الخليقة كلها تهللت بمجيئك

الخليقة كلها تهللت بمجيئكالقس أرميا مكرم

الرأى10-1-2024 | 16:36

إن فرحة الكون العلوى فى لحظة ميلاد السيد المسيح، وظهور الملائكة يسبحون بأمجاد الله دليل ما بعده دليل على أن سر التجسد يتجاوز حدود الخليقة المنظور.

لقد سرى التجسد لا كخبر، بل كقوة بين الخلائق الروحانية حتى إن الملائكة،وهى منحجبة بطبيعتها عن أعين الناس وأسماعهم، وهبت فى هذه اللحظات قوة على الظهور والبشارة والتسبيح ورأى الناس وسمع ما لم يُرى، وما لم يُسمع، ألا يعنى هذا أن بميلاد السيد المسيح قد رفع الحجاب المتوسط توطئة للمصالحة العظمى التى أكملها على الصليب ثم بقيامته وصعوده يفتح الطريق إلى السماء.
فى الميلاد نجد تنوع الشخصيات التى شهدت وصاحبت ميلاده العجيب.

أولًا الملائكة:
الملاك جبرائيل يبشر السيدة العذراء مريم بولادة يسوع "لوا:31"
ظهور ملاك الرب إلى الرعاة لتبشيرهم بميلاد الرب، وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم "لو2: 9"
ظهور الجند السماوى مع الملاك جبرائيل مسبحين الله قائلين المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة "لو2 :13"
وهنا تسبيح الملائكة بإعطاء المجد لله فى الأعالى فى لحظة الميلاد، هو تأكيد أن هذا التنازل الذى أجراه الله بتجسد كلمته فى طبيعة بشرية لا يُنقص ولا يُحط من مجد الله، بل هو إعلان جديد عن قدرته الفائقة فى إخلاء ذاته هذا هو مجد اتضاعه الذى أخفى أقوى صفات الله المدركة وهى محبته التى ظهرت فى تجسده وصليبه فى هذه الصورة الباذلة.
وهكذا صار مجد السيد المسيح الذى اكتسبه باتضاعه وطاعته هو مجدنا نحن أيضًا.

"أنا أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى" :يو17: 22"
ظهور ملاك الرب ليوسف ليطمئنه أن حمل السيدة العذراء هو من الروح القدس، وقال له فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم، وهذا كله كان لكى يتم ما قيل من الرب بالنبى القائل "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا ". "متى1 :18 -24" "أش 7 :14"
أيضًا ظهور ملاك الرب ليوسف فى الحلم قائلًا "قم وخذ الصبى وأمه وأهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبى ليهلكه.. لكى يتم ما قيل من الرب بالنبى القائل من

مصر دعوت ابنى " "متى2: 13-15" "هو 11 :1"
وأيضًا ظهر ملاك الرب ليوسف مرة ثالثة لكى يرجع إلى أرض إسرائيل "متى2: 19-21".

ثانيًا الرعاة:
وكان فى تلك الكورة رعاة متبدين "مقيمين فى البادية" يحرسون حراسات الليل على رعيتهم.. ولما مضت عنهم الملائكة الذى بشروهم بميلاد مخلص هو المسيح الرب ذهبوا إلى بيت لحم لينظروا هذا الأمر الذى أعلمهم به الرب "لو2: 8-20"

ومن واقع القصة أن هؤلاء الرعاة كانوا يرعون الغنم المعدة للذبح على مذبح الرب، لم يكونوا رعاة عاديين، بل خصهم الله بهذه الرؤية، ومن الواضح أنهم كان لهم وظيفة هيكلية بأعداد الخراف المعدة للذبح، كما ينص التلمود اليهودي، كما أنهم تمتعوا بمناظر ملائكية، وسمعوا التسبيح اللائق بالله وعند رجوعهم كانوا يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم، وياليتنا نشترك معهم فى تمجيد وتسبيح الله الكائن معنا كل حين وفى كل مرة يكون الله موجودًا فى اجتماعتنا، أو صلواتنا، أو مخدعنا يكون التسبيح والمجد اللائق به كما فعل الرعاة حينما رأوه.

ثالثًا: المجوس
لقد قامت قافلة المجوس من الشرق لعلها من بلاد فارس أو الهند، وكان يقودها نور من السماء عبر عنه الكتاب المقدس بنجم "ربما كان وجه يسوع المضيء – أو إحدى القوى السماوية أو ملاك أو رئيس ملائكة أو أحد الكواكب اللامعة" ولكنه فى النهاية نور غير عادى ظل يرافق مسيرتهم، يظهر لهم يفرحون فرحًا لا ينطق به ومجيد، وهو الذى أرشدهم ورافقتهم طوال مسيرة شهور، وسط الصحراء القاحلة حتى وصولهم إلى بيت لحم إلى حيث كان الصبى، صدقوا وآمنوا أن هناك مولودًا طفلًا، ولكن ملك غير عادى، ولذا حملوا هدايا معهم ليقدموها، يالهذا الإيمان، وبالرغم من أنه طفل مولود إلا أنهم سجدوا له سجود تجاوز المنظور إلى ما هو فوق المنظور.

فالمنظور طفل رضيع، أما غير المنظور الذى كان يراه هؤلاء الحكماء وكانوا يسجدون له فهو الملك السمائى الذى ينبغى له السجود فى كل مكان وكل زمان، وسجود الحكيم ترافقه دائمًا الحكمة.

رابعًا: سمعان الشيخ
كانت له بصيرة وإلهام روحى نبوى؛ لأن الروح القدس كان عليه "بارًا تقيًا متوقعًا تعزية إسرائيل"
لقد توقع سمعان تعزية الله لشعبه فرأى الخلاص عيانًا، والتوقع هنا هو الإيمان والإيقان بأمور لا ترى فى الزمان ليراها حاضرة فى الزمان الأتي، أن رأس مال سمعان لم يكن شيئًا أكثر من الصلاة بيقين والتمسك بوعود الله "لو2 : 25 -35 "

خامسًا: حنة النبية
فهى تعطينا صورة للرجاء الحى المبارك، الذى يمكن أن ينبثق من الضيقة أو الكارثة أو الحزن، هذه التى اشتهت أن تمضى باقى عمرها وتسكن فى بيت الله كل أيام حياتها، عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا، ولوقتها وقفت تسبح الله وتتكلم عنه بنبوة فائقة عن فدائه.

وأخيرًا وليس آخرًا بل هى أولًا، السيدة العذراء مريم وهى الحديث كله، وكان مقصودًا أن نختم بها من استودع سر الميلاد وسر الخلاص، من قبلت الدعوة والاختيار وقالت "ليكن لى كقولك" عندما بشرها الملاك.

البشرية أصبحت كلها فى المسيح يسوع، عذراء مخطوبة لتكون جسد الله وهيكلًا يحل فيه. البشرية الآن مختارة كاختيار العذراء مريم التي آمنت وقالت ما قالته العذراء "هوذا أنا أمة والرب ليكن لى كقولك "لو 1 :38"
فمريم العذراء لما آمنت بما قيل لها وقبلت ناموس الاختيار، قبلت كلمة الله فتقدست وحملت بالقوة الإلهية "الروح القدس" وولدت المسيح الكلمة.
إن تجربة ولادة المسيح فى أحشاء الإنسان "روح الله يسكن فيكم"، هى تجربة الملء الإلهى داخل الإنسان فيعيش على الدوام متحدًا به مسبيًا بالحب الإلهى في زيجة سرية أبديه سماوية لا يفكها إنسان ولا يحلها الموت يزعزعها فكر.

كل سنة ووليد المزود يملأ قلوبكم، و كل عام وحضراتكم بخير.

أضف تعليق