"جابر" لبكاء القلوب

"جابر" لبكاء القلوبحسين خيري

الرأى3-3-2024 | 16:32

كم أتمني بسرعة مرور ما بقي من أيام وساعات علي قدوم الشهر الكريم، وكم أتمني أن أغمض عيني وأجد نفسي أتجول خلال أيام مشبعة بالصفو والعفو، ولم أتمن حلول الشهر الفضيل بفارغ الصبر في الأعوام السابقة كما هو الحال هذا العام، فالنفس فاض بها الكيل، وأصبحت لا تقدر علي تحمل أوجاع وأنين شعب غزة ، وسماع صراخهم ورؤية نزيف دمائهم يوميا فاق صمود الجبال.

إنه شهر يأتي معه الأمل ببزوغ طاقة من النور ينتظرها الملايين، نأمل منها أن تهدهد الفؤاد المجروح، وأن تنشر نسماته عطرًا يفوح منه الطمأنينة، وتبشر بفرج قريب، وتعلن عن نصر قادم لا محالة، وأنه شهر يعلم عباد الله الصبر.

ومن فضائل هذا الشهر الكريم، أن الأمم تتربي علي الجد وعفة اللسان وسلامة الصدور ونقاء القلوب، وتطهيرها من أدران الأحقاد والبغضاء، والحسد والغل والشحناء.. فيتلاقي الجميع علي المحبة والخير والدعوة والإصلاح.. وتجتمع القلوب وتتوحد الجهود.. وتتجسد ملامح التلاحم بين المسلمين رعاتهم ورعاياهم.

والنفس أتعبها الصراع المرير علي الحياة، وهي في نفس الوقت تكابد مشقة الشعور بمصائب أهل غزة، وتتوق للحظة من الهدوء والطمأنينة، ولن تتذوقها النفس إلا في أيام شهر الروحانيات، ويهبط النور الإلهي في القلوب، لينقي قلوب أسلمت أمرها لإله واحد.

وتهدأ النفس حين تشعر أن جهادها طوال شهر القرآن يكاد يتلمس آلام وآهات سكان غزة، وأن مكابدتها للصيام إنما وسيلة للتقرب إلي القدير ليخفف عنهم معاناة الجوع والعطش لساعات بل لأيام، وطريق ليطفئ حرقة القلب علي أوجاع جياع أطفال غزة.

و رمضان يزف لنا البشريات، وأولها أن جزاء الصبر الفوز برضوان الرحمن، وأن النصر حليف الصابرين، وفي رمضان حدثت وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة، وبعد تجرع الحبيب ألم الفراق جاءت الهجرة ولاحت بشائر النصر.

وفي أيامه المباركة، انطلقت غزوة بدر أولي غزوات الرسول، وكانت أولي شرارات النصر وبشري كبري لنصر وفتح مكة، بعد أن أجبرته قريش علي الهجرة من أحب البلاد إلي قلبه، وأجبرت صحابته رضوان الله عليهم علي ترك ديارهم وأموالهم، ولقوا فيها معاناة الحصار والتعذيب.

وشهر القرآن يطمئن القلب، وتخبر آياته بمآسي أصحاب الأخدود وماشطة فرعون وأهل الكهف، وقال الله تعالي لرسوله: "فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"، وقال عز وجل: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ"، فلا مفر أنه جابر لبكاء القلوب وأنه حتما سيكون جابرا لشعب يستنصره بدمائه وبكل نفيس.

أضف تعليق