دموع الرجال لؤلؤ بين أغشية الصدف

دموع الرجال لؤلؤ بين أغشية الصدفحسين خيري

الرأى11-2-2024 | 21:16

دموع الرجال غالية، لا تقدر بثمن، لاسيما في بلاد العرب، و الرجل يبكي إذا فارقه عزيز لديه، أو حين يستشعر أن مستقبله في خطر، أو وقتما ينتابه إحساس بغدر شخص أخلص له، وفي المقابل المرأة العربية تأبي رؤية الرجل يبكي، ورفضها لا يدل علي المصداقية، وذلك لتناقض مشاعرها، فهي تحب الرجل الذي لا يبخل في التعبير عن مشاعره أمامها، و المرأة كبقية فئات المجتمع العربي تقبل الغضب من الرجال، وتري أن حزن الرجل من المحظورات.

والنساء أكثر عرضة من الرجال بسبب تكوينها البيولوجي، وهرمون "البرولاكتين" في غدد المرأة يعزز بداخلها الشعور بالبكاء، وعلي النقيض هرمون الذكورة يقف حائلا في مواجهة ذرف دموع الرجال ، ويفضل الرجل لآخر لحظة موقف الصمود وسط ضغوط الحياة، حتي يعكس ثباته الانفعالي بين محيطه الاجتماعي، ويعد في نفس الوقت ثمنا باهظا، لأنه يحمل نفسه فوق طاقتها، من أجل ظهوره بصورة الرجل القوي.

ولا مفر أن مشاهد مجازر غزة تزلزل عرش الرجولة، وتجعل "أتخن شنب" عيناه تخرج عن طوعه، وتزايد درجات الضغوط تنحني أمامها عيون الرجل العصية، بل يمكن أن تصيبه بأزمات صحية خطيرة، وهذا حسب دراسة جمعية القلب الأمريكية، ولم يستطع الرجل المقدسي الأربعيني جمح دموعه وجرافات الاحتلال الإسرائيلي تنزع أحجار منزله وتسقطه صريعًا، مثلما تقتل الشهيد بدم بارد.

ويشتد نزاع العلماء حول أضرار الدموع وفائدتها، ففريق منهم يقر بأن الدموع تزيد الأمر سوءًا، وتسبب الصداع النصفي، وفريق آخر يجزم بقدرة البكاء علي تخفيف حالة الضغط النفسي، وأهل العقل يعظمون بكاء الرجال حين تخرج الأمور عن سياقها، وبكاء فلان لا يعني أنه رجل ضعيف، بيد أن رجالا تعكس صورة مزيفة حين تتظاهر بالثبات العاطفي وسط ظروف حالكة السواد لا تتحملها الجبال، وينطبق عليهم وصف رجال تسكن بين أضلاعهم قلوب قاسية.

ودموع الرجل غالية كالأحجار الكريمة في الجبال وكاللؤلؤ في أغشية الصدف، تجري علي خديه عندما ترتقي مشاعره وتتعدي كل توقعات الحب، وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبكي من خشية الله، وإذا سمع صحابته آيات الله تفيض أعينهم بالدموع، وقال المولي عز وجل: "إِذَا تُتْلَي عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً"، واستعاذ رسول الله من عين لا تدمع ومن قلب لا يخشع.

والقول الفصل في النهاية الخاص بشأن دموع الرجال، إن الحكماء والنبلاء هم من يبكون، ودمعهم غال يفوق خيال الشعراء، ويهز القلوب النقية، ولكن كن حذرًا من دموع التماسيح، وإياك يا صديقي القارئ من خداع أنصاف الرجال حين يكابدون عيونهم في صنع دموع تتعثر عند سقوطها، فهي بحق الصورة المزيفة عن بكاء الرجال.

أضف تعليق