يحكى أن رجلا كان يجلس فى منزله فسمع الشباك يتلاطم بسبب شدة الرياح، فتبسم ضاحكًا وكانت تجلس زوجته بجواره ، فاعتقدت أنه يفكر فى امرأة أخرى وبدأت تعلن عن شكوكها وغضبها منه، وطال بينهما النقاش، فاضطر إلى أن يحكى لها السبب الحقيقى وراء ابتسامته.
حيث كان فى الماضى يتاجر مع شريك له، وأثناء عودتهما بعد إجراء إحدى الصفقات، طمع فى المبلغ الذى تم تحصيله، وقرر الاستيلاء عليه وهمّ بقتل شريكه الذى حذره بأن جريمته سوف تكشف وأنه لن يفلت من العقاب، ولكنه سخر منه حيث لا أحد يراهما، فالدنيا ظلام والطريق مقطوع !
فقال له إن هذه الرياح سوف تكون السبب فى كشف جريمته ولو بعد سنوات.
وهو ما حدث فعلا، فشعرت الزوجة أن الفرصة قد جاءتها للانتقام.. فالقتيل كان زوجها السابق.
وهذا هو موضوع مسرحية «النقطة العمياء» التى تعرض حاليًا على مسرح الغد بنجاح جماهيرى فاق السوابق، حيث نجح المخرج أحمد فؤاد فى تمصير مسرحية «العطل» للكاتب المسرحى «دورينمات»، إلى حدوتة مصرية بالوقائع والأجواء والأسماء.
والمسرحية المصرية تناقش الرغبات الجامحة فى الإثراء أو التفوق ولو على حساب الآخرين، خاصة الرؤساء أو الزملاء، وبدون فعل محسوس، وإنما من خلال التآمر أو التحريض أو الاستفزاز لإجبار الشخص المستهدف بالقضاء على نفسه، إما بالانتحار أو إصابته بالسكتة القلبية
أو الدماغية.
فالمحاكمة هنا تمت من خلال ثلاثة من أساتذة القانون الذين رفضوا الاستمرار فى وظائفهم السابقة، فقرروا التقاعد وقضاء وقت فراغهم فى لعبة الشطرنج أو إجراء محاكمات وهمية لبعض القادة التاريخيين أو من يوقعه حظه العاثر معهم.
وقد تصادف أن تعطلت سيارة رجل أعمال شاب أمام الفيلا المتواجدين فيها، وطلبوا منه الاشتراك فى المحاكمة (على سبيل التسلية) والقيام بدور المتهم، ونجح ممثل الادعاء فى دفعه بالاعتراف بجريمته الخفية، حيث ارتكب مجموعة من الأعمال شكلت فى مجموعها جريمة مجتمعية، وقد لا يعاقب عليها القانون، ولكن باعترافه الصريح والعفوى وسرده للأحداث قررت المحكمة إدانته ومعاقبته بالإعدام شنقا.
والمعنى هنا.. أنه لا جريمة كاملة، وأن الأيام كفيلة بكشف الجانى مهما طال الزمن، حتى لو كانت منظومة العدالة بها عطل.. فعدالة السماء قائمة فى أى وقت وفى أى مكان.
لقد أبدع فريق العمل فى المسرحية بأدائه الصوتى والحركى فى إقناع المشاهدين بأن ما يجرى يصل إلى درجة الحقيقة، ومن ثم خرجوا سعداء بأن الجانى أخذ عقابه المستحق.
لقد كانت مباراة فاز فيها الجميع، وهم نور محمد (المتهم)، وأحمد عثمان (الادعاء)، وأحمد السلكاوى (المحامى)، وحسام فياض (القاضى)، وهايدى بركات (عشماوى)، وعمر صلاح (الميكانيكى).
ويحسب للفنان سامح مجاهد مدير مسرح الغد أنه أعاد الجمهور إلى مسارح الدولة مرة أخرى.