إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: العسل المُر!

إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: العسل المُر!إسماعيل منتصر يكتب «خواطر حرة جدا»: العسل المُر!

*سلايد رئيسى19-9-2018 | 19:08

أين ذهبت الرومانسية؟.. أين ذهب الشعر الحرير الذى كان يهفهف على الخدود ثم يعود فيطير؟.. أين ذهبت الفساتين التى كانت ترقص فرحا على قدميه؟! أين أشعار كامل الشناوى ونزار قبانى؟.. أين قصص يوسف السباعى وعبد الحليم عبد الله؟.. أين ذهبت نادية التى أحبت الطبيب الجراح أو الجزار كما كان صديقه يسميه؟.. أين ذهب الضابط الممشوق القوام ابن الجناينى الذى أحب البرنسيسة ذات الشعر الذهبى؟ أين ذهبت دموع الفتيات التى كانت تتساقط وهن يشاهدن المشاهد الغرامية الملتهبة فى الأفلام المصرية والأجنبية؟.. أين ذهب روميو وجوليت وقيس وليلى وغيرهما من الثنائيات الخالدة؟ أين اختفى مجلسنا على شاطئ النيل.. وأين ضاع الحب الذى كان يتسم بأنه أسمى معانى الغرام لأنه حب بلا أمل؟.. أين ذهب الطفلان اللذان كانا يعدوان حتى يسبقا ظلهما؟!.. أين ذهب الحب الذى ظلمه الناس وقالوا عليه مش عارف إيه؟! أين ذهب الحب؟! فى الستينات كانت هناك أغنية هندية شهيرة يقول مقطعها.. لا عاد الصديق صديقا ولا عاد الحب كما كان.. هل ضاع الحب واختفى؟.. هل تغير وتغيرت مفاهيمه؟.. هل ضاع الحب الذى كنا نعرفه وأصبح هناك حب آخر تختلف مقاييسه عن مقاييس الحب الذى كنا نعرفه؟ هل تطور مفهوم الحب كما تطورت الدنيا وتطور العالم فى الخمسين سنة الأخيرة؟ الذى أعرفه أن الحب زمان كان جميلا رائعا! كان الشاب يتردد عشرات المرات قبل أن يبوح لمن أحبها قلبه بالحب.. وكانت الفتاة ترتجف ويحمر وجهها خجلا وتبتسم نصف ابتسامة لكى تعرف حبيبها أنها تبادله الحب! كانت النظرات وأحيانا الابتسامات هى الوسيلة الوحيدة التى يستخدمها المحبون للتعبير عن الحب. كانت الفتاة ترتجف إذا اختلس منها حبيبها لمسة سريعة أو أمسك بيدها لحظات قليلة! وإذا كان الحبيب من سعداء الحظ الذين تسمح لهم الظروف بلقاء من يحبون لمدة ساعة أو ساعتين.. ظل الحبيب قبلها بأسبوع يحلم بهاتين الساعتين! وكان أقصى ما تمنحه الفتاة لحبيبها قبلة تبعث له بها على أطراف أناملها وأحيانا خصلة من شعرها كان الحبيب يحتفظ بها فى مكان أمين يخرجها منه بين الحين والحين ليتطلع إليها ويلمسها برفق ويشم رائحتها فيعيش لحظات مع من يحب! كان الناس يحبون الحب (!!!) سمعت الكاتب الصحفى الراحل مصطفى أمين يروى قصة أول حب فى حياته.. بنت الجيران. قال مصطفى أمين إنها كانت تنظر إليه من وراء ستارة شباكها وأنها كانت تودعه بنظراتها عندما يخرج من منزله كل صباح وتنتظره عند عودته كل مساء! ويحكى مصطفى أمين عن سعادته البالغة بحب بنت الجيران التى تهتم به كل هذا الاهتمام وتبادله الحب.. لكن اكتشف فى النهاية أن بنت الجيران التى تحبه والمختفين دائما وراء ستارة الشباك ليست إلا قلة ماء (!!!) هل شعر مصطفى أمين بالصدمة؟ هل أصيب بخيبة أمل؟.. هل سخر من نفسه؟.. ربما.. لكنه اكتسب أوقاتا من السعادة عاشها قبل أن يكتشف حقيقة من يحب.. ثم إنه تعلم من قلة الماء الجميلة أول دروس الحب! ويبدو أنه لم يعد هناك وقت للحب.. ويبدو أيضا أنه لم يعد هناك معنى للحب! تبحث الفتاة عن شاب تتزوجه تكون أول مواصفاته الثراء فهى لا تعترف ولا تطيق أن تتزوج بشاب تكافح معه ويبنيان سويا بيتهما.. طوبة من ذهب وطوبة من فضة؟.. فإذا وجدت الفتاة من تبحث عنه أو وجد الشاب من يبحث عنها.. يتم الزواج خلال شهور قليلة.. ويعيش الإثنان خلال هذه الشهور وكأنهما زوجين (!!!). ومعظم الزيجات تتم بتعارف الزوجين فى الكافيه الفتاة تجلس تدخن الشيشة والشاب يجلس وسط أصدقائه يحتسى المشروبيات غير البريئة ويدخن سجائر تنبعث منها رائحة المخدرات! ومن المألوف إذا تم التعارف أن تصارح الفتاة من تفكر فى الارتباط به فنقول له بلا أى حرج.. هذه هى حكاية كل الشبان الذين عرفتهم وارتبطت بهم قبلك فهل تصارحنى أنت بسوابقك الغرامية! ولم يعد من شروط الحب والزواج احتفاظ الفتاة بأعز ما تملك.. كانت الفتاة تحتفظ بهذا العزيز الغالى لاعتبارات الشرف ولكى تقدمه لمن أحبها وتزوجها. وهكذا اختفت من القاموس العاطفى عبارة يوسف وهبى الشهيرة.. شرف البنت مثل عود الكبريت. كانت الفتاة تحتفظ بعود الكبريت فإذا حدث واشتعل فى غير وقته تسارع بالبحث عن طبيب يصلح لها هذا الخطأ الشنيع.. ثم حدث أن الصين اخترعت عود كبريت صناعيا تستطيع الفتاة أن تستخدمه بسهولة فتعود عذراء من جديد.. أصبح هذا الموضوع لا معنى له.. عند الفتاة وعند من يرتبط بها ويتزوجها (!!!) فى نفس الوقت لم يعد الشاب ولم تعد الفتاة يعتمدان على أنفسهما فى بناء عش الزوجية إنما أصبحت هذه المسئولية من اختصاص الآباء والأمهات! وانتشرت فى مصر عبارات وأكلشيهات مثل الأنتيم والبوى فريند.. باختصار أصبح الحب سهلا ومتاحا ومباحا بكل سهولة وبدون أى عناء وبمواصفات تختلف كل الاختلاف عن الحب الذى كنا نعرفه. كانت القاعدة المنتشرة داخل المجتمع المصرى هى.. الحب نهايته الزواج.. فأصبحت القاعدة الجديدة هى.. الزواج نهايته الطلاق! إحصائيات الطلاق فى مصر أصبحت مرعبة وتؤكد أن هناك خللا جسيما فى علاقة الرجل بالمرأة. الإحصائيات تقول إن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا فى نسبة الطلاق. فى مصر تتم حالة طلاق كل 4 دقائق!.. أى أن هناك 15 زوجا وزوجة ينفصلان كل ساعة.. وأحسبها بنفسك بعد ذلك لتعرف حالات الطلاق التى تتم كل عام. المهم أن نسبة الطلاق فى مصر ارتفعت من 7% إلى 40%.. أى أن نصف الزيجات تقريبا تنتهى بالطلاق. والمؤلم أن هذه النسبة العالية من حالات الطلاق تختلف وراءها 9 ملايين طفلة وطفل يعيش كل منهم إما مع الأب أو الأم محرومين من العيش فى أسرة طبيعية.. هناك أسباب بالتأكيد لهذه الظاهرة المرعبة قد يكون من بينها الضغوط الاقتصادية أو الخيانة الزوجية التى أصبحت ظاهرة تعكس اختلاط المفاهيم واختلاف القيم وعلاقات العمل التى زادت فيها مساحة الاختلاط بين الجنسين. وقد يكون من بين أسباب الطلاق أن الشبان والفتيات أصبحا لا يتحملان أى أعباء أو معاناة من أجل الزواج ومن ثم فإنه ينطبق عليهم المثل الإنجليزى الذى يقول.. ما يأتى بسهولة يضيع بسهولة. قد يكون سبب ارتفاع نسبة الطلاق كل هذه الأسباب مجتمعة أو يكون هناك أسباب أخرى.. لكن المؤكد أن ضياع الحب وتغير مفاهيمه أصبح سببا رئيسيا فى هذه الظاهرة المرعبة. بعث لى صديق بنكتة على الهاتف المحمول تقول إن الزواج هو الحرب الوحيدة التى ينام فيها الرجل بجانب العدو (!!!) نكتة.. مجرد نكتة لكنها تعبير واقعى عن الحب الذى كنا نعرفه.. فلما تغير أصبح بالنسبة لنا شيئا آخر غير الحب. الحب مثل الغسل له حلاوة لا يعرفها إلا من ذاقها.. ويبدو أن حب هذه الأيام أصبح مثل العسل المُر!

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2