الخميس 11 يناير 2024 (بعد يوم من كتابة هذا المقال) تبدأ محكمة العدل الدولية عقد جلسات استماع للنظر في الدعوي التي حركتها جنوب إفريقيا، ضد إسرائيل تتهمها فيها بارتكاب جرائم إبادة جماعية في الحرب علي غزة، وتطالب بوقف عاجل لحملتها العسكرية في القطاع.
ضوء أمل يشرق من عتمة حالكة، والعالم ينظر وينتظر ما ستسفر عنه المحاكمة، في ظل تواطؤ الغرب الصادم من جانب، وفشل المؤسسات الدولية الذريع الذي تغذيه الضغوط الأمريكية من جانب آخر، في كبح جماح المعتدي الطاغي.
ويري البعض أن مبادرة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية قد تحمل أهمية تتجاوز القرار النهائي للمحكمة، في حين يقول خبراء في القانون الدولي إن الحكم علي ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت إبادة جماعية ضد الفلسطينيين هو أمر معقد يتطلب تحليلًا دقيقًا للأدلة المتاحة.
ووفقًا لاتفاقية الإبادة الجماعية المبرمة عام 1948، فإن تعريف الإبادة الجماعية هو أنها جريمة دولية تهدف إلي تدمير كل أو جزء من مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية محددة، ولكي يتم تصنيف فعل ما علي أنه إبادة جماعية، يجب أن تكون هناك نية محددة لتدمير هذه الجماعة، وليس حدوث هذا نتيجة فعل غير مقصود، فهل كانت نية إسرائيل مبيتة لإبادة العنصر الفلسطيني؟..
الإجابة لا تحتمل الشك: نعم، ونستطيع أن نجزم بوجود هذه الأدلة، والشواهد علي ذلك عديدة ومنها: التغييرات الديموجرافية القسرية: من خلال سياسة التهويد الممنهجة، والتي مارستها إسرائيل بكل الطرق، بالعنف والإيذاء الجسدي، والترويع والتخويف، وكل الأفعال التي أدت إلي نزوح الفلسطينيين، وهروبهم وفقدانهم لممتلكاتهم وأراضيهم، وانخفاض معدلات الخصوبة، وارتفاع معدلات الهجرة.
شرعنة ممارسات الاحتلال الغاشمة: وحدث هذا من خلال قوانين التمييز ضد الفلسطينيين، وفرض المستوطنات الإسرائيلية علي حساب أراضيهم، وأمام أعين العالم الآن ما يحدث من عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إظهار النية: ولم يخف حكام إسرائيل وقادتها نياتهم تجاه أهدافهم، في تدمير الفلسطينيين، وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تشير إلي هذه النوايا معلنة وموثقة.
وعلي مدار يومين، من المقرر أن تشهد أعلي هيئة قضائية في الأمم المتحدة جلسات الاستماع لطرفي القضية، التي كان لافتا تصميم إسرائيل علي المشاركة فيها، وعلي الرغم من أن جنوب إفريقيا، قدمت ملفا مؤلفا من 84 صفحة، يحتوي وقائع قتل الفلسطينيين في غزة، والتسبب في أذي عقلي وجسدي خطير لهم، من خلال خلق ظروف معيشية "مصممة لتحقيق تدميرهم الجسدي"، إلا أن إسرائيل تستعد هي الأخري لتقديم ما يؤهلها للعب دور الضحية، وقد تطول الإجراءات لسنوات قبل أن تصدر المحكمة قرارا نهائيا في القضية، والأمل أن تلبي المحاكمة طلب جنوب أفريقيا بإصدار قرارات عاجلة بتدابير مؤقتة تتعلق مباشرة بالتهدئة ومراعاة الجوانب الإنسانية بالنسبة للفلسطينيين، لكن حتي هذه التدابير علي الرغم من إلزامها قانونا، حال صدورها عن المحكمة إلا أن البعض يري أن إسرائيل لن تلتزم بها(!!)، ولا يبقي من أمل إلا في أن تزيد هذه المحاكمة في فضح إسرائيل القاتلة البربرية.