أحمد عاطف آدم يكتب: «التنمر» والانشطار السلوكي

أحمد عاطف آدم يكتب: «التنمر» والانشطار السلوكيأحمد عاطف آدم يكتب: «التنمر» والانشطار السلوكي

*سلايد رئيسى12-9-2018 | 13:21

دخلت ولاء إلى فصلها بالمدرسة ، ورغم بساطة حال أسرتها الصغيرة ، لم تتجرد من طموحها الدفين المخبأ بين طيات طفولتها الناعمة في أن تصبح طبيبة ، ولكنها سرعان ما اكتشفت أنها غير مرحب بتطلعاتها الواعدة وسط حقد زميلاتها.

لتدخل دائرة لا تنتهي من الصراعات والتحدي المقود لتركيزها وانتباهها ، فلم تنس يومًا عايرتها مجموعة من الطالبات بطبيعة عمل والدتها بالمنازل للإنفاق عليها وعلي أختيها الأصغر منها بعد وفاة والدها وضيق ذات اليد ، كانت تذهب لمنزلها تصارع شبح العودة في اليوم التالي لمدرستها ورؤية موجة جديدة من التحفيل على براءتها، دفعتها للتفكير في الإفصاح بحقيقة عذابها لأمها، ولكنها فضلت في النهاية عدم إضافة هموم جديدة إلى هموم أعز الناس، وهي التي لأزالت تتذكر أيضا منذ عام مضى عندما كانت بصحبة والدتها في أحد البيوت التي تعمل بها ، وكم المضايقات التي لاقتها من صاحبة المنزل ورغم ذلك صبرت من أجلهم.

الصورة الماضية هي حالة من بين مئات الحالات التي تحدث يوميا بفصول مدارسنا لظاهرة تسمي "التنمر" ، وهي التي يرصد أو يتتبع خلالها فرد أو مجموعة من الأفراد يعرفون بالمتنمرين لفرد بعينه يعرف بالمتنمر عليه ، ثم يتم إيذاءته لفظيا أو جسديا بغرض إهانته عن قصد . وتعد تلك الظاهرة هي من أهم وأعقد الممارسات بالغة السوء والتأثير السلبي المركب على شخصية الأفراد داخل المجتمع وبصفة خاصة أطفال المدارس ، تبدأ من الفصل الدراسي بالمدرسة منذ الطفولة وفترة المراهقة وتمتد ربما لسنوات ، لتترك في النهاية أثرا نفسيا واجتماعيا عميقا ومدمرا.

في الآونة الأخيرة سلطت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسيف" الضوء على تلك الظاهرة وتبعها في ذلك عدة مؤسسات وهيئات محلية كوزارة التربية والتعليم بمصر للتعريف بخطورة الظاهرة على الصحة النفسية والبناء الاجتماعي للأطفال والمراهقين بالمدارس .

والحقيقة التي تتجلى أمامي الآن أنه لا يجب أن نعتبر تلك الظاهرة هي ضمن مجموعة من الظواهر السلبية الكثيرة المتناثرة بمجتمعنا متباين الثقافات وفقط ، بل يجب أن يتخطى الأمر تسليط الضوء الهامشي على اهتمام المنظمات العالمية والمؤسسات المحلية بخطورة تلك الممارسات،

لتصبح لدينا خطة دقيقة ومتكاملة تشمل عده أطراف بدءا من الأسرة مرورا بأطفال المدارس أنفسهم وصولا لمديري ومشرفي العملية التعليمية وكذلك علماء النفس والاجتماع ورجال الإعلام .

فإذا كنت رب أسرة وعاد ابنك من المدرسة شارد الذهن ويميل للانطواء والعزلة وضعف مستواه الدراسي فجأة ، فابحث على الأسباب ، والتي يأتي من ضمنها أن يكون من المتنمر عليهم بصفة يومية ، ككابوس لا ينتهي ويمتد لساعات الدراسة ، وعليه يجب أن تقترب منه أكثر لاستيضاح الأمر ثم تذهب لمدرسته لإقحام مزيدا من الأطراف المعنية بإنهاء معاناته واطمأنته.

وعلى كل الأطراف سالفة الذكر إذا كانت تتمنى توقيف ما اسميه " انشطار الانحدار السلوكي" ، وتلاشي ظواهر تتضاعف يوما بعد يوم ما بين مستشرية ودخيلة ، كالتحرش وزنا المحارم وتبادل الأزواج وتجارة الأعضاء.. إلخ ، يجب أولا تدعيم وترميم سلوكيات براعم المجتمع ، ولنعرف جميعا أن كلا من المتنمر والمتنمر عليه ما هما إلا نماذجا غير سوية ومارقة سلوكيا، فالمتنمر هو ابن المجتمع الحقود متبلد المشاعر والفاشل، والمتنمر عليه هو بالتبعية المهزوز والخاضع والمهزوم.

فإذا أصبح أبناؤكم بين هذا وذاك فلا تنتظرون منهم إلا مزيدا من الانصياع والضياع .

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2