أحمد عاطف آدم يكتب: «المقهي» والمسئولية الإجتماعية
أحمد عاطف آدم يكتب: «المقهي» والمسئولية الإجتماعية
منذ عقود مضت وحتي الآن لازالت تتكرر تلك العادة التي تميز بها الشعب المصري بين شعوب الأرض علي مر العصور ، فكما ذكر المستشرق الإنجليزي "إدوارد لين" ، في كتابه "المصريون المحدثون"، أن القاهرة في مطلع القرن التاسع عشر كان بها ما يقرب من 1000 مقهى ، بينما تناول كتاب "وصف مصر"، الذي تم إعداده خلال الحملة الفرنسية على أرض الكنانة ، جانباً من تاريخ هذه المقاهي.
ومن منا لم يرتادها يوما ما أو كل يوم ، وهي التي استلهم فيها نجيب محفوظ وكبار الأدباء والكتاب ملاحمهم وإبداعاتهم المؤثرة والراسخة في ذاكرة مصر الأدبية والفلسفية ، وكم كانت سبيلا لمن وجد ضالتة في مقابلة صديق أو حتي قريب في الهواء الطلق ، أو حتي إنتظار بعض العملاء سعيا وراء الرزق وما شابه ، فما بين إدمان العادة وضرورة تغيير النمط الإجتماعي لقضاء وقت الفراغ ، تبقي حقيقة أنه لا خلاف علي أهمية تلك الأماكن العامة وتأثيرها بشكل أو بآخر في الجانب الإيجابي من يومياتنا المعتادة .
ومع كل ما سبق بقيت بعض الحقائق الأخري التي ربما وجب علينا التوقف عندها ، منها أرقاما مخيفة يستنزفها أصحابها خلال إدمان تلك العادة ، وأحداثا تدمي القلوب لنفس السبب . فبحسب الأرقام الرسمية يوجد حاليا ٢ مليون مقهى فى مصر ، منها ١٥٠ ألف بمحافظة القاهرة وحدها ، ويبلغ حجم إنفاق المترددين عليها نحو ٤٠% من رواتبهم طبقا للإحصائيات التى أعلنها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، كما تبلغ التكلفة الإقتصادية التى ينفقها المصريون سنويا على تدخين السجائر والشيشة ٤٠ مليار جنيه ، وأن نحو ١٣ مليون مدخن علاقاتهم الأسرية والإجتماعية سيئة بسبب التدخين وما يتم إنفاقة أثناء جلسات المقاهي لساعات يوميا . وربما تعكس أيضا الأسباب سالفة الذكر معاناه الكثيرات من ربات البيوت جراء لامبالاة أزواجهن باغتصاب جزء كبير من قوت يوم الأسرة ، هذا بجانب اعتبار الزوجات المقاهي هي من ألد أعدائها لما تسببة للعلاقة من فتور وفواصل إجتماعية تضرب تلك العلاقة الحميمة في مقتل ، ففي السابق كانت الزوجات يكتوين ويكتمن ضيقهن ويبكين سرا لنفس السبب في ظل تفضيلهن عدم مواجهة الزوج إما خوفا أو حبا واحتراما، واليوم ومع اختلاف الزمن وضغوط الحياة أصبحت حواء لا تجد غضاضة في طلب الطلاق من زوج غير مسئول يعيش في عالمة الدخاني علي قهوتة المفضلة ولا يفكر فيها ولا في أبنائها ، وهو سبب حاضر بقوة ضمن أسباب تعدد حالات الطلاق بمحاكم الأسرة .
الأدهي والأمر أيضا هو ذلك التغيير النمطي في سلوك الأجيال الآنية، والتي أدمنت هي الأخري تقليد الكبار دون رادع يذكر ، هذا بالإضافة لتغير نمط التربية والمتابعة والمبالغة في تحرير الأبناء من القيود المجتمعية المشروعة وصولا لإنعدام الرهبة المقترنة بالإحترام والتبجيل من الصغير للكبير . للدرجة التي دفعت طالب بالصف الثالث الإعدادى ليعتبر نفسه أمام يعاني للوصول إلي مقهي تقبلة وأن بعض المقاهى ترفض جلوسه ، ولكنه لا يستسلم ويبحث برفقة أصدقائه حتى يجد مكانا مناسبا يسمح لهم بالتواجد والتدخين. تلك النظرة التي أكتسبتها الأجيال الجديدة من حقوق مكتسبة مدمرة لصحتهم يبررها مبالغة ذويهم في إدمان عادات جديدة تم إضافتها لأخري مستحدثة كمواقع التواصل الإجتماعي الصامت والجلوس أمام شاشات الكمبيوتر لساعات وما إلي ذلك . ومن هنا أجد أنه لا بد من وقفة من قبل مرتادي المقاهي وبصفة خاصة مدمنيها بصفة يوميا ، وعليهم أن يتحلوا بمزيدا من المسئولية الإجتماعية تجاه جميع أفراد الأسرة في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة و تلك الحروب الدائرة والمركزة حملاتها علي شباب اليوم من أجل تدميرهم وتقويض مساعينا لتعديل مسارهم .