من محمد عبده إلى الفيلسوف ليف تولستوي: آراؤك ضياء يهتدي به الضالون "3_3"

من محمد عبده إلى الفيلسوف ليف تولستوي: آراؤك ضياء يهتدي به الضالون "3_3"الإمام محمد عبده وليف تولستوي

اتفق علماء الاجتماع على أن التحول الحضاري في أي مجتمع يقوم على أساس بناء علاقات إجتماعية وإنسانية على أسس أخلاقية من خلال التفاهم والتواصل على أساس من الحب المتبادل ،ومن هنا تأتي إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية على أساس إنسانية.

وارتبطت فكرة النمو الحضاري بالعديد من الأفكار والمناهج السياقية منها فكرة المواطنة والهوية الفردية والنزاعات الإنسانية الداخلية والقيم الأخلاقية.

ماهي المواطنة؟
قضية المواطنة من القضايا التي طرأت على الساحة الإسلامية اليوم، وکثُرت حولها الخلافات والمناقشات، ما بين مدَّع أنها من بنات أفکار الغرب ولم تعرف قبل ذلك في الإسلام، وما بين مدافع عن موقف الإسلام وأنها قضية قديمة عرفتها الحضارة الإسلامية وقننتها، وهي مسطورة ومدونة في کتب التراث الإسلامي، وليس الجديد فيها إلا هذا المسمى الطارئ.

وما بين هذا في ادعائه وهذا في دفاعه لا نجد اهتمامًا حقيقيًا بدراسة موقف الإسلام من المواطنة، سواء من الناحية التأصيلية النظرية، أم من الناحية الحضارية العملية، ومن هنا فقد استعر الخلاف والنقاش، وأتهم المسلمون، ولم يسلم الإسلام ذاته.
لذلك كان لابد من طرح علمي يبرهن ويشرح فكرة المواطنة من وجهة نظر الإسلام.

من السياق الضمني للكلمة نجد ارتباط مكاني بين الوطن والمواطنة ،وقد خص الإمام محمد عبده مسألة المواطنة والوطنية بكثير من عنايته، فكتب مقالاً بتاريخ 28 نوفمبر من عام 1881 - قبل اندلاع الثورة العرابية - عن «الحياة السياسية والوطن والوطنية»، قال فيه إن الوطن في اللغة يعني محل الإنسان مطلقاً، فهو السكن بمعنى: استوطن القوم هذه الأرض وتوطنوها، أي اتخذوها سكناً. والوطن عند أهل السياسة مكانُك الذي تُنسَب إليه ويُحفظ حقُّك فيه، وتعلم حقّه عليك، وتأمن فيه على نفسك وآلك ومالك.

فلا وطن إلا مع الحرية، ولا وطن في حالة الاستبداد.


حيث "لا وطن من دون حرية" لأن الحرية تعني: حق القي ام بالواجب المعلوم، فإن لم توجد الحرية فلا وطن لانتفاء الحقوق والواجبات السياسية. فالواجب والحق - في رأي الإ مام - هما شعار الأوطان التي تُفتدى بالأموال والأبدان، وتُقدَّم على الأهل والخلان، ويبلغ حبها في النفوس الزكية مقام الوجد والهيمان.
أما السكن الذي لا حق فيه للساكن، ولا يمن فيه على روحه وماله، فغاية القول في تعريفه أنه مأوى العاجز ومستقرّ من لا يجد إلى غيره سبيلاً، فإن عظم فلا يسرّ وإن صغُر فلا يُساء.

وينقل الإمام عن لأبوير، الحكيم الفرنسي، قوله: "ما الفائدة من أن يكون وطني عظيماً كبيراً، إن كنتُ فيه حزيناً حقيراً أعيش في الذل والشقاء خائفاً أسيراً؟".

ومن هنا نستخلص أن الإطار العام لفكرة المواطنة ينضوي داخل مفهوم " الحقوق والواجبات " وأن أهم دعائم المواطنة هي الحرية التي تسمح للمواطن بالقيام بواجباته والمطالبة بحقوقه.

على الجانب الآخر وجهة نظر تولستوي ومفهومه عن الوطن إختزاله في قوله الآتي: "الوطن ليس قطعة من الأرض ولا مجموعة من البشر، الوطن هو المكان الذي تُحفظ فيه كرامة الإنسان ." وبذلك خرج تولستوي عن السياق المكاني لفكرة الوطن وضع محدد إنساني فقط لتعريفه والحفاظ على كرامة الإنسان ،أي تلبيت كافة حقوقه وهذا مبدأ إشترك في مع الإمام.

ومن ضمن المحددات الإنسانية التي وضعها تولستوي لفكرة المواطن هي القيم الإنسانية ووصف المعاني المتناقضة الخاصة بها والتي جاءت في كتابه "عن الحياة".

ولعل أبرز القيم الإنسانية التي حللها في كتابه "عن الحياة" هي الحب ومطلباته المتناقضة.

يري تولستوي أن بالنسبة لهؤلاء الناس لا يكون الحب جواباً للفكرة المرتبطة بالصورة البديهية، بكلمة الحب نفسه. فهو ليس بعمل إيجابي يجلب السعادة للمحبين أو المحبوبين.

إن أوهامنا المؤذية لأنفسنا التي نحملها عن طبيعة الحب حسب رأي "تولستوي" تنبع من اعتمادنا المفرط على العقل، والذي يُعد سمة سيّئة بلا نزاع، وقد تقود للضلال بسبب اعتقاداتنا الخاطئة. (وقد سبق مُواطنهُ (دوستوفسكي) في تشخيص هذا الأمر في رسالة جميلة أرسلها لأخيه قبله بخمسين سنة)، حيث يكتب تولستوي: يقدم فعل الحب صعوبات لا يكون البوح عنها مؤلماً فحسب، بل يعجز الإنسان عن البوح بها “فعلى الإنسان ألّا يعتمد على العقل في الحب – وهذا غالباً ما يقول أولئك الأشخاص الذين لا يفهمون معنى الحياة – “عليك فقط أن تترك نفسك لشعور التفضيل الاّني والإنحياز الذي يظهر على الرجال، هذا هو الحب الحقيقي.

أضف تعليق