أكد خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن احتفالية العالم برحيل عام مضى، بما يحمله من أفراح وآلام واستقبال عام جديد ينتظرون فيه الأفضل، هو بعث لروح الأمل والتجدد فى غد أفضل، لا علاقة له بدين، ولكن موروثات ثقافية حضارية انتشرت من مصر القديمة إلى العالم أجمع مبعثًا للتفاؤل وتجدد الحياة ومحاربة الشر ليعم الخير على الجميع.
شجرة أوزوريس
ارتبط الاحتفال باستقبال العام الجديد بشجرة عيد الميلاد، التى نشأت من أسطورة إيزيس وأوزوريس، وكيف غدرت بأخيه أوزوريس، الذى كان يبغض فيه جمال وجهه ورجاحة عقله وحمله رسالة المحبة والخير بين البشر فدبر مكيدة للقضاء عليه واتفق مع أعوانه من معبودات الشر على أن يقيموا لأوزوريس حفلًا تكريمًا له، ثم أعد تابوتًا مكسى بالذهب الخالص بحجم أوزوريس، وزعم أنه سيقدمه هدية لمن يكون مرقده مناسبًا له ورقد في التابوت كل الضيوف، ولم يكن مناسبًا لأي أحد حتى جاء دور أوزوريس، فأغلق عليه ست التابوت وألقوه في نهر النيل، وانتقل التابوت من النيل عابرًا البحر المتوسط حتى وصل إلى الشاطئ الفينيقى في أرض ليبانو عند مدينة بيبلوس، وهناك نمت على الشاطئ شجرة ضخمة وارفة الظلال حافظت على التابوت المقدس من أعين الرقباء.
ويتابع الدكتور ريحان، بأنه كان فى بيبلوس ملكة جميلة تسمى عشتروت خرجت لتتريض على الشاطىء فبهرتها الشجرة الجميلة النادرة وأمرت بنقلها لقصرها، وأمّا إيزيس فبكت على أوزوريس وبحثت عنه على طول شاطئ النيل واختلطت دموعها بماء النيل حتى فاض النهر وبينما كانت تجلس بين سيقان البردى في الدلتا همس في أذنيها صوت رياح الشمال تبلغها بأن المعبود أوزوريس ينتظرها على شاطئ بيبلوس فذهبت واستضافتها عشتروت وكانت إيزيس تحول نفسها كل مساء بقوة سحرية إلى نسر مقدس تحلق في السماء وتحوم حول شجرة زوجها أوزوريس حتى حدثت المعجزة وحملت إيزيس بالطفل حورس من روح أوزوريس ورجعت به مصر تخفيه بين سيقان البردي في أحراش الدلتا حتى كبر وحارب الشر وخلص الإنسانية من شرور ست.
شجرة الميلاد من مصر إلى العالم
ويوضح الدكتور ريحان، بأن هذه الشجرة الشهيرة التي احتوت أوزوريس، هي شجرة الميلاد التي طلبت جذورها إيزيس من عشتروت، وأهدتها إليها عشتروت وأمرت حراسها بحملها إلى أرض مصر.
وحينما وصلت أرض مصر طبقًا للأسطورة أخرجت إيزيس جثة زوجها أوزوريس من تابوتها، وقد عادت إليها الحياة وأصبح عيد أوزوريس الذي أطلق عليه بعد ذلك عيد الميلاد نسبة لميلاد حورس من أهم الأعياد الدينية في مصر القديمة، وكان يحتفل به أول شهر كيهك (كا هي كا) أي روح على روح، حيث تنحسر مياه الفيضان فتعود الخضرة للأرض، التي ترمز لبعث الحياة وقد اصطلح المصريون القدماء على تهنئة بعضهم بقولهم (سنة خضراء) وكانوا يرمزون للحياة المتجددة بشجرة خضراء.
احتفل المصريون القدماء بشجرة الحياة التى يختارونها من الأشجار الدائمة الخضرة رمز الحياة المتجددة وانتقلت هذه العادة من مصر إلى سوريا ومنها إلى بابل ثم عبرت البحر الأبيض لتظهر في أعياد الرومان.
وفي بعض الآراء عادت مرة أخرى لتظهر في الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح وشجرة الكريسماس وهي الشجرة التي تحتفظ بخضرتها طول العام مثل شجر السرو وشجر الصنوبر.
شجرة القديس بونيفاس
وأوضح الدكتور ريحان، أن أول ذكر للشجرة في المسيحية يعود إلى عهد البابا القديس بونيفاس (634 – 709م) الذي أرسل بعثة تبشيرية لألمانيا، ومع اعتناق سكان المنطقة للمسيحية لم تلغ عادة وضع الشجرة في عيد الميلاد، بل حولت رموزها إلى رموز مسيحية، وألغت منها بعض العادات كوضع فأس وأضيف إليها وضع النجمة رمزًا إلى نجمة بيت لحم غير أن انتشارها ظلّ في ألمانيا ولم يصبح عادة اجتماعية مسيحية ومعتمدة في الكنيسة إلّا فى القرن الخامس عشر الميلادي، حيث انتقلت إلى فرنسا وفيها تم إدخال الزينة إليها بشرائط حمراء وتفاح أحمر وشموع، واعتبرت الشجرة رمزًا لشجرة الحياة المذكورة في سفر التكوين من ناحية ورمزًا للنور ولذلك تمت إضاءتها بالشموع وبالتالي رمزًا للسيد المسيح وأحد ألقابه في العهد الجديد "نور العالم".
كما نسبت إضاءة الشجرة إلى مارتن لوثر في القرن السادس عشر الميلادي، ولم تصبح الشجرة حدثًا شائعًا، إلا مع إدخال الملكة شارلوت زوجة الملك جورج الثالث تزيين الشجرة إلى إنجلترا ومنها انتشرت في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وتحولت معها إلى صبغة مميزة لعيد الميلاد منتشرة في جميع أنحاء العالم.
احتفال مصر القديمة
ونوه الدكتور ريحان، إلى الاحتفال في عصر الدولة القديمة وقد اتخذ مظهرًا دينيًا حيث يبدأ بنحر الذبائح كقرابين للمعبودات وتوزع لحومها على الفقراء، كان سعف النخيل من أهم النباتات المميزة لعيد رأس السنة وكان سعف النخيل الأخضر يرمز لبداية العام لأنه يعبر عن الحياة المتجددة كما أنه يخرج من قلب الشجرة، وكانوا يصنعون من السعف أنواع مختلفة من التمائم والمعلقات التي يحملها الناس لتجديد الحياة في العام الجديد.
كما ارتبط عقد القران في مصر القديمة بالاحتفالات ب رأس السنة خصوصًا في الدولة الحديثة حيث كان يعقد فى هذه المناسبة حتى تكون بداية العام بداية حياة زوجية سعيدة، وكان يتم صناعة الكعك والفطائر والتي انتقلت بدورها من عيد رأس السنة لمختلف الأعياد، وقد اتخذ عيد رأس السنة في الدولة الحديثة مظهرًا دنيويًا ليتحول إلى عيد شعبي له أفراحه ومباهجه، حيث يخرج المصريون إلى الحدائق والمتنزهات والحقول يستمتعون بالورود والرياحين وإقامة الحفلات ومختلف الألعاب والمساباقات ووسائل الترفيه تاركين وراءهم متاعب حياة العام الماضى وهمومه وكانت الأكلات المفضلة في عيد رأس سنة هي بط الصيد والأوز الذى يشوى فى المزارع والأسماك المجففة.
كما كان يصاحب العيد كرنفال للزهور ابتدعته كليوباترا ليكون أحد مظاهر العيد عندما تصادف الاحتفال بجلوسها على العرش مع عيد رأس السنة وعند دخول الفرس مصر احتفلوا مع المصريين بعيد رأس السنة وأطلقوا عليه عيد النيروز أو النوروز وتعنى بالفارسية اليوم الجديد وقد استمر احتفال المسيحيين بعد دخول المسيحية إلى مصر بهذا اليوم وفي العصر الإسلامي استمر الاحتفال به كعيد قومي حتى العصر الفاطمي ثم أصبح حديثًا احتفالًا عالميًا مدنيًا لا علاقة له بأى دين.
احتفالات العالم
ونوه الدكتور ريحان، إلى احتفالات رأس السنة في مصر حاليًا وتميزها بطابع خاص حيث تعد موسمًا سياحيًا للسياحة المحلية والإقليمية والدولية وتصبح كل فنادق مصر كاملة العدد لحرص هذه الفنادق على تقديم الجديد كل عام وتنظيم احتفالية رأس السنة بطابع مصري يحييها كبار الفنانين مع الفنون الشعبية المتنوعة في مصر من الفن السيناوي والمطروحي والنوبي ومدن القناة ويخرج المصريون إلى الميادين العامة في ليلة رأس السنة يسهرون حتى صباح العام الجديد.
وفي دبي، يتم احتفال رسمي بوضع الألعاب النارية في منطقة شاطئ جميرا (بما في ذلك برج العرب) وأطول مبنى في العالم مع استضافة كبار نجوم الغناء والموسيقى من الدول العربية وفي لبنان وسوريا يحتفلون بـليلة رأس السنة بعشاء يحضره الأهل والأصدقاء يحتوي على أطباق تقليدية مثل التبولة والحمص والكبة وغيرها من الأطعمة السورية، وفي الجزائر يتم الاحتفال بها في أكبر المدن مثل الجزائر وقسنطينة وعنابة ووهران وسطيف وبجاية وتشتمل على حفلات موسيقية وألعاب نارية ويتم تناول نوع خاص من كعكة المعجنات يسمى 'la bûche' الناس يأكلونه قبل بضع دقائق من العد التنازلي للسنة الجديدة، وفي المغرب يحتفلون بها في المنازل والبعض يذهب للملاهي وتستمر الألعاب النارية عبر عين الذئاب في كورنيش الدار البيضاء.
ويتزامن ذكرى وفاة القديس والبابا سلفستر الأول مع عشية رأس السنة الميلادية الجديدة في الكنائس المسيحية الغربية، حيث تتميز الاحتفالات بعيد القديس سيلفستر بالتردد على الكنيسة خلال قداس منتصف الليل، ويُطلق على هذه الليلة في بعض البلدان خصوصًا في أوروبا الوسطى اسم ليلة القديس سلفستر وذلك بسبب المصادفة فقط، ومن هذه البلاد النمسا والبوسنة والهرسك وكرواتيا وجمهورية التشيك وفرنسا وألمانيا والمجر وإيطاليا وليختنشتاين ولوكسمبورغ وبولندا وسلوفاكيا وسويسرا وسلوفينيا.
ويشير الدكتور ريحان، إلى احتفالات رأس السنة فى اليونان وقد احتفل معهم أثناء دراسته للآثار البيزنطية بجامعة أثينا حيث يتم إعداد أكبر شجرة لعيد الميلاد في اليونان كلها من بداية شهر يناير في ميدان سيندغما أشهر ميادين أثينا أمام البرلمان اليوناني وتصبح مزارًا سياحيًا يحرص الجميع على زيارتها من اليونانيين والجنسيات المختلفة، حيث يلتقطون الصور التذكارية بالميدان وفي ليلة رأس السنة يجتمعون بالميدان ويظلون حتى الساعة الثانية عشر وتغلق كل الطرق حولها ومع إعلان بداية العام الجديد تنطلق الألعاب النارية التي تدوي في كل أنحاء أثينا ويلمع بريقها فى سماء أثينا، وفي صباح يوم 31 ديسمبر، يطرق بابك مجموعات جميلة من الأطفال يغنون لك أغنية عيد الميلاد ثم تعطيهم نقودًا يجلس بها الأطفال في المساء والأيام التالية فى أكبر مطاعم أثينا، كما تقام وجبة العشاء التقليدية العائلية في المنازل، حيث يقوم الناس بطهي فطيرة اسمها "فطيرة بيل" وهي كعكة بنكهة اللوز يتناولونها عند منتصف الليل.