لاجئون على جسور من ذهب

لاجئون على جسور من ذهبغلاب الحطاب

الرأى2-2-2024 | 18:25

لا تكاد نار الحرب تنطفئ في جنوب الوادي بشطريه الشمالي والجنوبي حتى تشتعل مرة أخرى وفي كل مرة وبعد عشرين عاما من الحرب وبعد أن يموت مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء ويشرد الملايين يبدأ الطرفان في الهدوء والتساؤل : لماذا كنا نتحارب ؟ هيا نجلس على مائدة المفاوضات لنحل المشكلة التي كنا نتحارب من أجلها ، على مدار ما يقرب من سبعين عاما وهذه الدائرة تدور في كل مرة لتصل الى نفس النقطة .

هذه المرة فالحرب ليست لها أي أهداف تتعلق بالشعب ولا هي للصالح السوداني ولا دفاعا عن الأمن القومي ولا الثروات الوطنية انها ببساطة حرب بين اثنين من القادة العسكريين على كرسي الحكم ، غير أن المدقق في المشهد يدرك بكل تأكيد أن هذه الحرب هي حرب مقررة قبل ذلك بسنوات، وأن الذي قرر نشوب تلك الحرب هو عمر البشير الرئيس السوداني الأسبق ... كيف ؟ لقد جاء البشير بالسيد محمد حمدان الشهير ب حميدتي لمواجهة حركات التمرد في إقليم دارفور والحقيقة ان الرجل لم يكن عسكريا بالمفهوم الحديث بل كان يباشر هجومه على القرى المتمردة على الخيل والبغال والحمير والجمال في مشهد يشبه عمل سلاح الهجانة وهؤلاء كانت قرى نائية لا تكاد تسمع منها شكوى أو تعرف عنها اخبارا فكانت الحرب تدور في اطار سري إلا من قليل من الأخبار تتسرب بين الحين والحين وكانت تلك الأخبار القليلة تكفي لتكوين عقيدة محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت بدورها مذكرة اعتقال للفريق عمر حسن البشير وكاد أن يدخل السجن في بريتوريا أثناء زيارته لجنوب افريقية بسبب تلك المذكرة ، ومن الواضح أن حميدتي قد ظهر بوجه ناجح امام الرئيس السوداني الذي خلع عليه رتبة عسكرية ومع تصاعد الإحتجاجات الشعبية وانقطاع دخل البترول بعد انفصال جنوب السودان وسوء الأحوال المعيشية فعلى ما يبدو ان البشير كان ينظر بعين الريبة الى الجنرالات النظاميين فتفتق ذهنة عن فكرة مجنونة وهى أن يجعل الجيش جيشين والقيادة قيادتين ظنا منه أنه من الصعب على الجيشين أن ينضما تحت لواء واحد يوما ما ليطيحوا به غير أن الأحداث أثبتت أن العلاقات داخل القوات المسلحة كانت أكبر من البشير وما أن تصاعدت الإحتجاجات ضده حتى اتفق حميدتي وقائد الجيش البرهان على اعتقاله وظهرا أمام الرأي العام باعتبارهما كتلة واحدة ويدا واحدة بينما كلاهما يعد الثواني ليصل الى تلك اللحظة التي ينهي وجود الآخر داخل الجيش لينفرد بالسلطة وبينما يظهر البرهان في صورة الجندي النظامي ويصف حميدتي بالمليشيا يظهر حميدتي مرتديا حلته ورابطة عنقه التي تكاد أن تنطق لتقول أنني أول رابطة عنق يرتديها حميدتي في تاريخ حياته في قمة الإيجاد في أوغندا ليتحدث الى البي بي سي في لقاء طويل حاولت جاهدا ومحايدا أن أفهم منه سبب الحرب التي شردت الشعب السوداني وزادته عوزا وفقرا غير أن الرجل سعيد جدا أنه يجلس مع الرؤساء والقادة الإقليميين ويتعاملون معه على قدم المساواة مع قائد الجيش فتحدث عن الخلافات مع البرهان كأنه يتحدث عن خلاف بين عائلتين متصاهرتين بسبب ضرب زوج لزوجته أو خلاف على مساحة ستة قراريط أرض زراعية ، وكيف أنه حاول الإتصال به لكنه " ما آجه " أي لم يأت ، المشكلة الأكبر هي غياب المعلومات عن الموضوع برمته فلا الشعب السوداني عنده معلومات ولا حتى الجنود العاديين لديهم ثمة معلومات وبين الحديث عن تدخلات اقليمة ودولية تزود حميدتي بالسلاح مقابل الذهب تدور أحاديث كثيرة حول نهب جديد لثروة السودان التي عاني شعبها طوال تاريخه من التهميش والفقر والأمية ، وبين هجران الدبلوماسيين العاصمة الخرطوم وانتقالهم الى بورسودان تبدو فكرة قسمة الدولة قابلة للنقاش بين الفرقاء وهو ما سيصنع كارثة جديدة على حدودنا الجنوبية أكبر من تلك الكارثة التي نشأت عن انقسام السودان الكبير الى دولتين وضياع كل مقدرات الشعب السوداني من البترول في الدولة الجنوبية ، إن إعادة الإنضباط الى السودان والأمن إلى حدودنا الجنوبية هو بلا شك جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري لأن هذا الحال سيؤدي الى فوضى مؤكدة في السودان وهو ما سوف يستتبع موجات هجرة الى مصر وأثيوبيا وتشاد كما أن أغلب إن لم يكن كل رجال الأعمال في الشمال السوداني حملوا أموالهم الى جنوب السودان وهو ما سيؤدي الى نقص سلعي وضعف استثمارات أو انعدامها فيزيد من معدلات الفقر وبالتالي الهجرة الى الشمال سواء للإستقرار في مصر أو للحركة ناحية أوربا ، من ناحية أخري فإن لتلك الحرب بكل تأكيد تأثير على حماية منابع النيل كون السودان دولة منابع فضلا عن كونها دولة مصب لإتساع مساحتها وجوارها مع أثيوبيا يعطي ميزة كبيرة للعلاقات الإستراتيجية مع مصر فيما يتعلق بمشكلة مفاوضات سد النهضة ومن هنا يبدو اهتمام مصر بالوضع في السودان مسألة لا تقل بحال عن اهتمامها بأوضاعها الداخلية ، وفي النهاية ندعو الله سبحانه ان يصلح بين الفرقاء وأن يعود الامن والإستقرار الى السودان الشقيق الذي شاطرنا الهوية و المصير والتاريخ واللغة على مدار تاريخنا الطويل .

أضف تعليق