آلام الفلسطينيين في أرض الميلاد

آلام الفلسطينيين في أرض الميلاداحتفال الفلسطينيين بعيد الميلاد

مصر7-1-2024 | 16:43

علي مدار أكثر من 2000 عام لم تشهد أرض فلسطين مثل هذه الأجواء الكئيبة التي تتزامن مع ذكري ميلاد السيد المسيح عيسي بن مريم، ملك السلام، والذي جاء ليحل السلام والتسامح أرض فلسطين وينتقل منها إلي العالم أجمع.

كانت أجراس الكنائس وأشجار عيد الميلاد وأجواء الاحتفالات تسود أرض ميلاد المسيح منذ منتصف شهر ديسمبر من كل عام وتمتد لمنتصف يناير من العام الجديد، وتتواصل ترانيم الميلاد في الكنائس المختلفة للطوائف المسيحية الغربية التي تحتفل بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، والكنائس الشرقية التي تحتفل بعيد الميلاد المجيد في 7 يناير، وفي القلب منها كنيسة المهد و كنيسة القيامة وكنائس بيت لحم و القدس ، تلك الأماكن التي شهدت بالفعل ميلاد الطفل عيسي بن مريم واستقبلته وأمه السيدة العذراء مريم.

لكن هذا العام، استبدل الفلسطينيون أصوات أجراس الكنائس بأبواق سيارات الإسعاف التي تنقل جثامين ضحايا العدوان الإسرائيلي الغاشم علي غزة والضفة لتستقر التوابيت في ساحات الكنائس في نفس الأماكن التي تشهد كل عام أشجار عيد الميلاد.

لقد بدا كأن ملك اليهود هيرودس، قد عاد من جديد متلبسًا جسد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليشن حربًا شعواء جديدة ضد أطفال فلسطين الذين سقطوا شهداء ولم ينجحوا في الفرار كما فعل الطفل عيسي بن مريم وأمه منذ آلاف السنين.

توابيت الشهداء

أشجار عيد الميلاد هذا العام في القدس و بيت لحم تم استبدالها بمجسمات لتوابيت الشهداء وأخري للطفل يسوع المسيح حزينًا، يكاد يبكي علي حال أطفال فلسطين بل كل الشعب الفلسطيني الذي سقط منه خلال أقل من 100 يوم ما يقترب من 25 ألف شهيد بينهم أكثر من 10 آلاف طفل و7 آلاف امرأة، كما اتخذ مسئولو الكنيسة في القدس وبلدية بيت لحم قرارًا بعدم تنظيم أي احتفال غير ضروري بعيد الميلاد تضامنًا مع سكان غزة، إذ تم الاكتفاء بمجيء بطريرك القدس لإقامة قداس منتصف الليل التقليدي، عشية عيد الميلاد، كما فُرضت قيود علي الوصول إلي المدينة من سلطات الاحتلال، بعد أن كانت الكنيسة تعجّ بآلاف المصلين من جميع أنحاء العالم، ولم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بمنع الفلسطينيين من الاحتفال بعيد الميلاد، بل دمّر 3 كنائس في غزة منذ بدء طوفان الأقصي، صبيحة 7 أكتوبر 2023، هي: الكنيسة المعمدانية التي تُعد الوحيدة لطائفة المسيحيين البروتستانت، والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، المعروفة باسم كنيسة القديس برفيريوس، وكنيسة العائلة المقدسة للاتين.

وخلت شوارع وأحياء بيت لحم، مهد ميلاد المسيح، من حشود الحجاج والزوار في موسم تعده الغالبية مصدر فرح وأمل بأن يعم السلام العالم وتعود الحياة إلي مختلف القطاعات الحياتية في المدينة.

ويعد المسيحيون في قطاع غزة من أقدم المجتمعات المسيحية علي الأرض، إذ بالقرب منهم بدأ السيد المسيح يدرس لتلاميذه تعاليم الديانة المسيحية ثم انطلقوا من بعده ليبثوا تعاليم المسيح في شتي بقاع الأرض، ولقد كان قطاع غزة يحتضن أكثر من 3 آلاف مسيحي يعيشون إلي جانب إخوانهم المسلمين، إلا أن الحصار الإسرائيلي للقطاع، أدي إلي تراجع أعدادهم إلي حوالي 1000 شخص في السنوات الأخيرة بسبب «الظروف غير الإنسانية» التي يعاني منها سكان غزة، وبعد أحداث 7 أكتوبر 2023 انخفض عدد المسيحيين بالقطاع لأقل من 800 شخص بعد مقتل حوالي 25 منهم في استهداف للكنائس وبيوت الخدمة الملحقة بها ولمنازلهم في العدوان الإسرائيلي الغاشم علي غزة، كما نزح أكثر من 175 مسيحيًا غزاويًا خارج القطاع.

إيقاظ ضمير العالم

وفي محاولة لإيقاظ ضمير العالم وحث المجتمع الدولي للقيام بدور فعال تجاه وقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي علي غزة، الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي أو بين مسجد أو كنيسة، أنشأت بلدية بيت لحم مغارة «الميلاد تحت الأنقاض» وتضم مجسمات للعذراء مريم ويوسف النجار والطفل يسوع وقد اتشحوا جميعًا باللون الأسود، وسط شموع وصلوات في ساحة كنيسة المهد، كما أحاطت ساحة المغارة بأسلاك شائكة، لتقول للعالم أجمع إن فلسطين مهد ميلاد المسيح قد ودعت هذا العام الأجواء المبهجة وأضواء عيد الميلاد التي تزيّن الساحة كل عام.

ويمثل المجسم الذي نفذه الفنان الفلسطيني طارق سلع مغارة الميلاد وسط ما بدا أنه منزل مدمر، وأطلق عليه (الميلاد تحت الأنقاض) في إشارة رمزية للدمار الذي يشهده قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل، إضافة إلي تماثيل لعائلة فلسطينية في أثناء النكبة.

وقال حنا حنانيا، رئيس بلدية بيت لحم، خلال حفل افتتاح العمل الفني «هنا غزة حاضرة، فالمغارة ليست عادية فهي مدمرة بفعل القصف، بين جدرانها تحتضن العائلة المقدسة من خلال شكلها الذي يماثل خريطة غزة، والأطفال الذين ارتقوا شهداء كالملائكة تنظر من السماء».

وأضاف: «ضوء المغارة هنا خافت جدًا بسبب القصف والموت، وفي الوسط تحتضن مريم العذراء الطفل يسوع، معلنة الحياة الجديدة للبشرية جمعاء».

عام استثنائي

وتابع: «كل شيء استثنائي هذا العام، إذ يحلّ عيد الميلاد المجيد في ظل ظروف صعبة جدًا، راح ضحيتها الآلاف بين شهيد وجريح وتشريد المواطنين في غزة».

وأضاف: «بيت لحم، ولأول مرة لا تضاء شجرة الميلاد، ولن تضاء شوارع بيت لحم، وسيقتصر العيد علي الشعائر الدينية فقط، هو التزام أخلاقي ووطني، فشلال الدم يغيّب أي إمكانية للفرح».

وقالت رولا معايعة، وزيرة السياحة والآثار، في كلمة لها في حفل إضاءة المغارة: «العالم يحتفل بعيد الميلاد المجيد ومدينة الميلاد حزينة كئيبة متألمة، فأطفالها وشبابها ونساؤها ورجالها يعتريهم الخوف والحزن والألم مما يجري، وهم لا يعلمون أين ستصل الأمور؟!».

وأضافت: «مدينة المهد كباقي المدن الفلسطينية محاصرة بالكامل.. مغلقة حزينة لا يستطيع أحد الوصول إليها ولا الخروج منها.. أهلها وشعبها بلا عمل وبلا أمل، نتيجة تعطل وتوقف حركة السياحة الوافدة إليها، التي تشكل عصب الاقتصاد فيها».

ومن جانبه، قال جورج قنواتي، قائد مجموعة كشافة تراسنطة، المجموعة المنظمة لإحياء الشعائر الدينية بأعياد الميلاد، إن 4 مجموعات شاركت وتقدمت دخول موكب البطريرك بتعداد 200 كشاف، ولم تعزف فرق الكشافة لدي دخول بطريرك اللاتين ساحة الكنيسة بسبب الحرب، كما يحدث في احتفالات كل عام، وبدلاً من أن يحمل أعضاء فرق الكشافة الآلات الموسيقية في المسيرة السنوية التقليدية مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد، رفعوا العلم الفلسطيني، ولافتات كُتب عليها بلغات مختلفة عبارات منددة ب العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، وتوسطت اللافتات مقولة للسيد المسيح والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، في مقدمتها «طُوبَي لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ» (متي 5: 9).

كما تضمنت اللافتات التي حملها أعضاء الكشافة جملاً أخري من بينها: «سلام لغزة وأهلها»، و«غزة في القلب»، و«نريد حياة.. لا موت»، و«يريد أطفالنا أن يلعبوا ويضحكوا».

وأضاف أن سكان مدينة بيت لحم، ولأول مرة منذ آلاف السنين لم يبدأوا احتفالات عيد الميلاد بإضاءة شجرة كانت توضع في ساحة الكنيسة، بعلو 8 أمتار تزينها المصابيح، بل اتشحوا بالسواد وعلت وجوهه الأحزان.

وعلي جدار بناء قريب، من «مغارة الميلاد تحت الأنقاض» ظهرت لافتة كتب عليها «أوقفوا الإبادة الجماعية. أوقفوا التهجير القسري. ارفعوا الحصار»، كما تم تعليق لافتة أخري كتب عليها «أجراس الميلاد في بيت لحم تدعو لوقف إطلاق النار في غزة».

رسائل حزينة

غابت عن مدينة بيت لحم مظاهر الاحتفال بـ «عيد الميلاد»، الأحد، مقارنة بما جرت عليه العادة خلال السنوات الماضية، فلم توضع شجرة الميلاد في ساحة كنيسة «المهد»، ولم تعزف فرق الكشافة لدي دخول بطريرك اللاتين بييرباتيستا بيتسابالا ساحة الكنيسة، بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل علي قطاع غزة.

أما بطريرك اللاتين «بييرباتيستا بيتسابالا» فقال عقب وصوله إلي ساحة كنيسة «المهد» التي بدت خالية إلا من بضع عشرات من المواطنين: «هذا عيد ميلاد حزين جدًا.. مثلما رأينا لا توجد أجواء للسلام، لأننا في حرب رهيبة، ونعبر عن تعاطفنا مع أهالي غزة، جميع أهالي غزة، وعلي وجه الخصوص المجتمع المسيحي في غزة الذي يعاني، وأنا أعلم أنهم ليسوا وحدهم من يعاني.. هناك أكثر من مليوني شخص يعانون التشريد والجوع في ظروف لا يمكن تحملها».

وأضاف البطريرك: «نحن هنا للصلاة، وأيضًا ليس فقط من أجل المطالبة بوقف إطلاق النار، إنما من أجل وقف الأعمال العدائية والمعاناة وطي هذه الصفحة، لأن العنف لا يولد إلا العنف»، وأوضح أن «رسالة الميلاد هي السلام وليس العنف.. السلام العادل لكل الفلسطينيين الذين انتظروا طويلاً دولتهم وحريتهم».

وتابع: «نحن هنا للصلاة من أجلهم، ومن أجل السلام وللمطالبة بأن يكون وقف إطلاق النار دائمًا، من أجل توفير كل ما هو ضروري ليس فقط لحياة مليوني فلسطيني في قطاع غزة إنما للجميع في كل أرجاء فلسطين».

وأضاف: «في هذا التوقيت علينا أن نكون متحدين، وهذا مهم.. العدو يريد لنا الانقسام.. والشيطان يريد لنا الانقسام.. لكن يجب علينا أن نكون متحدين.. قوتنا في الاتحاد.. مسيحيين ومسلمين.. وأقولها لكل الفلسطينيين.. الاتحاد أمر ضروري حتي تعملوا معًا من أجل الحقوق والكرامة وإنهاء الاحتلال، لأن هذا هو أصل المشكلة».

وعبَّر البطريرك عن أمله في أن يكون «عيد الميلاد في العام المقبل مليئًا بالفرح والحياة والأطفال، لأن عيد الميلاد بدون الأطفال ليس عيدًا حقيقيًا».

الطفل يسوع الحزين

ومن جانبها، ألغت البلدية في رام الله كل الاحتفالات بعيد الميلاد، وذكرت في بيان صادر عنها ومجلس الكنائس: «في الوقت الذي يتهيأ فيه العالم لاستقبال أعياد الميلاد المجيدة، نحن هنا في فلسطين أرض المسيح عليه السلام نستقبل الأعياد بمزيد من الألم والمعاناة.. لذا قررنا إلغاء كل احتفالات عيد الميلاد المجيد التي تقام سنويًا في المدينة، واقتصارها علي الخدمات الكنسية بالصلوات والدعاء لأهلنا في غزة».

وفي الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في بيت لحم، استُبدلت شجرة عيد الميلاد بمجسم للطفل يسوع المسيح حزينًا بين قطع أسمنتية كرمز للدمار والحرب، ملتفًا بالكوفية الفلسطينية وأغصان شجرة الزيتون.
وقال القس متري الراهب، راعي كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، «لسنا مستعدين للاحتفال بينما يعاني شعبنا في غزة إبادة جماعية.. هنا في الضفة الغربية، نحزن علي العديد من الشبان الذين يقتلهم الإسرائيليون وغيرهم من المعتقلين يوميًا».

وأضاف: «كل ما نريده في عيد الميلاد الآن هو وقف لإطلاق النار، وقف إطلاق نار مستدام لوقف هذه الفظائع».

وتابع: « بيت لحم أعطت يسوع للعالم، وقد حان الوقت ليمنح العالم بيت لحم وغزة السلام».

ومن جانبه، قال القس منذر إسحق، كاهن كنيسة الميلاد الإنجيلية اللوثرية: «في ظل الحرب وبينما يعيش أطفالنا تحت القصف والركام وبيوتنا مهدمة وعائلاتنا مشردة، نعتقد لو ولد السيد المسيح اليوم سيولد تحت الركام في غزة تضامنًا مع هؤلاء الأطفال، معني الميلاد الحقيقي هو ميلاد المسيح مع المهمشين وتضامنه مع المتألمين والمظلومين».

وأضاف القس إسحق، أن «عاصمة الميلاد» بيت لحم ترسل هذا العام رسائل مختلفة بمناسبة عيد الميلاد: رسالة عزاء للفلسطينيين في قطاع غزة، ورسالة أخري للعالم بأسره لوقف قتل الأطفال والأبرياء ووقف الحرب فورًا.

تغيير الطقوس

وأشار إلي أن مدينة بيت لحم هذا العام ولأول مرة في ذاكرة العديد من السكان، لم يتم نصب شجرة عيد الميلاد في ساحة كنيسة المهد، حيث أقامت الكنيسة خدمات دينية بدون مظاهر احتفالية، وهذا لم يحدث في أي وقت سابق حتي خلال جائحة كورونا التي أصابت مظاهر الحياة في العالم أجمع بما يشبه الشلل.

وأضاف أن احتفالات عيد الميلاد في عيد الميلاد تختلف عن غيرها من المدن الفلسطينية بل عن أي مدينة في العالم أجمع، إذ كان يتم إقامة سوق كبير للعيد ويتم تزيين كل الشوارع، بالإضافة إلي العديد من الاحتفالات والمهرجانات الثقافية والدينية المتنوعة التي تقام في كل أنحاء فلسطين برعاية الكنائس المختلفة، لكن كل ذلك اختفي هذا العام.

كما تم تغيير طقوس استقبال بطريرك كنيسة أوجاع العذراء أو بطريركية الأرمن الكاثوليك داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، والذي كان يقوم بزيارة البلدة القديمة في نهار عيد الميلاد 24 ديسمبر من كل عام إلي بيت لحم، ويتم استقباله بمشهد مهيب تصاحبه مجموعات كشفية واستعراضات موسيقية في الشوارع، كل هذا تم إلغاؤه والبطريرك زار هذا العام بيت لحم فقط لإقامة صلاة العيد من كنيسة المهد، بدون احتفالات صاخبة.

وأشار إلي أنه في الأيام الأولي من ديسمبر من كل عام، يجتمع قادة الكنيسة في بيت لحم لافتتاح موسم ما قبل عطلات عيد الميلاد في حدث عادة ما يكون مقصدا لكثير من الزوار، لكن هذا العام، كما يصف القس إسحق الأوضاع داخل البلدة المقدسة، خلت شوارع وساحات المدينة الجبلية إلي حد كبير وصارت كئيبة تحت شمس الشتاء الجاف.

وأعرب القس إسحق عن حزنه من استمرار العدوان الإسرائيلي علي المدنيين في فلسطين، مشيرا إلي أن العالم يصم آذانه عن المناشدات، ويغمض عينيه عن جرائم الاحتلال، قائلاً: «نتمني أن تكون رسالتنا بإلغاء الاحتفالات قوية وتصل للعالم لكن للأسف حتي الآن جميع مناشدات المسيحيين في فلسطين لرؤساء الدول باءت بالفشل، فلم تلق أذن صاغية لدي أصحاب القرار حول العالم»، لافتا إلي أن «الرسالة التي أرسلتها كنائس بيت لحم للبيت الأبيض للمطالبة بوقف إطلاق النار، أجابت عنها واشنطن بالتصويت بالفيتو في مجلس الأمن، هم يحتفلون بعيد الميلاد في أرضهم، ويشنون الحرب في أرضنا».

كما قرر رؤساء الكنائس المسيحية في القدس المحتلة، علي إلغاء الاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد المجيد، بسبب حرب إسرائيل علي قطاع غزة، في قرار استثنائي، بحسب بيان للكنائس.

وأضاف البيان أن المسيحيين في جميع أنحاء الأرض يعيشون في كل عام، خلال موسم أعياد الميلاد، فرحًا كبيرًا خلال استعدادهم للاحتفال بذكري ميلاد السيد المسيح، وتشمل الاحتفالات، بالإضافة إلي الطقوس الدينية، مشاركة في العديد من الاحتفالات الشعبية وعروض لزينة العيد المضيئة، كوسيلة للتعبير عن الفرح بقرب وقدوم عيد الميلاد.

لكن في ظل الظروف الذي يعيشها الشعب الفلسطيني، فإن بطاركة ورؤساء الكنائس في القدس، وفقا للبيان، يدعون رعاياهم إلي الوقوف في ظل هذه الظروف بصلابة والتخلي عن أي فعاليات احتفالية غير ضرورية، وشجعوا الكهنة علي التركيز أكثر علي المعني الروحي لعيد الميلاد في أنشطتهم الرعوية وشعائرهم الدينية، وأن يتم تركيز جميع الأفكار مع المتضررين من الحرب التي تشنها إسرائيل علي قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، وعواقبها، ومع صلوات قلبية من أجل سلام عادل ودائم علي الأرض المقدسة.

رسالة إلي جميع الكنائس

ومن جانبه، قال المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة بطريركية الروم الأرثوذكس بالقدس، إنه لا يملك أحد صلاحية إلغاء عيد الميلاد، لأنه عيد مهم جدًا في الكنيسة المسيحية سواء حسب التقويم الغربي يوم 25 ديسمبر أو حسب التقويم الشرقي يوم 7 يناير.

وأضاف: «الهدف من القرار ليس فقط إعلان موقف بشأن عيد الميلاد المجيد، بل يهدف أيضًا إلي إيصال رسالة إلي جميع الكنائس المسيحية في العالم بضرورة التضامن مع فلسطين، وأن تصلي من أجل فلسطين في ظل هذه الظروف الصعبة».

وأشار إلي أنها «رسالة موجهة إلي جميع المسيحيين وجميع الكنائس في العالم بضرورة الالتفات إلي فلسطين، الأرض المقدسة وهي مهد المسيحية والبقعة المباركة من العالم التي منها انطلقت المسيحية إلي مشارق الأرض ومغاربها.. المسيحيون في العالم وجميع الكنائس يجب أن يذكروا بيت لحم و فلسطين وغزة علي وجه الخصوص في هذه الأوقات في عيد الميلاد المجيد، فهذا واجب إنساني، وأخلاقي، ومسيحي أيضًا».

كما أعرب الكاهن عيسي ثلجية، الكاهن بإحدي الكنائس الأرثوذكسية في بيت لحم، عن أسفه الشديد، لقيام سلطات الاحتلال بمنع الحجاج المسيحيين من رؤية واقع حياة الفلسطينيين هذا العام، قائلاً: «زيارة الأماكن المقدسة أمر مهم، لكن الأهم هو معرفة كيف يعيش الفلسطينيون وما هو واقع حياتهم اليومية، مع جدران حولهم وكأنهم يعيشون في سجن».

وأشار إلي أن الحجاج المسيحيين من الدول الغربية، يبدون وكأنهم يسيرون داخل إطار وهمي يحدد لهم خطوات تحركهم بالبلدة القديمة ولا يمكنهم زيارة غزة أو حتي التحدث مع أقاربهم أو أصدقائهم من المسيحيين الفلسطينيين خلال فترة الزيارة، مضيفًا: «هذا استكمال للحصار ومنعا لكشف حقيقة ما يحدث من انتهاكات بحق الفلسطينيين أمام الغرب والعالم».

وفي كل عام يتوافد آلاف الحجاج المسيحيين من داخل فلسطين وخارجها إلي بيت لحم، مهد ميلاد السيد المسيح، أواخر شهر ديسمبر من كل عام، احتفالاً بعيد الميلاد، ويزورون البلدة القديمة، التي تعد من أقدم المدن الفلسطينية وتضم العديد من الكنائس القديمة، وتشتهر ببعض المعالم، منها «كنيسة المهد»، وهي واحدة من أقدم الكنائس الموجودة في العالم، وسُميت بذلك نسبة إلي مهد المسيح عليه السّلام الذي وُلد فيها، إذ أقيمت فوق المغارة، التي وضعت بها السيدة مريم، عليها السلام، طفلها عيسي عليه السلام.

كما تعد وتتميز كنيسة المهد بالطّراز الرّوماني أي شبيهةً بالمعابد والهياكل الرّومانية، وتحتوي الكنيسة علي المغارة التي ولد فيها المسيح، وتتزين بالرّخام الأبيض الذي يغطي أرضيات صحن الكنيسة من الدّاخل، ويحيط بالكنيسة التي تقام بها الصّلوات الكثيرة من الأديرة التي تعود إلي مجموعة من الطّوائف المسيحيّة، أما «مغارة الحليب»، فهي مغارة مقدسة لدي الطّوائف المسيحية وتقع علي الجهة الجنوبية الشّرقية لكنيسة المهد، وسُميت بذلك لأنه المكان الذي كانت مريم عليها السّلام ترضع فيه المسيح عليه السّلام، وتحتوي المغارة علي صخرة بيضاء اللون رمز لحليب مريم العذراء.

وضع مأساوي

يروي أحمد بكر اللوح، كبير المراسلين في إذاعة صوت الوطن في قطاع غزة، لـ «أكتوبر» آلام الشعب الفلسطيني بشكل عام وسكان قطاع غزة، في عيد الميلاد المجيد، قائلًا: «عيد ميلاد السيد المسيح يكون له احتفالات ورونقًا خاصًا كل عام في فلسطين؛ لأنها مهد المسيح عليه السلام، حيث يشهد العيد زيارات الأهالي، والأشقاء المسيحيين ل فلسطين من كل مكان، والوصول إلي مدينة بيت لحم، لإحياء الطقوس والشعائر الدينية في ذكري مولده المجيد، إلا أن هذا العام أدي عدوان الاحتلال الإسرائيلي الغشيم علي المدنيين الفلسطينيين، إلي تحول مظاهر الاحتفال والبهجة بالعيد إلي معاناة وحزن شديد، فقدان الأهل والدمار الشامل في قطاع غزة والاستهداف المباشر وحرب الإبادة الجماعية التي تمارس ضد الأهالي في قطاع غزة، وتدمير الحجر والشجر والبشر، والبنية التحتية وكافة المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية كل شيء داخل قطاع غزة تم تدميره، وحتي المؤسسات الصحية والدفاع المدني وغيرها، فالاحتلال الإسرائيلي ساوي كافة المؤسسات بالأرض، وهذا العام الحزن يخيم علي الاحتفالات بمولد السيد المسيح ونحن هنا في قطاع غزة نودع شهيدًا تلو الآخر».

الحياة بين الركام

ويضيف «اللوح»: أهالي قطاع غزة بشكل خاص والفلسطينيون بشكل عام، يعيشون وضعًا مأساويًا وصعبًا، فأصوات الانفجارات القوية لا تتوقف ليلا أو نهارا، وكيف يحتفل الفلسطينيون بميلاد المسيح أو بالسنة الجديدة، أو أي مظاهر للفرح، ونحن نعيش بين ركام هذه المنازل المدمرة، وانعدام للتيار الكهربائي يكاد لا يأتي للحظة واحدة، وهناك انقطاع كامل للمياه والوقود، وضع صعب جدا يعيشه أبناء قطاع غزة، لا وجود لأي مقوم من مقومات الحياة، حتي النساء اللاتي خرجن من البيوت التي دمرها الاحتلال خرجن بالملابس التي عليهن فقط، دون أي شيء آخر يحميهم من البرد القارس، وشدة الرياح والعواصف الرعدية، فقط بالملابس، ها نحن نسير في فصل الشتاء نتكلم عن أوضاع غاية في الصعوبة، في ظل استمرار عدوان الاحتلال وحرب الإبادة علي أبناء الشعب في قطاع غزة، الدمار الشامل والقصف العنيف للمنازل؛ نتج عنه أشلاء هنا وهناك، ما زالت الإصابات واقعة في الشوارع لا يزال الشهداء ملقون في الشوارع، يخشي عليهم أهاليهم من أن تلتهم أجسادهم القطط والكلاب.

وأشار، إلي أن غزة «أصبحت عتمة»، أصبح لا وجود لها علي خريطة النور أو العلم والثقافة، كل دمره الاحتلال بشكلٍ كامل، الاحتلال أصبح عاجزًا، فبدأ في قصف أي شيء فأصبح يقصف حتي محطات وإسلاك الكهرباء الممتدة في الشوارع والتي توصل النور للمنازل، قصف آبار المياة وحتي المساجد والكنائس، ومراكز تحفيظ القرآن والجامعات والمدارس، كل شيء داخل قطاع غزة أصبح يُدمر ويقتل، القطاع بالكامل أصبح عبارة عن كوم من الركام والرماد، وأشلاء شهداء في الشوارع؛ لعدم تمكن الطواقم الطبية والإسعاف من الوصول إليها؛ بسبب قناصة الاحتلال التي تترصد مباشرة لقنص الطواقم الطبية وحتي الصحفية التي تحاول أن تصل للمصابين والشهداء، أو تنقل حقيقة ما يحدث في غزة إلي العالم.

وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس قد ألقي خطابًا في وقت سابق، بثته الوكالة الفلسطينية الرسمية بمناسبة عيد الميلاد، قال فيه: «إن ميلاد المسيح يأتي هذا العام، ومدينة الميلاد بيت لحم، تعيش حزنًا لم تره من قبل.. إسرائيل تبطش وتقتل أطفال فلسطين، وتختطف الابتسامة البريئة من وجوه الأحياء منهم، حيث لم يسلم أحد من أبناء شعبنا، النساء والرجال وكبار السن، من هذا القتل والإرهاب ومحاولات التهجير القسري وتدمير آلاف البيوت، ما يذكرنا بما حدث في نكبة عام 1948».

وأضاف: «أقول لأبناء شعبنا ولعائلاتنا التي تتخذ من الكنيسة في غزة ملجأ لها، والذين لم يسلموا من الهمجية الإسرائيلية، ولجميع أبناء غزة، بأن عذابكم، وعذاب شعبنا في الداخل والخارج لن يذهب سدي، وأن شمس الحرية والدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، آتية لا محالة، بل إنها قاب قوسين أو أدني».

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2