غزة بين نبوءة أشعياء وزيارة أردوغان لقبر الإمام الشافعي

غزة بين نبوءة أشعياء وزيارة أردوغان لقبر الإمام الشافعيغلاب الحطاب

الرأى16-2-2024 | 20:47

يجد الرئيس التركي رجب طيب اردغان طريقه في الداخل التركي بصعوبة بالغة ، فجمهوره هو المتأثرين بحركات الإسلام السياسي وهؤلاء هم من يصوتون له في الانتخابات ، فإذا زاغ عن هذا المظهر الإسلامي فلابد وأنه سوف يسقط سياسيا لأن هذا هو لونه الذي ينتخبه الأتراك من أجله ، غير أن هؤلاء في الداخل التركي ليسوا دائما أغلبية يمكن له الإعتماد عليهم بالكلية فالدولة التي اتخذت من الشعارات العلمانية مبادئ دستورية لها وصدرتها الى محيطها الإسلامي حتى أصبح اسم كمال اتاتورك رمزا للعلمانية في الدول التي خرجت من تحت العباءة العثمانية بعد موجة الاحتلال الإنجليزي والفرنسي للدول الأسيوية والإفريقية واللاتينية في القرن التاسع عشر ، لهذا فإن أردوغان مضطر دائما للتعامل البراجماتي على مستوى العلاقات الدولية وحتى في الداخل التركي فاستهل فترة حكمه الأولى بزيارة إسرائيل والتقى اريل شارون رئيس الوزراء في ذلك الوقت وحافظ على عضوية تركيا في حلف الأطلنطي كواحدة من أهم الشركاء في الحلف ومع ذلك لم ينجر الى فوضى العقوبات التي فرضها الحلف على ايران بل استغل الحصار الأمريكي للدولة الفارسية المارقة عن السياسة الغربية ليضخ اكبر قدر من السلع عبر الحدود البرية الطويلة فكان ذلك هو المحرك الرئيسي للمصانع التركية في العقد الأول من القرن الحالي ولم يختلف الامر مع العراق الذي خضع لبرنامج النفط مقابل الغذاء طيلة اكثر من عقد كامل بعد حرب تحرير الكويت وكانت الحدود العراقية التركية استثناء غير منضبط على برنامج العقوبات التي وضعته حكومة جورج بوش الاب وإدارة كلينتون بعد ذلك فشهد التبادل التجاري السري بين العراق وتركيا اعلى درجاته وبهذا استطاعت إدارة اردغان ان تحقق طفرة في الصادارات كان اغلبها عمليات تهريب خفية لا تظهر في الملفات الضريبية بالضرورة وهو ما يطلق عليه الاقتصاد الخفي فبدت الصورة وكأن تركيا باتت وأصبحت دولة صناعية كبري دون أوراق تثبت كيف حدث ذلك ويعود هذا بكل تأكيد لفكرة البرجماتية التي اعتنقتها إدارة أردغان والتي لم تغب عن ديوان قراراته في أية مرحلة له .

كانت نصيحة اردغان لجماعة الإخوان في مصر عندما زارها بعد حراك الخامس والعشرين من يناير الفين واحد عشر برفع شعارات علمانية واحدة من نقاط الخلاف الكبيرة بينه وبين الجماعة المصرية الأصل وحدثت ملاسنات بين مرشد الجماعة في ذلك الوقت الدكتور محمد بديع وبين الجانب التركي عندما اتهم تركيا بالتدخل في الشأن المصري ردا على تلك النصيحة من اردوغان وكان هذا بسبب ارتفاع سقف مطالب الحركات السلفية في ذلك الوقت التي كانت تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية بقرار اداري ورغم اعجاب كثير من قادة الجماعة عندئذ بفكره إلا انهم لم يستطيعوا ابداء رأيهم هذا بسبب اشتداد الدعاية السلفية في ذلك الوقت .

اتهم اردغان ولي العهد السعودي صراحة بقتل المعارض جمال خاشقجي في السفارة السعودية في انقرة ووصل التلاسن بينهم مدى غير مسبوق عندما طاف اردغان كل المنابر الدولية متهما ولى العهد بتلك الجريمة ولكنه تراجع فجأة عندما أرسلت السعودية قطعا عسكرية بحرية للمشاركة في مناورات أجرتها اليونان خلف المناطق الحدودية البحرية لها مع تركيا وفجأة توقفت تركيا عن ملاحقة ولى العهد بل وظهر ولى العهد في انقرة في زيارة رسمية وكأن شيئا لم يكن ، نفس الشئ حدث مع دولة الإمارات العربية المتحدة حتى تصور البعض أن ثمة حرب قد تقوم بين البلدين عندما دخل وزير الدفاع التركي على خط المواجهات متهما الإمارات بأنها مجرد دولة وظيفية ولم يكد يمضي وقت طويل حتى ظهر الشيخ محمد بن زايد في انقرة وظهر الرئيس اردوغان في ابوظبي ، والمتتبع لملفات السياسة الخارجية التركية سيجد الكثير من هذا مع فرنسا ونيوزيلاندا وروسيا وإيطاليا وألمانيا وانجلترا فضلا عن اليونان وأرمينيا اللتان تقفان في حالة اشبه ما تكون بالحرب الباردة مع الدولة التركية .

واليوم تتقاطع المصالح بين الدولتين المصرية والتركية في نقاط عديدة تفرض على الدولتين نوعا من التفاهم الإجباري ، فاتفاقية التجارة الحرة القديمة بين البلدين تجعل من مصر فرصة كبيرة وغنيمة عظيمة للصناعة التركية المتقدمة والتي فرضت جودتها على اوربا واسيا وأفريقيا وتعتبر المصانع التركية في مصر وسيلة جيدة لعمليات نقل التكنولوجيا الى الداخل المصري لأن المستثمرين الأتراك يأتون الى مصر بلا حساسيات بخلاف الأوربيين الذين يفكرون دائما في حجب الأفكار واحتكار الإختراعات ، وإن حجم التبادل التجاري الذي يتعدى في الواقع مبلغ الخمسة عشر مليار دولار التي ذكرها الرئيس التركي في المؤتمر الصحفي هو حجم هائل جدا يعتبر بلا شك ركنا في الاقتصاد المشترك للدولتين لا يمكن ازالته دون أن تكون هناك هزات قوية قد تسبب انهيار احدهما أو كلاهما وهو الواقع الذي فرض نفسه على القطيعة الدبلوماسية والسياسية بين الدولتين خلال العشر سنوات الماضية فلم تكن أبدا ثمة قطيعة تجارية ، كما أن التقارب الحالي قد يعطى دفعة قوية لإيجاد تفاهمات في مجالات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط وفض النزاع الذي أفضى الى اتفاقيات اضطرارية أبرمتها الدولتان في اطار المواجهات العسكرية والسياسية بينهما خلال العقد الماضي وهو ما سيحقق بكل تأكيد مكاسب كبيرة تصب في الخزانتين المصرية والتركية سواء بسواء .

على الصعيد السياسي فإن نقطة التقاء كبيرة بين القاهرة وانقرة تبدو الآن أكثر الحاحا وهى ما تمثله عملية التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل الآن في فلسطين المحتلة في قطاع غزة ويمكن أن يمتد بعد ذلك الى الضفة الغربية إذا نجحت إسرائيل في الوصول الى نقطة اخلاء غزة من السكان بترحيلهم الى الخارج أو وضعهم مرة اخري تحت الاحتلال العسكري وهو ما يؤدي في الأخير بالضرورة الى مغادرتهم بلادهم خوفا من القتل والتنكيل ، أقول أن هذه نقطة التقاء اجبارية بين الدولتين لاستشعار الخطر الإسرائيلي الذي يمكن أن تمثله إسرائيل الجديدة التي اذا انهار القطاع المقاوم فإنها سوف تمتد من البحر الى النهر ويبشر رئيس وزرائها بنبوءة اشعياء التي تتطلع الى التوسع من النيل الى الفرات لتشمل مصر وفلسطين والعراق والأردن وسورية والشرق التركي ، هذا بلا شك يمثل خطرا كبيرا على الدولتين وإن تركيا التي ساعدت في قيام دولة إسرائيل قبل ثمانين عاما ليست تركيا اليوم التي تعتبر أن أي توسع إسرائيلى على حساب الأراضي العربية هو خطر على حدودها ، إلا ان الموقف التركي لا يسير على وتيرة واحدة في المسألة ، فبعد هجوم السابع من أكتوبر الذي لا يتزعزع اعتقادي أبدا أن إسرائيل كانت على علم به وسعت الى تضخيمه من حيث عدد القتلى والأسرى والمصابين في الجانب اليهودي أقول ان الموقف التركي بدا متأرجحا بين المواجهة العسكرية التي قال بها اردوغان في الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على شمال القطاع عندما قال ان غزة مثل بورصة لدي تركيا وإنهم في تركيا مستعدون للحرب مع اليهود إن لم يكن من الصدام المسلح بين الدولتين بد عندما تبتلع إسرائيل القطاع الضعيف ثم تلا ذلك تصريح غريب جدا من الخارجية التركية عندما أبدت استعدادها للمشاركة في إدارة القطاع وهو أمر لا يمكن تخيله الا بعد سقوط الإدارة الحالية التي تمثلها حركة حماس وهو ما يعطي انطباعا بأن ثمة شيئا في الكواليس لا يعرفه المراقبون العاديون من امثالي ثم تبع ذلك حالة من الصمت المخيف من الإدارة التركية حول المسألة الا من تصريحات هجومية بين الحين والحين تبدو وكأنها موجهة الى الداخل التركي اكثر منها الى اسرئيل تتمثل في تهديد بنيامين نيتنياهو دائما بالمحاكمة أمام الجنائية الدولية وكأن المحكمة التي تقع تحت سيطرة الغرب المؤيد لإسرائيل جزءا من المنظومة القضائية التركية .

إن الهجوم الإسرائيلي على رفح وقد أبدت الإدارة الأمريكية موافقتها عليه والذي سوف تصاحبه بعض الدعاية الإنسانية للتغطية على واحدة من اكبر المذابح في التاريخ الحديث ضد شعب اعزل يتوقع افراده كل دقيقة أن تسقط فوق رؤوسهم قنبلة أو صاروخ أو دفعة رصاص مكثف من احدى طائرات ال اف 16 ليتحولوا الى أكفان بيضاء تضم ما تبقى من أشلائهم هذا الهجوم سوف يكون مقدمة كبيرة للتوسع الإسرائيلي في المنطقة وان كانت نبوءة اشعياء تخبر بامتداد الدولة العبرية بين مصر والعراق فإن نبوءة نتنياهو تتحدث عن امتداد من الخليج الى المحيط ولا شك ان سقوط غزة هو انهيار لواحدة من اكبر النقاط الحصينة في سبيل هذا الإمتداد وإن التعاون التركي المصري لدعم صمود الغزاويين وامتناعهم على الآلة الصهيونية الأمريكية هو مصلحة استراتيجية مشتركة بين الدولتين تفرض تقاربا لاشك أنه سيحدث اثرا في المواجهات التي تجرى على الأرض العربية في غزة قبل أن تمتد الى محيطها الإقليمي الذي يشمل الشرق الأوسط وشمال افريقية وشرق اوربا .

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2