يوافق اليوم، 5 مارس عام 1903، ذكرى ميلاد الفنان زكي رستم "وحش التمثيل"، إبن الباشاوات الذي احترف التمثيل، ورحل عن عالمنا في 16 فبراير عام 1972، عن عمر ناهز الـ68 عامًا.
ولد محمد زكي محرم محمود رستم، أو "زكي رستم" في قصر جده اللواء محمود رستم باشا بحي الحلمية، الذي كانت تقطنه الطبقة الأرستقراطية، فلم يكن غريباً عليه أن يبدع في دور الباشا حتى أصبح أشهر باشا في السينما المصرية، فهو أساساً سليل باشوات، فوالده هو محرم بك رستم عضو الحزب الوطني وصديقًا شخصيًا للزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد.
وفي عام 1920، نال زكي رستم شهادة البكالوريا ورفض إستكمال تعليمه الجامعي، وكانت أمنية والده أن يلحق بكلية الحقوق إلا أنه إختار هواية التمثيل، كما كانت رياضة حمل الأثقال هي هوايته المفضلة، وفي عام 1924، فاز بلقب بطل مصر الثاني في رفع الأثقال للوزن الثقيل.
السبب في إصابة أمه بالشلل
التقى زكي رستم بالفنان عبدالوارث عسر الذي ضمه إلى إحدى فرق الهواة المسرحية، وكانت هذه نقطة التحول في حياته، وبعد وفاة الأب تمرد على تقاليد الأسرة العريقة معلناً إنضمامه إلى (فرقة جورج أبيض)، فطردته أمه من السرايا لأنه مثل سيئ لإخواته وأصيبت بالشلل حتى وفاتها.
أول أفلامه وسر ارتباطه بالسينما
إنضم إلى (فرقة عزيز عيد)، ثم تركه بعد شهور لينضم إلى (فرقة إتحاد الممثلين)، وبعد ذلك إنضم إلى (الفرقة القومية)، وظل فيها عشرة أعوام كاملة، ثم إختاره المخرج محمد كريم ليشترك في بطولة فيلم (زينب) الصامت، ومن أشهر أفلامه (العزيمة، زليخة تحب عاشور، إلى الأبد، النمر، خاتم سليمان، معلش يا زهر، نهر الحب، الفتوة، رصيف نمرة 5، أنا وبناتي، قلبي على ولدي، أين عمري، ياسمين)، وكان آخر أفلامه (أجازة صيف) عام 1967، وإعتزل بعدها وأصيب بضعف في السمع.
ينتمي زكي رستم إلى مدرسة الإندماج، حيث أبدع في دور الباشا، كما أبدع أيضاً في دور المعلم وتاجر المخدرات والفتوة والأب المكافح والجد الحنون والزوج القاسي والموظف البسيط المطحون، قضى "رستم" حياته أعزب بدون زواج وكان يسكن بمفرده في شقة بـ عمارة يعقوبيان في شارع سليمان باشا، ولم يكن يؤنس وحدته سوى خادم عجوز قضى في خدمته أكثر من ثلاثين عاماً وكلبه (الوولف)، الذي كان يصاحبه في جولاته الصباحية .
قصة فقدانه السمع
عانى زكي رستم في أوائل الستينيات من ضعف السمع، وقد اعتقد أنه مجرد عارض سيزول مع الأيام، وبحفظه جيدًا لدوره وقراءته لشفاه الممثلين أمامه قد يحل المشكلة، ولكن هذا لم يحدث، ففي آخر أفلامه (إجازة صيف)، كان قد فقد حاسة السمع تمامًا، فكان ينسى جملًا في الحوار أو يرفع صوته بطريقة مسرحية، وعندما كان المخرج يوجهه أو يعطيه ملاحظاته لا يسمعها، ما أحزنه كثيرًا، حتى أنه في أحد المرات بكى في الاستوديو من هذا الموقف.
الإعتزال والوفاة
اضطر زكي رستم إلى اعتزال التمثيل عام 1968، بعد فقدانه حاسة السمع تدريجيًا، وكان يقضي معظم وقته في القراءة ولعب البلياردو، بعدما قدَّم أكثر من 240 فيلمًا، وبعد ذلك أصيب بأزمة قلبية حادة نُقل على أثرها إلى مستشفى دار الشفاء، وفي 15 فبراير 1972، توفى الفنان الكبير ولم يمش في جنازته أحد.
لم يحب زكي رستم شيء في حياته مثلما أحب السينما، كان يقرأ بنهم في مختلف المجالات، وحين يسأله أصدقاءه عن السبب، يقول إن الممثل يحتاج لسعة الإطلاع في مختلف العلوم ليتمكن من فهم أدواره، واختيار البناء الذي يلائم شخصيته في العمل الفني.
كان حريصًا على النوم مبكرًا ليخلص ذهنه وجسده من متاعب الإندماج في الشخصية التي يؤديها، ويحرص على الاستيقاظ مبكرًا، ليتمكن من مذاكرة واستحضار ما سيؤديه، لذا حفر لنفسه مكانة مميزة، تنوعت فيها أدواره، ولم ينافسه أحد في عظمة الأداء، لدرجة أن مجلة (باري ماتش) الفرنسية، صنفته عام 1945، ضمن أفضل 10 ممثلين في السينما على مستوى العالم.
الصحف الأجنبية: رجل المأساة
زكي رستم بالنسبة لمتابعي السينما في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، كان صاحب لقب «رجل المأساة»، والكثير مما كتب عنه كان يشير إلى أن حياته الشخصية تأثرت بفنه، ممثل عظيم منهمك في أدواره داخل بلاتوهات التصوير وخارجها، تحول لشخص انطوائي، شارد الذهن، يرفض المشاركة في السهرات والاحتفالات، ولا يهتم بتكوين الصداقات، ويرفض الزواج، وفي إحدى المرات، شاهده جار له فاقترب منه وصافحه، ثم سأله عن سبب حزنه، فرد الجار بأن والده توفى، فصمت الفنان قليلًا، ثم عاد ليسأل جاره.. المرحوم كان يقرب لك إيه؟ فنظر له الرجل بدهشة وقال «جوز أمي يا زكي بك»، وتركه ورحل.
سبب تخوف نجمات الزمن الجميل منه
كان الفنان الكبير زكي رستم معروفًا بشدة اندماجه في التمثيل، سواء في أدوار الخير أو الشر، حتى أن الكثيرات من الفنانات اللاتي شاركنه أعماله كن يخفن منه، خاصة حين يقتضي المشهد أن يضرب أو يصفع إحداهن، خوفاً من قوة الاندماج لدرجة تظهر في شدة الصفعة والضرب لدرجة كبيرة.
وكان من بين هؤلاء النجمات الفنانة ماجدة التي شاركته بطولة فيلم (أين عمري)، وجسّد فيه أحد أقوى أدواره، وقالت ماجدة إن دورها في الفيلم كان شاقًا؛ لأنها تجسد عددًا من المشاعر المختلفة، ولكن كان أكثر ما يخيفها أثناء تصوير المشاهد أن قصة الفيلم تقتضي أن يضربها زكي رستم ويعذبها، مؤكدة أنها كانت تعرف أن من أكثر مزاياه شدة الإندماج حتى أنه ينسى نفسه في التمثيل، فصفعها زكي رستم صفعة موجعة حتى أنها سمعت صراخ العمال والفنيين، ثم انهارت وسقطت على الأرض بعد أن أغمى عليها، وعندما أفاقت كان فمها ينزف ووجهها تورم، وقال لها مخرج الفيلم، أن هذه الصفعة أقوى صفعة سجلتها الشاشة المصرية، وبلغت قمة الإتقان الفني.
وأضافت ماجدة أنها التفتت حولها فلم تجد زكي رستم، وبحثت عنه، فوجدته مختبئًا وراء أحد الديكورات، وكان قد تبلل وجهه من شدة البكاء والدموع، وقال لها: "أنا ضربتك غصب عني"، فحاولت ماجدة التخفيف عنه، مؤكدة سعادتها بنجاح هذه اللقطة القوية سعادة لا توصف.
كما حكت الفنانة هدى سلطان أنه أثناء تصوير مشاهد فيلم (حميدو)، كان أحد مشاهد الفيلم يقتضي أن يضربها زكي رستم صفعة على وجهها بعد أن يكتشف أنها أبلغت عنه البوليس، وكان ذلك في نهار رمضان وأثناء الصيام، ولم يكد "زكي" يهوى بيده على وجه هدى سلطان حتى وقعت على الأرض وأغمى عليها وفقدت النطق، فساد الوجوم والصدمة كل الموجودين بالاستديو، وحاولوا إفاقة هدى سلطان ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، فاضطروا لاستدعاء الإسعاف، حيث استطاعوا إفاقتها بعد مرور أكثر من ساعة.
وبعد أن تمكنت الفنانة الكبيرة من الكلام قالت: "معلشي يظهر إني مرهقة وماستحملتش علشان الصيام"، وهنا التقط الفنان الكبير أنفاسه وصاح قائلاً: "يا شيخة نشفتي دمي يعني الصيام هو اللي دوخك مش أنا"، وأصر ألا يعيد المشهد والصفعة إلا بعد الإفطار حتى تتحمل الفنانة الكبيرة صفعته.
كما أكدت فاتن حمامة أنها كانت تخاف من اندماج زكي رستم قائلة: "يندمج لدرجة أنه لما يزقني كنت ألاقي نفسي طايرة في الهواء".