كنت أظن أن كلمة "بس" هي كلمة عربية عامية تعني "فقط"، ولكني فوجئت في أحد الأفلام الهندية بهذه الكلمة تتردد بنفس المعني أي فقط، ثم عرفت أنها من أصل فارسي، أظنني اليوم أحتاج إلى استعمال هذا اللفظ الهندي الفارسي لوصف الوضع العسكري والسياسي العالمي تجاه عملية الإبادة الجماعية التي تحدث الآن في غزة من قبل العصابات الصهيونية.
فيمكننا مثلا أن نقول : إن ما تقوم به إسرائيل في غزة الآن هو "قتل بس"، "تدمير البيوت بس" ، "إعادة احتلال الأرض بس"، "طرد السكان إلى المجهول بس"، "جويعهم وتعريتهم وتعطيشهم وتجميدهم من البرد بس"، ويمكن أن نلخص ذلك كله في أنه "إبادة بس".
أما تقوم به الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإنجلترا فإنه" دعم ل إسرائيل بس" ، وما تقوم به الصين وروسيا هو "كلام بس"، وما تقوم به الدول العربية هو" بكاء بس" ، وما قامت به جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية مشكورة هو "تقديم عريضة دعوى بس"، وما تقوم به إيران هو "تأهب بس"، وما يقوم به حزب الله في لبنان هو "مناوشات بس"، وما يقوم به المسلمون والعرب هو في النهاية "كلام بس" وما تقوم به حماس الآن هو "مقاومة ضعيفة جدا بس" ،
هذه " البسات جميعا " المحصل العددي لها كله هو "البس" الأولى التي تخص إسرائيل وهى "
إبادة بس"، لأن كل البسات الأخرى تساوي صفرا.
ما نحن فيه الآن يا سادة هو قتل مستمر، ثم قتل مستمر، ثم قتل مستمر؟ حتى ينتهي القطاع من الوجود ويخرج السكان بلا رجعة يتكرر كل يوم بنفس الطريقة ونفس الوتيرة ونفس المعدل، يذكرني هذا بحرب تحرير الكويت عندما قررت التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة أن يوجه ضربة عسكرية تستمر لمدة ثمانية وأربعين ساعة قبل أن يبدأ الهجوم البري ظنا منها أن الضربة الجوية سوف تلقى مقاومة من سلاح الدفاع الجوي االعراقي ولما وجدت أمريكا أن نسبة الخسائر في سلاح الجو هي صفر قررت أن تستمر الضربة الجوية شهرين كاملين حتى قضت على كل البنية التحتية العراقية بما في ذلك جميع الجسور والمصانع ومحطات الكهرباء والماء والغاز ومصافي النفط ومحطات تجمع سيارات النقل والمواني والأسواق والمجمعات الحكومية حتى عادت العراق قبل أن تبدأ العملية البرية إلى العصر الحجري، نفس الشئ هنا لا شيء سوي القصف الجوي كل يوم وتفخيخ المباني وإزالتها رغم أنها خالية من السكان وتدمير كل مناحي الحياة، والحقيقة أن القارئ في التاريخ اليهودي يعرف أن اليهود لا يستطيعون دخول قرية إلا إذا خرج أهلها منها قبل أن يدخلوها وهو ما قالوه لموسى عليه الصلاة والسلام "يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون".
فيمكن إذن أن نستنتج أن إسرائيل إن كان لديها القدرة على إزالة خمسين مبنى في اليوم الواحد بعد تدميرها، كما أن لديها القدرة على قتل خمسمائة شخص يوميا فإننا ببساطة بقسمة عدد المباني الكلية للقطاع على خمسين وبقسمة عدد سكان القطاع على خمسمائة يمكننا أن نعرف كم يوما تحتاج إسرائيل لإبادة الفلسطينيين في القطاع، هذا ما نحتاجه يا سادة من أيام نشاهد فيها الفضائيات والنشرات والتحليلات والخرائط "بس" إنه ماراثون تسير فيه إسرائيل كلاعب ليس له أي منافسين تنتقل من مضمار إلى مضمار بينما الغرب كله تصطف دولة تصفق لها وتعطيها العصير والماء وهى تجري منفردة حتى تصل إلى النهاية بمنتهي البساطة.
إن عاقبة ما يجري الآن من ممارسات إسرائيلية بينما العالم كله تقيده "البسات" السالف بيانها هو أمر في منتهى الخطورة أن تكون إسرائيل وحدها في فلسطين دون أية مقاومة داخلية بعد تهجير الشعب الفلسطيني الذي ما إن نجحت عملية طرده من قطاع غزة فإن البدء في طرده من الضفة الغربية ستبدأ على الفور وعندئذ لن يكون هناك شعب آمن في المنطقة كلها ولن تكون هناك حدود مقدسة تقف عندها الجيوش، لأن الجيش الإسرائيلي لن يعترف إلا بحدود التوراة من النيل إلى الفرات وطالما أن طرد الشعوب يتم بهذه البساطة فعلى كل شعب في المنطقة أن يستعد للطرد أو أن تتحول شعوب المنطقة كلها إلى عمال عند اليهود يضعون حصيلة عملهم اليومي في جيوبهم ليستثمروها لهم.
إن أنثي العنكبوت تتحرك نحونا جميعا ولن يكون هناك شعب واحد في المنطقة آمنا من شرها لأن تقتل "بس" وتطرد "بس" وتستعبد "بس".