع إلى الخلف حتى لا تضايق السائرين فى طابور.

وتستطيع أن تقف أمام كل تمثال فترة زمنية معقولة تستمتع خلالها برؤية الشخصية الشمعية تكاد تنطق.. إن صح التعبير.

تستطيع أيضا أن تلتقط ما تشاء من الصور مع تماثيل المتحف لكن ممنوع اللمس.

وسوف يلاحظ أى زائر للمتحف أن رواده يتحركون فى هدوء وصمت وبدون أى إزعاج.. وإذا رأى الزائر كل قاعات وتماثيل المتحف وجد الأسهم تقوده نحو باب الخروج!

خرجت من الباب بعد رؤية كل تماثيل المتحف ووقفت أنتظر العربة التى ستقلنى إلى الفندق الذى أقيم فيه.. ووجدت نفسى أسترجع ذكرياتى فى المتحف الزراعى المصرى فوجدت نفسى مشدودًا إلى بحر المقارنة.

المتحف الزراعى فى مصر من أجمل متاحف العالم وهو ملىء بتماثيل تشرح للزائر أسلوب وطريقة معيشة الفلاح المصرى.

كانت متعة الزائرين للمتحف من الصبية والشبان هى ضرب التماثيل على أقفيتهم وتتبارى كل مجموعة أيهم سيضرب التمثال على قفاه بقوة.. أما المتفرجون فيقهقهون عاليا!

فى كثير من الأحيان كان الكبار يفعلون ما يفعله الصبية فتجد الأب يمسك ابنه الصغير فى يده ويتجه معه إلى التمثال المعروض وفجأة تهوى يده بسرعة على قفا التمثال وينظر بعد ذلك بطرف عينه إلى ابنه يبحث فى وجهه عن الشعور بالفخر لأن أبيه قوى وشجاع (!!!)

ووجدت فى أمريكا ما وجدته فى لندن وباريس.. نفس البشر المتحضرين الذين يتمتعون بالرقى والتحضر.

سافرت إلى أمريكا لتغطية الانتخابات الرئاسية أيام جورج بوش الأب.. تسلمنا عند وصولنا إلى العاصمة واشنطن ورقة مطبوعة تحتوى على اللقاءات التى سنقوم بها والأماكن التى سنذهب إليها.. كان الجدول يحتوى على المواعيد بالساعة والدقيقة ليس فقط فى العاصمة واشنطن وإنما فى ست ولايات أخرى.

ولم يحدث طيلة الشهر الذى قضيناه فى أمريكا أن ألغى ميعاد واحد من المواعيد المدرجة فى الجدول الذى تسلمناه.. ولا موعد واحد.

ذهبنا يوما للقاء أحد أعضاء الكونجرس فى مكتبه.. كان موعدنا فى الرابعة مساء فوصلنا قبل الموعد بست دقائق.. وبينما كنت أهم بدق جرس الباب أمسك مرافقنا بيدى وطلب منا الانتظار حتى الساعة الرابعة تماما.. ودخلنا ولم نتعطل فى الدخول لعضو الكونجرس وأجبرنا مرافقنا على الالتزام بالوقت المحدد لزيارتنا.

استرجعت هذه الذكريات بعد أن طلبنى أحد أقاربى بالهاتف المحمول.. وعلى الفور سألنى.. أنت فين يا عم.. باضرب الجرس من نصف ساعة ولم أجد أحدًا.. فأرد عليه آسف جدًا لم أكن أعرف أنك ستزورنى، عمومًا الجايات أكثر.. فيرد هو وكأنه يلومنى على عدم تواجدى لاستقباله.. طيب يا سيدى مع السلامة!

على أية حال الناس تزور بعضها فى مصر بطريقة "نطب عليه".. يقول الأب لزوجته إيه رأيك تعالى نطب على أخويا.. وتقول الأم لأبنائها.. خالتكو وحشتنى تعالوا نطب عليها!

ويكون من الطبيعى بعد استرجاع كل هذه المشاهد ومقارنتها بما نفعله فى مصر أن أتذكر الراحل الجميل بيرم التونسى وهو يقول حاتجن ياريت يخونا مارحتش لندن ولا باريس.

عزيزى القارئ.. نصيحة.. لا تسافر إلى لندن وباريس وأى مدينة أخرى يتمتع أهلها بالتحضر والرقى، فمن الممكن جدًا أن يصيبك الجنون (!!!).

    أضف تعليق

    وكلاء الخراب

    #
    مقال رئيس التحرير
    محــــــــمد أمين
    إعلان آراك 2