فرصة للابتعاد عن العالم الافتراضي

فرصة للابتعاد عن العالم الافتراضيصورة ارشيفية

منوعات13-2-2024 | 08:17

الحب ليس مجرد كلمة، بل مشاعر وعلاقات وعواطف وحنين إلى الماضي بكل ذكرياته الجميلة، فهنا كنا نجلس مع «الجدة» لنستمع إلى حكايتها الممتعة، وهنا كنا نذهب لزيارة ابن العم للاحتفال معه بعيد ميلاده، ذكريات جميلة نحنّ إليها وعنوانها «صلة الرحم»، التي تراجعت واندثرت بعد انتشار التكنولوجيا، فأصبح من السهل أن ترسل رسالة دون أن تذهب وتشارك الآخرين ذكرياتهم الجميلة، ولأهمية صلة الرحم توجهت «أكتوبر» للمختصين لسؤالهم عن كيفية عودة التواصل و«صلة الأرحام» بجمال ذكرياتها احتفالاً بعيد الحب.

تقول الدكتورة شيماء عراقى، استشاري إرشاد أسرى وتعديل السلوك، إن الحياة والعلاقات الإنسانية والاجتماعية لا تكتمل إلا بالتواصل بين أفراد العائلة وتوطيد العلاقات فيما بينهم، ليسود السلام وتمد جذور التواصل البناء بين العائلات، لكن مع ضغوط الحياة والطفرة التى أحدثها التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت تلك هي وسيلة العائلات للتواصل، والتي شكلت جانبا إيجابيا وآخر سلبيا فى حياتهم، فانقطعت الزيارات ولمة العائلة فى المناسبات المتعددة، وبقي الاكتفاء بمعرفة أحوال العائلة من خلال التواصل عبر الفيس أو الواتس وغيرها فى رسائل نصية جامدة فاقدة للدفء العائلى وصلة الرحم والمودة فيما بينهم.
وأضافت أنه إذا وقفنا على الجانب الإيجابي للتواصل عبر «السوشيال ميديا» فإنه يمكن استغلالها للتواصل الاجتماعي خاصة فى حالات الغربة عن العائلة ومعايشة الحياة اليومية معهم بالفيديو والأحاديث عبر الكاميرات المفتوحة فيما بينهم، مؤكدة أنه لا ينبغى أن نعول على تلك التكنولوجيات فى التواصل ونركن عليها فى أننا قد فعلنا واجبنا نحو الأهل والعائلة بل علينا التزاور فيما بيننا لأن فى ذلك تجديدًا للعلاقات الأسرية مع صلة أرحامنا ونفتح مجالا لإزالة البُعد والهجر بين أفراد العائلة، فيجب أن نعود إلى ما تربى عليه الأجيال السابقة من فهم لقيمة التراحم وصلة الرحم والأهل بشكل مستمر.

وأشارت إلى أننا يجب ألا نتوقف عن الزيارات خاصة فى فترات الأزمات المالية، فقد تشكل الهدايا بالمناسبات عبئًا على كاهل الأهل، لكننا نستطيع خلق بدائل كى لا تقل تلك الزيارات فيما بين الأسر، وجعلها عادة فى حياتنا، مع ضرورة اصطحاب الأطفال فى تلك الزيارات لكى نغرس فيهم قيمة صلة الرحم والتعرف عن قرب بالأقارب والأهل.

كما تقول الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري نفسي وتربوي، إن التكنولوجيا صنعت للأسف حالة من التباعد الأسري والتفكك الاجتماعى، فنحن على الرغم من وجودنا تحت سقف واحد متباعدين رغم أننا متواجدون بأجسادنا، لكن هناك مشكلة أن كلا منا يلهث وراء رغباته وحياته وعالمه الافتراضي الذي يعتقد أنه الأفضل والمثالي، لكن هناك دراسات تناولت موضوع الأسرة وما تجنيه وتعانيه من التباعد بسبب حالات التكنولوجيا، حيث يحدث تفكك أسري وقطع صلة الأرحام وما إلى ذلك، وتقول الدراسة إنه وفقا لمحركات البحث وجد أن الأطفال والمراهقين يحتلون الصدارة فى محركات البحث، بمعنى أنهم يرغبون أكتر فى الانعزال عن الأسرة من خلال الإنترنت والتكنولوجيا، واعتبرت أن الأجهزة التكنولوجية حلت محل الأسرة والأب والأم.

وأضافت أنه فى الماضي كنا نقول إن المربي الثاني هو التليفزيون أما الآن فأصبحت التكنولوجيا تحتل صدارة المعلم الثاني من خلال ما تبثه فى عقولهم من المعلومات والثقافات المتعددة التي للأسف احتلت مكان التربية السليمة السوية التي بها عاطفة ومشاعر وحب واحتواء وفكر وحوار، وقد نتج عن هذا الأمر أن الجيل الجديد خرج ليس لديه مشاعر وعاطفة كافية، وأصبح لديه انطوائية وانعزالية واضطرابات نفسية كثيرة منها الاكتئاب والسلوكيات الإدمانية مثل العادة السرية وشرب المخدرات، وإدمان الوسائل التكنولوجية والسوشيال ميديا، التي أصبحت هي الملاذ الذي استحوذ على عقولهم، فأصبحت العلاقات الاجتماعية مبتورة واستعان عنها بالعلاقات الافتراضية التي هي مصدر مخاوف وقلق على هؤلاء الشباب.

وأشارت د. إيمان إلى أن التكنولوجيا تتسبب بالعديد من الاضطرابات النفسية والعضوية للأطفال، وهذا جعلهم يشعرون بأعراض المسنين وهم صغار مثل آلام الركبة والرقبة والصداع المستمر وقصر النظر بالعين وغيرها من الأمراض، لذا يجب أن تتكاتف الأسرة وأن يكون عيد الحب بمثابة بداية جديدة لحياة مختلفة من التكاتف الأسرى وصلة الأرحام، مؤكدة أن الحوار بين أفراد الأسرة شيء ضروري للغاية، وأهم وقتين لذلك هما وقت تناول الغذاء وقبل النوم، فهذا يعيد مناخ الأسرة من جديد، فالجلوس على مائدة واحدة أثناء تناول الطعام والتحدث إلى بعضنا البعض يخلق حالة من الصلة والترابط فيما بين الأسرة الواحدة، لافتة إلى أنه يفضل فى هذا الوقت أن نغلق كل الأجهزة والموبايلات، كما أن مفهوم الصداقة لابد أن يعود مرة أخرى سواء بين الزوجين أو بين الأخوات أو بيننا وبين أبنائنا.

من جانبها، تقول الدكتورة منى شاكر، استشاري نفسي، إن المناسبات تعتبر أجمل الأوقات، فهي أفضل وقت يجعلنا نفصل عن الانشغال واللهو فى الحياة ومصاعبها طوال الوقت، فإذا كان لدى فرد من العائلة أي مناسبة سعيدة نذهب له على الفور لتهنئته والوقوف بجانبه لخلق نوع من الذكريات، ونتذكر أيام زمان وذكرياتها الجميلة، لكن ظهرت السوشيال ميديا وسهلت علينا أن نشارك من هم بعيدين عنا ويعيشون فى بلاد أخرى تلك المناسبات، لكنها فى ذات الوقت أفسدت تلك الذكريات والمشاعر فمن هم يعيشون معنا فى نفس البلد، وأحيانا تفصل ما بينهم مجرد حائط مثل الأخوات، ففي عيد ميلاد أختي وهي فى الحجرة المجاورة لي أرسل لها تهنئة بعيد الميلاد، بدون أن أذهب إليها وأحتضنها وأقول لها فى وجهها كل سنة وأنت طيبة، وهنا يظهر إفساد السوشيال ميديا للعلاقات الانسانية.

وأكدت أن أكثر فئة تعرضت للظلم هم كبار السن والجيل القديم مثل الجد والجدة والخال والخالة والعم والعمة، فمعظمهم لا يعرفون شيئا عن السوشيال ميديا، فالتواصل أصبح تواصلا كاذبًا، غير حقيقي، لذلك لابد ألا نستسلم لهذا الوضع وأن نحاول أن نعرف أطفالنا بأهمية صلة الأرحام التي نخلق من خلالها ذكرياتنا الجميلة، فيكفي أن تجلب كل أسرة معها شيء للضيافة وتذهب بها إلى بيت الجد والجدة فى عيد الحب، فنبسط الحياة ولا ننظر إلى قيمة الشيء الذي تجلبه كل أسرة فكل منهم حسب استطاعته، لأن الهدف الأساسي هو أن نجتمع ونصل أرحامنا فى هذا اليوم، ونطمئن الناس الكبيرة أننا مازلنا بجانبهم ونذكرهم فى المناسبات، وأن السعادة لا تكتمل إلا بوجودهم، ونثبت أننا مازلنا نحب بعضنا البعض، وأننا نشعر بمشاعر الآخر، وننظر لملامح بعض حتى نفهم ما يدور بداخلنا.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2