ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن النخبة في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي التي كانت قد تبنت الذكاء الاصطناعي في اجتماعهم عام 2023 أصبحوا الآن يخافونه.
لفتت إلى أن "تشات جي بي تي " كان النجم المتألق للمنتدى الاقتصادي العالمي العام الماضي، حيث استحوذت قدرة " تشات بوت" الناشئة على البرمجة وصياغة رسائل البريد الإلكتروني وكتابة الخطب على خيال القادة المجتمعين في مدينة دافوس الفاخرة المشهورة بالتزلج.
لكن هذا العام، تقترن الإثارة الهائلة بشأن الإمكانات الاقتصادية اللامحدودة تقريبا لهذه التكنولوجيا بتقييم أكثر وضوحا لمخاطرها. يبدو أن رؤساء الدول والمليارديرات والمديرين التنفيذيين متفقون في مخاوفهم، حيث يحذرون من أن تلك التكنولوجيا المزدهرة قد تؤدي إلى زيادة المعلومات المضللة، وهجرة الوظائف، وتعميق الفجوة الاقتصادية بين الدول الغنية والفقيرة.
على النقيض من المخاوف البعيدة من أن التكنولوجيا ستقضي على البشرية، يتم تسليط الضوء على المخاطر الملموسة التي تأكدت في العام الماضي من خلال طوفان من المنتجات المزيفة التي أنشأها الذكاء الاصطناعي وأتمتة الوظائف في كتابة النصوص وخدمة العملاء. وقد اكتسب النقاش أهمية جديدة وسط الجهود العالمية لتنظيم التكنولوجيا سريعة التطور.
قال كريس باديلا نائب رئيس شركة "آي بي إم" للشؤون الحكومية والتنظيمية، في مقابلة أجريت معه: "في العام الماضي، كانت المحادثة عبارة عن حالة من " الدهشة الحماسية".وأضاف أنه "الآن، ما هي المخاطر؟ ما الذي يتعين علينا فعله لجعل الذكاء الاصطناعي جديرا بالثقة؟".
أوضحت الصحيفة أن الموضوع استحوذ على المؤتمر: ولفتت إلى أن اللوحات التي تضم الرؤساء التنفيذيين لـ"إيه أي" بما في ذلك سام ألتمان، صارت أهم تذكرة في المدينة، وأن عمالقة التكنولوجيا بما في ذلك "سيليزفورس" و "اي بي إم" ملؤوا الشوارع المغطاة بالثلوج بإعلانات عن الذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة، وبرغم ذلك تلقي المخاوف المتزايدة بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي بظلالها على الحملة التسويقية لصناعة التكنولوجيا.
كان منتدى دافوس قد افتتح أمس الأول الثلاثاء بدعوة من الرئيسة السويسرية فيولا أمهيرد إلى "حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي"، مما أثار مخاوف من أن التكنولوجيا قد تؤدي إلى زيادة التضليل مع اقتراب عدد كبير من الدول لإجراء الانتخابات بها.
ومن جانبها، سعت الرئيسة التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا، إلى تهدئة المخاوف من أن ثورة الذكاء الاصطناعي ستتخلى عن فقراء العالم، وذلك في أعقاب صدور تقرير لصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع وجد أن التكنولوجيا من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة والتوترات الاجتماعية.
فيما وعدت روث بورات، المديرة المالية لشركة "جوجل"، بالعمل مع صناع السياسات من أجل "تطوير تنظيم مسؤول" وروجت لاستثمارات الشركة في الجهود الرامية إلى إعادة تدريب العمال.
لكن الدعوات للاستجابة كشفت حدود هذه القمة السنوية، حيث تعرقل الجهود المبذولة لتنسيق استراتيجية عالمية للتكنولوجيا بسبب التوترات الاقتصادية بين القوى الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم، الولايات المتحدة والصين.
في الوقت نفسه، لدى الدول مصالح جيوسياسية متنافسة عندما يتعلق الأمر بتنظيم الذكاء الاصطناعي: تدرس الحكومات الغربية القواعد التي من شأنها أن تفيد الشركات داخل حدودها، بينما يرى القادة في الهند وأمريكا الجنوبية وأجزاء أخرى من الجنوب العالمي أن التكنولوجيا هي المفتاح لفتح طريق الازدهار الاقتصادي.
في خطاب ألقاه أمس الأربعاء أثار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، المخاطر المزدوجة المتمثلة في الفوضى المناخية و الذكاء الاصطناعي التوليدي، مشيرا إلى أنها "تمت مناقشتها بشكل مستفيض" في مجموعة دافوس.
وقال "ومع ذلك، ليست لدينا بعد استراتيجية عالمية فعالة للتعامل مع أي منهما، إن الانقسامات الجيوسياسية تمنعنا من الالتقاء حول حلول عالمية".
ومن الواضح أن شركات التكنولوجيا لا تنتظر الحكومات للحاق بها، كما تدرس البنوك القديمة وشركات الإعلام وشركات المحاسبة في دافوس كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في أعمالها.
ويقول المشاركون المنتظمون في دافوس إن الاستثمار المتزايد في الذكاء الاصطناعي واضح في المدينة، حيث تستحوذ الشركات على واجهات المتاجر لاستضافة الاجتماعات والفعاليات.
وأشار مسؤولون تنفيذيون إلى أن الذكاء الاصطناعي سيصبح قوة أكثر تأثيرا في عام 2024، حيث تقوم الشركات ببناء نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تقدما ويستخدم المطورون تلك الأنظمة لتشغيل منتجات جديدة.
وفي جلسة استضافتها أكسيوس، قال ألتمان إن الذكاء العام لنماذج أوبن إي "يتزايد في جميع المجالات". وعلى المدى الطويل، توقع أن التكنولوجيا سوف "تسريع معدل الاكتشاف العلمي بشكل كبير".
ولكن حتى مع تقدم الشركة للأمام، قال إنه يشعر بالقلق من أن السياسيين أو الجهات الفاعلة السيئة قد تسيء استخدام التكنولوجيا للتأثير على الانتخابات. وقال إن "اوبن إيه أي" لا تعرف حتى الآن ما هي التهديدات الانتخابية التي ستنشأ هذا العام ولكنها ستحاول إجراء تغييرات بسرعة والعمل مع شركاء خارجيين.
ولدى "أوبن إيه أي"، التي تضم أقل من ألف موظف، فريقا أصغر بكثير يعمل في الانتخابات مقارنة بشركات التواصل الاجتماعي الكبيرة مثل "ميتا" و "تيك توك". ودافع ألتمان عن التزامهم بأمن الانتخابات، قائلًا إن حجم الفريق ليس أفضل طريقة لقياس عمل الشركة في هذا المجال. لكن صحيفة واشنطن بوست وجدت العام الماضي أن الشركة لا تطبق سياساتها الحالية بشأن الاستهداف السياسي.
وما يزال صناع السياسات يخشون أن الشركات لا تفكر بما فيه الكفاية في الآثار الاجتماعية لمنتجاتها. وفي نفس الحدث، قالت إيفا مايديل، عضو البرلمان الأوروبي، إنها تعمل على تطوير توصيات لشركات الذكاء الاصطناعي قبل الانتخابات العالمية.
وقالت مايدل، التي عملت على قانون للذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي، والذي من المتوقع أن يصبح قانونا هذا العام بعد اتفاق سياسي في ديسمبر: "موضوع الاجتماع السنوي هذا العام هو إعادة بناء الثقة، وآمل بشدة ألا يكون هذا هو العام الذي سنفقد فيه الثقة في عملياتنا الديمقراطية بسبب التضليل، وبسبب عدم القدرة على شرح الحقيقة".