جاء الظهور المفاجئ للمطربة الكبيرة نجاة فى الحفل الأخير بموسم الرياض، ليقسم جمهورها ومحبيها بين فريق أسعدهم طلتها على المسرح ولو كانت قد استعاضت عن صوتها الحقيقى بتقنية البلاى باك، وفريق آخر لم تعجبه تلك الخطوة وكان يفضل أن تبقى بعيدًا عن الأضواء وتحتفظ بالصورة الذهنية الجميلة المنطبعة عنها فى أذهان الملايين من عشاق صوتها.
وزاد من مساحة الجدل أن صاحبة الصوت الحنون والأغنيات الرومانسية الخالدة، سبق أن رفضت من قبل الكثير من المحاولات لإقناعها بالعودة إلى الغناء، والدعوات المستمرة لتكريمها فى المهرجانات الفنية بما فيها مهرجان الموسيقى العربية، وفضلت أن تبقى فى عزلتها الاختيارية بعيداً عن الشهرة والصخب والأضواء، حتى جاء ظهورها الأخير فى حفل السعودية ليثير علامات الدهشة ويطرح من جديد السؤال الصعب، وهو متى يعتزل المبدع أو الفنان؟
والحقيقة أن عدداً قليلاً من النجمات، وعلى رأسهن قيثارة الشرق الراحلة ليلى مراد، ومارلين مونرو الشرق هند رستم، والمطربة الكبيرة الراحلة سعاد محمد قد ضربن مثالا يحتذى به حول ضرورة اعتزال الفنان فى عز تألقه ونجوميته، حتى يحافظ على تاريخه الفنى وصورته المشرقة لدى الناس، وقبل أن ينصرف عنه الجمهور ويلفظه المنتجون ويقولون له «كفاية حرام» على طريقة جماهير كرة القدم.
فيما كان لنجمات أخريات رأى مختلف وهو التمسك بأهداب الشهرة، سواء من خلال تقديم أعمال فنية غالبًا ما لا يصادفها النجاح، أو الظهور المتكرر فى البرامج الرمضانية وركوب «الترند» عن طريق الخوض فى الأسرار الشخصية وكشف المستور عن الأشياء المسكوت عنها والذكريات المحجوبة، أو عن طريق تلك الوسيلتين معًا، كما تفعل الآن النجمتان نبيلة عبيد ونادية الجندي، أو كما كانت تفعل الشحرورة صباح والفنانة مريم فخرالدين قبل وفاتهما.
وهو ما يدفع الكثيرين للتساؤل عن السبب فى مثل هذا الإصرار على التواجد تحت الأضواء وأمام الكاميرات.. هل هو الحاجة إلى المال؟، خاصة وأن بعض الجهات لا تمانع فى أن تدفع بسخاء شديد من أجل استقطاب نجمات ونجوم الزمن الجميل للظهور من جديد، حتى ولو كان ظهورهم يسئ لهم ولمكانتهم لدى الجمهور، أم هى شهوة الشهرة التى لا تنطفئ أبدا مع مرور الزمن.. أم هو العجز والخرف الذى يدفع الناس فى خريف العمر للتمسك بأهداب الحياة؟!
وأرجو أن نستفيد من حالة الجدل التى صاحبت مشهد ظهور صاحبة الصوت الملائكي « نجاة » على المسرح لتغنى « عيون القلب » بعد أكثر من ربع قرن من الغياب، لنزيل حالة المرارة والإحساس بعدم التقدير والتجاهل التى يشعر بها كثير من كبار نجمات ونجوم الفن الذين بعدوا أو استبعدوا بفعل فاعل عن الساحة الفنية، لنرد لهم الاعتبار ونمنحهم ما يستحقون من تقدير وتكريم فى بلدهم.