الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح لـ" أكتوبر " الكلمة ترعب الاحتلال

الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح لـ" أكتوبر " الكلمة ترعب الاحتلالالصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح

«إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله، وكن على يقين أن الله سيجزيك خيرًا لما صبرت».. بهذه الكلمات حاول الصحفي الشاب حمزة الدحدوح مواساة والده «الجبل الصامد» الإعلامي وائل الدحدوح، بعد أن فقد جزءا كبيرا من أسرته والذين استشهدوا فى عملية خسيسة نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلية، مستهدفة المنزل الذي نزحت إليه أسرة الدحدوح فرارًا من العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة.

كان اغتيال زوجة وائل وابنه وابنته وحفيده، الصدمة القاسية الأولى التي تعرض لها «الدحدوح» عقابًا على كشفه جرائم الاحتلال فى غزة، وقبل أن يفيق من تلك الصدمة حاول الاحتلال اغتيال وائل شخصيا وبالفعل استهدفه فى عملية قصف اسفرت عن اصابته واستشهاد زميله المصور سامر أبو دقة ، وكانت الضربة الثالثة والتي كادت تقصم ظهر الدحدوح هي اغتيال ابنه البكر «حمزة» والذي كان الداعم لأبيه والمواسي له فى كل ما ألم به.

ورغم الفاجعة التي تعرض لها وائل الدحدوح باغتيال نجله حمزة إلا أنه وقف شامخا كالجبل بعدها بدقائق لينقل للعالم أجمع تقريرا مصورا يكشف فيه فظائع وانتهاكات جيش الاحتلال وهجماته المجنونة والهمجية بحق المدنيين العزل فى غزة.

صمود الصحفي الفلسطيني الأشهر وائل الدحدوح، أيقونة النضال فى أرض الأبطال، كان واضحا خلال حواره مع «أكتوبر» وكلماته التي مزجت بين القوة وشدة الإيمان بالله، مؤكدا أن عمله بالصحافة رسالة إنسانية يحاول من خلالها إظهار معاناة شعب فلسطين وكشف جرائم الاحتلال من قلب مسرح الجريمة وهو ما تسبب بإحراج العدو وتعرضه لضغوط أخلاقية ودولية، فقرر تصفيتنا وأهلنا ولكننا لن نتراجع مهما كانت التبعات وما لمسه من مواساة وتضامن معه يجعله يشعر أن ما قدمه لم يذهب سدى.

بدايةَ.. خالص عزاء أسرة « مجلة أكتوبر » لك فى مصابك الأليم، واسمح لنا أن تكون تلك المعاناة التي تعيشها وآخرها استشهاد نجلك الصحفي حمزة الدحدوح هي أول محطات الحوار.. هل ما حدث استهداف شخصي لعائلة وائل الدحدوح أم هو استهداف لأي صوت يرصد انتهاكات الاحتلال ووحشيته ضد المدنيين في فلسطين ؟

من الواضح أن هناك استهدافا مباشرا وتعمدا لاستهدافي كشخص ولأسرتي .. هو استهداف يأتي محاولة للانتقام مني ولعقابي على عملي ومحاولة للضغط والمساومة وإبعادي لأن ما حدث لا يمكن تفسيره بغير ذلك وأنه استهداف للأسرة بعد استشهاد الزوجة والابنة والابن والحفيد والأقارب كلهم ومن ثم استهداف البيت وتفجيره ولاحقا استهدافي أنا شخصيا وإصابتي واستشهاد المصور سامر أبو دقة وأيضا استهداف مكتب الجزيرة بقطاع غزة وتحديدا مكتبي أنا شخصيا ومؤخرا تم استهداف ابني حمزة والذي يعمل معنا فى مكتب قناة الجزيرة وكل هذا يشير إلى أن هناك تقصدا وهناك تعمدا لاستهدافى أنا شخصيا وأسرتي.

وبالتأكيد الأسباب واضحة جدا وهي أنني أقوم وكل زملائي الصحفيين والإعلاميين فى فلسطين بعملنا على أكمل وجه وهذه هي رسالتنا فى الحياة ونبذل فى سبيلها كل عرق ووقت وأعمل كما يقولون من القلب، باختصار شديد لأن هذه رسالة إنسانية وأنا ربما انتسبت لها لأنها كذلك، وأنا اتخذ منها رسالة إنسانية وأحاول ان أظهر هموم ومعاناة الناس وتضامن الشعوب مع أهل غزة، وأظن أن هذه المرحلة التي نعيش فيها من أصعب الظروف التي مررنا بها ومن أصعب الكوارث ولذلك يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي مرعوب من الكلمة والصورة ولا يريد نقل ما يحدث للعالم ويريد إبعاد الصحفيين عن مسرح الجريمة والجرائم التي يرتكبها ولذلك يأتي من هنا الاستهداف لأن عملنا بالتأكيد بغض النظر عن أي تبعات فى نهاية المطاف يتسبب له بإحراج ويعرضه لضغوط أخلاقية ودولية باعتبار ما يرتكبه هو فى نهاية المطاف جرائم حرب ونحن نقوم بتغطية ما يجري على الأرض وهو يتأذى من عمل الصحفيين ولذلك يتم استهدافهم على ذلك النحو.

خلال مؤتمره الصحفي بتل أبيب وجه لكم وزير الخارجية الأمريكي بلينكن رسالة ووصف ما تتعرض له بأنه خسائر لا يمكن تحملها.. فما تعليقك على ما قاله بلينكن وما رسالتك للإدارة الامريكية والرئيس بايدن؟

نحن نريد أفعالا وليس أقوالا، فتصريحات وزير الخارجية الأمريكي والبيت الأبيض ومجلس الأمن وغيرها بالتأكيد لها أهمية ولكن المهم هو الفعل فى نهاية المطاف، وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر مثل هذه التصريحات على لسان الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض، فقبل ذلك وبعد استهداف أسرتي كانت هناك حالة تعاطف عالية وتصريحات، ولكن فى نهاية المطاف ربما تصدر مواقف عكس التصريحات، ثم تصريحات متناقضة مثل «أنه لم يثبت لدى الادارة الأمريكية أن اسرائيل تتعمد استهداف الصحفيين وأسرهم»، وهذا شيء متناقض فى السياسة الأمريكية، ولذلك نحن نريد أفعالا، بمعنى أننا نريد ضغطا حقيقيا على إسرائيل لوقف هذه المقتلة، وهذا المسلسل من الاستهداف الممنهج ضد الصحفيين من الفلسطينيين وإلا لن يكون هناك قيمة وجدوى من مثل هذه التصريحات.

هل تعتقد أن اسرائيل قد تتوقف عن تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين فى ظل الرفض الشديد من الدول المعنية وفي مقدمتها مصر والأردن أم ستحاول تنفيذ مخططها مهما كلفها الأمر من دماء ودمار؟

أعتقد مخطط تهجير المواطنين الفلسطينيين تعرض لضربة كبيرة، ومجموع المواقف التي تبدأ بصمود الناس فى قطاع غزة ومواقف الدول المجاورة وعلى رأسها مصر والأردن بالتأكيد فى نهاية المطاف ساهمت فى قطع الطريق على هذا المخطط، لكن كل شيء مرهون بنتائج ما يدور الآن على الأرض فى القطاع، فلو أن اسرائيل تمكنت من تحقيق ما تريد ميدانيا من خلال الحرب والقتل بالتأكيد النتائج ستكون مختلفة، لكن على الأرض إسرائيل لم تحقق نجاحا ملموسا على الأقل، مقارنة بالأهداف التي أعلنتها لم تحقق كثيرا منها، وهذا الأمر يؤثر على كل المخططات والأهداف الإسرائيلية ويؤخرها.

يشكك البعض فى حجم خسارة الاحتلال ويرى أن هناك مبالغة فيما تعلنه المقاومة من خسائر كبدتها للجيش الإسرائيلي، فما تعليقك وأنت فى قلب الحدث؟

أنا فى العادة أحب أن يكون حديثي فى إطار تخصصي كصحفي وإعلامي، ولكن هذه أسئلة لها بالتأكيد أهل الاختصاص، الأكثر مني خبرة بالأمور الميدانية والعسكرية والسياسية، ولكن الأمور واضحة للجميع، وهي أن الجيش الإسرائيلي تكبد كثيرًا من الخسائر فى هذه العمليات، ابتداءً من يوم 7 أكتوبر الماضي، وصولا إلى المعارك الدائرة فى قطاع غزة، وهذا الأمر غير خاف على أحد، ومقارنة مع الحروب السابقة، فهذا الأمر لم يكن يحدث، وهذا هو التطور المهم الذي يمكن أن نرصده، فقوات الاحتلال حتى فى المناطق الشمالية (شمال مدينة غزة مثلا)، والتي كانت تعلن عنها كأنها استنفدت وانتهت أحداثها، ما زلنا نسمع أن هناك إطلاق صواريخ من هذه المناطق، وهناك اشتباكات وعمليات أحيانا ضد جيش الاحتلال وهذا يعكس أن كل آلة التدمير لم تحقق الأهداف التي دخلت فى قطاع غزة من أجلها.

هل تتوقع وقفا قريبا لإطلاق النار أو عودة الهدنة الانسانية مرة أخرى بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية سواء بالتراضي بين الطرفين وبوساطة مصرية وقطرية وأمريكية كما حدث فى الهدنة السابقة، أم لا بد من صدور قرار دولي ملزم لحدوث ذلك من مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية؟

هناك خلاف كبير وتناقض أكبر فى المجتمع الإسرائيلي وأيضا فى المواقف الدولية حول الحل المناسب، فالفصائل الفلسطينية تعتبر أن إنهاء الملف بشكل كامل هو الحل المناسب، واسرائيل والإدارة الأمريكية تريدان حلولًا جزئية، والتوصل إلى هدنه يكون فيها استحقاقات يدفعها الطرفان ويتفقان عليها عن طريق الوسطاء، وهذا الأمر كما قلنا حتى فى التفاوضات والاتفاقات والاستحقاقات، فالميداني يفرض نتائج هذا التفاوض ويؤثر عليه تأثيرًا واضحا، وبالتالي هناك جهود واتصالات خفيفة لكن حتى الآن لم يتمكن الوسطاء فى مصر وقطر وأمريكا وغيرها من البلدان فى إحداث اختراق فى الموقفين باعتبار أن الفصائل الفلسطينية تعتبر نفسها فى الميدان ما زالت قوية، وبالتالي هي مصممة على مواقفها والأثمان التي يجب أن تدفعها إسرائيل وهذا يمكن أن يبقي الصراع ممتدا إلى فترة طويلة ولكن نعتقد أن هناك محاولات لاحتواء هذا الصراع، والتغيير على الأقل سيكون فيما يطرحونه خلال المرحلة الثالثة التي تتعلق بإعادة الانتشار والانسحابات من بعض المناطق وإعطاء أولوية للحرب الجوية والضربات من فوق وتنفيذ عمليات برية مركزة فى مناطق محددة، كل هذا الأمر بالتأكيد يمكن أن يحدث وبالتالي لا تزال كل الفرص وكل الخيارات لها فرص متساوية حقيقة فى ضوء ما يجري على الأرض فى الميدان.

هل يمكن أن تنقل لنا من خلال معلوماتك وقربك من الأحداث.. سيناريوهات « غزة ما بعد العدوان» وكيف ستتم إدارة القطاع؟

أعتقد أنه لا أحد من الأطراف، لا أمريكا ولا إسرائيل ولا حتى بالقطاع، ولا أي أحد يعلم ما يمكن أن يكون فى قطاع غزة لاحقا، لكن ترددت سيناريوهات كثيرة واسرائيل تريد سيناريوهات تنتقيها وتمليها وتعدل عليها، ولكن شيئا فشىء معظم الأفكار التي طرحت تتعرض إلى العطب وتصبح غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع وكما قلنا كل هذه الأمور مرهونة بنتائج العمل العسكري على الأرض.

هل سيكون هذا العدوان على غزة هو نهاية نتينياهو السياسية ووزير دفاعه وحكومته؟

العدوان على قطاع غزة بالتأكيد سيكون هو نهاية نتينياهو فى حال توقفت الحرب على هذا النحو، باعتبار أن نتينياهو أساسا هو من يقود المحور الذي لا يريد لهذه الحرب نهاية، على العكس يريد توريط الإقليم والعالم فى حروب أخرى حتى يضمن استمراريته ومستقبله السياسي، ولكن بالتأكيد إذا انتهت الحرب عند هذا الحد ولم تحقق اسرائيل أهدافها على الأقل تلك التي أعلنتها بما فى ذلك تبادل الأسرى والرهائن والمحتجزين بالتأكيد هذا سيؤثر تأثيرا كبيرا على نتينياهو وسوف يكون نهاية مستقبله السياسي كما اعتقد.

هل صمود الشعب الفلسطيني سينجح فى وضع حل الدولتين أمام الجميع كنهاية للصراع، وينجح فيما فشلت فيه المفاوضات السياسية فى السابق؟

صمود الشعب الفلسطيني أساسي ومؤثر فى كل الحلول ولكن حل الدولتين الآن يكاد يكون غير قابل للتحقيق، بسبب الوقائع على الأرض والسياسات الاستيطانية واعتلاء المتطرفين سدة الحكم بإسرائيل وابتزازهم نتينياهو وكل هذه الأمور لا تبشر بالخير فى إمكانية تطبيق حل الدولتين، بالإضافة إلى أنه لا توجد إرادة دولية من قبل الإدارة الامريكية وغيرها من الدول الأوروبية يمكن أن تلزم إسرائيل بأي شيء، فنحن عندما نتحدث مثلا عن مجرد مقاصة أموال مستحقة للسلطة الفلسطينية تسرقها اسرائيل ولا ترجعها للسلطة الفلسطينية، لا نجد أي طرف دولي قادر على فرض مثل هذا الأمر على اسرائيل، وإجبارها على إعادة الأموال المسروقة للسلطة، فكيف يستطيع أحد فرض حل دولة للشعب الفلسطيني عليها وهذا أمر مشكوك فيه.

ما تعليقك على منحك جائزة حرية الصحافة 2024 من نقابة الصحفيين المصريين واعتبارك «رمز الصمود الفلسطيني»؟

فيما يتعلق بالجوائز والتكريمات وهذا الحجم الهائل من التعاطف والتضامن، بالتأكيد أنا سعيد للغاية وفخور ومرتاح للغاية أن كل الجهود وكل الصعوبات وكل الأثمان الباهظة التي أدفعها من أجل هذه الرسالة الإنسانية ومن أجل أن اكون دائما بالقرب من الناس وهمومها، بالتأكيد لم تذهب سدى، وبالتأكيد ستصل بالفعل إلى مستحقيها، وهم يدركون أهمية ما أقوم به وهذا أمر انا فخور به جدا ولذلك هو من الأشياء التي يمكن أن تقوينا وسبب مهم من أسباب مواصلتي للعمل وقدرتي على المواصلة على هذا النحو الذي تشاهدونه ولذلك أتقدم بالشكر العميق لنقابة الصحفيين المصريين والأزهر الشريف والشعب المصري الشقيق ولكل الشعوب العربية والاسلامية، ولكل أحرار العالم ولكل من تضامن ويتعاطف معي ويدعمني بالرسائل وبالجوائز وباعتباري شخصية العام، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن اكون عند حسن الظن وأستطيع المواصلة لأن كل هذه اللفتات والتكريمات تحملني أعباء اضافية بخلاف مسئوليات أخلاقية ومهنية

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2